إنّ الذکر الحکیم یصنِّف الصحابة إلى أصناف یمدح بعضها و یذمّ بعضاً آخر، فالممدوحون هم السّابقون الأوّلون (1) و المبایعون تحت الشجرة (2) و المهاجرون و الأنصار (3) و أمّا المذمومون فهم أصناف نشیر إلى بعضها:
1. المنافقون: لقد أعطى القرآن الکریم عنایة خاصّة بعصبة المنافقین، و أعرب عن نوایاهم و ندَّد بهم فی السور التالیة: البقرة، آل عمران، المائدة، التوبة، العنکبوت، الأحزاب، محمّد، الفتح، الحدید، المجادلة، الحشر و المنافقین، و هذا یدلّ على أنّهم کانوا جماعة هائلة فی المجتمع الإسلامی.
2. المرتابون و السمّاعون: یحکی سبحانه عن طائفة من أصحاب النبیّ أنّهم کانوا یستأذنونه فی ترک الخروج إلى الجهاد، و یصفهم بأنّ فی قلوبهم ارتیاب، و أنّ خروجهم إلى الجهاد لا یزید المسلمین إلّا خبالًا، و إنّهم یقومون بالسماع للکفّار. (4)
3. الظانون باللّه غیر الحقّ: یحکی سبحانه عن طائفة من أصحاب النبیّ أنّهم کانوا یظنون باللّه غیر الحقّ ظنّ الجاهلیّة، إذ یشکّون فی کون المسلمین على صراط الحق و یقولون: «لَوْ کانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَیْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا» (5)
4. المولُّون أمام الکفّار: یستفاد من بعض الآیات و یشهد التاریخ على أنّ جماعة من صحابة النبیّ انهزموا عن القتال مع الکفّار یوم أحد و حنین؛ قال ابن هشام فی تفسیر الآیات النازلة فی أُحُد:
ثمّ أنّبهم على الفرار عن نبیّهم و هم یدعون، لا یعطفون علیه لدعائه إیاهم، فقال:
«إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَ الرَّسُولُ یَدْعُوکُمْ فِی أُخْراکُمْ» (6)
و قال فی انهزام الناس یوم حنین:
فلمّا انهزم الناس و رأى من کان مع رسول اللّه صلى الله علیه و آله من جفاة أهل مکّة، الهزیمة تکلّم رجال منهم بما فی أنفسهم من الضغن، فقال أبو سفیان بن حرب لا تنتهی هزیمتهم دون البحر، و صرخ جبلة بن حنبل: ألا بطل السحر الیوم. (7)
هذه صنوف من الصحابة ندَّد بهم القرآن الکریم و عیَّرهم بذمائم أفعالهم و قبائح أوصافهم، أ فبعد هذا یصحّ أن یعدّ جمیع الصحابة عدولًا أتقیاء، و یرمی من یقدح فی هؤلاء بالزندقة و البدعة؟ مع أنّ اللّه سبحانه وصف طائفة منهم (و هم السمّاعون) بالظلم.
1) راجع: التوبة: 100.
2) راجع: الفتح: 18.
3) راجع: الحشر: 8.
4) لاحظ: التوبة: 45- 47.
5) آل عمران: 154.
6) آل عمران: 153.
7) السیرة النبویة: 3 / 114 و ج 4 / 444.