جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

الإیمان و أحکامه‏ (2)

زمان مطالعه: 4 دقیقه

الإیمان من الأمن و له فی اللّغة معنیان متقاربان: أحدهما: الأمانة الّتی هی ضد الخیانة، و معناها سکون القلب. و الآخر: التصدیق، و المعنیان متدانیان. (1)

و أمّا فی الشرع فاختلفت الآراء فی تحقیق الإیمان و إنّه اسم لفعل القلب فقط، أو فعل اللسان فقط، أو لهما جمیعاً، أو لهما مع فعل سائر الجوارح، و على القول الأوّل فهل هو المعرفة فقط أو هی مع إذعان القلب.

فنسب إلى الکرّامیة إنّهم فسّروا الإیمان بالإقرار باللسان فقط، و استدلّوا علیه بقوله صلى الله علیه و آله: «أمرت أن أُقاتل الناس حتى یقولوا: لا إله إلّا اللّه، محمّد رسول اللّه». (2)

و ردّ بأنّ معنى القول فی کلامه: حتى یقولوا، هو الإذعان و الإیمان، و إطلاق القول على الاعتقاد و الإذعان شائع، و أیضاً الإیمان أمر قلبی یحتاج إثباته إلى مظهر و هو الإقرار باللسان فی الغالب، و سیوافیک أنّ ظاهر کثیر من النصوص هو أنّ الإیمان فعل للقلب.

و ذهبت المعتزلة و الخوارج إلى أن العمل بالجوارح مقوِّم للإیمان و الفاقد له لیس بمؤمن بتاتاً، إلّا أنّهما اختلفا، فالخوارج یرون الفاقد کافراً، و المعتزلة یقولون: إنّه لیس بمؤمن و لا کافر بل هو فی منزلة بین المنزلتین، و ممّا استدلوا به قوله تعالى:

«وَ ما کانَ اللَّهُ لِیُضِیعَ إِیمانَکُمْ» (3)

إذ المراد من الإیمان فی الآیة هو صلاتهم إلى بیت المقدس قبل النسخ.

و ردّ بأنّ الاستعمال أعمّ من الحقیقة، و لا شکّ أنّ العمل أثر الإیمان، و من الشائع إطلاق اسم السبب على المسبّب، و القرینة على ذلک الآیات المتضافرة الدالّة على أنّ الإیمان فعل القلب و أنّ العمل متفرّع علیه کما سیجی‏ء.

و ذهب بعض المتکلّمین إلى أنّ الإیمان مرکّب من الإذعان بالقلب و الإقرار باللسان، و هو مختار المحقّق الطوسی فی تجرید العقائد، و العلّامة الحلّی فی نهج المسترشدین، و نسبه التفتازانی إلى کثیر من المحقّقین و قال:

هو المحکی عن أبی حنیفة (4)، و استدلّ علیه بقوله تعالى:

«وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَیْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا» (5)

و أُجیب بأنّ مفاد الآیة أنّهم کانوا عالمین بالحقّ مستیقنین به، و مع ذلک لم یؤمنوا و لم یسلّموا به ظلماً و علوّاً، و هذا نظیر قوله سبحانه:

«فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا کَفَرُوا بِهِ» (6)

فالآیة و ما یشابهها تدلّ على أنّ المعرفة بوحدها لیست هی الإیمان المطلوب فی الشریعة بل یحتاج إلى إذعان بالقلب، و الجحود باللسان و نحوه کاشف عن عدم تحقّقه.

و من هنا تبیّن بطلان قول من فسَّر الإیمان بالمعرفة فقط، و قد نسب إلى جهم بن صفوان (المتوفّى 128 ه) و إلى أبی الحسن الأشعری فی أحد قولیه‏ (7) و نسبه شارح المواقف إلى بعض الفقهاء. (8)

و ذهب جمهور الأشاعرة إلى أنّ الإیمان هو التصدیق بالجنان، قال صاحب المواقف:

هو عندنا و علیه أکثر الأئمّة کالقاضی و الأستاذ التصدیق للرسول فیما علم مجیئه به ضرورة، فتفصیلًا فیما علم تفصیلًا، و إجمالًا فیما علم إجمالًا. (9)

و قال التفتازانی بعد حکایة هذا المذهب: «و هذا هو المشهور، و علیه الجمهور». (10)

و قال الفاضل المقداد:

قال بعض أصحابنا الإمامیة و الأشعریة: إنّه التصدیق القلبی فقط، و اختاره ابن نوبخت و کمال الدین میثم فی قواعده، و هو الأقرب لما قلناه من أنّه لغة التصدیق، و لما ورد نسبته إلى القلب، عرفنا أنّ المراد به التصدیق القلبی، لا أی تصدیق کان … و یکون النطق باللسان مبیّناً لظهوره، و الأعمال الصالحات ثمرات مؤکِّدة له. (11)

و هذا القول هو الصحیح و تدلّ علیه طوائف ثلاث من الآیات:

الأُولى: ما عدّ الإیمان من صفات القلب، و القلب محلًا له، مثل قوله تعالى:

«أُولئِکَ کَتَبَ فِی قُلُوبِهِمُ الْإِیمانَ» (12)

و قوله تعالى: «وَ لَمَّا یَدْخُلِ الْإِیمانُ فِی قُلُوبِکُمْ» (13)

و قوله تعالى: «وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِیمانِ» (14)

و الثانیة: ما عطف العمل الصالح على الإیمان، فإنّ ظاهر العطف إنّ‏

المعطوف غیر المعطوف علیه، و الآیات فی هذا المعنى فوق حدّ الإحصاء.

و الثالثة: آیات الختم و الطبع نحو قوله تعالى: «أُولئِکَ الَّذِینَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ» (15)

و قوله تعالى: «خَتَمَ اللَّهُ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ» (16)

فالإمعان فی هذه الآیات یثبت أن الإیمان هو التصدیق القلبی، یترتّب علیه أثر دنیوی و أخروی، أمّا الدنیوی فحرمة دمه و عرضه و ماله، إلّا أن یرتکب قتلًا أو یأتی بفاحشة.

و أمّا الأُخروی فصحّة أعماله، و استحقاق المثوبة علیها و عدم الخلود فی النار، و استحقاق العفو و الشفاعة فی بعض المراحل.

ثمّ إنّ السّعادة الأُخرویة رهن الإیمان المشفوع بالعمل، لا یشکّ فیه من له إلمام بالشریعة و الآیات و الروایات الواردة حول العمل، و من هنا یظهر بطلان عقیدة المرجئة الّتی کانت تزعم أنّ العمل لا قیمة له فی الحیاة الدینیة، و تکتفی بالإیمان فقط، و قد تضافر عن أئمّة أهل البیت علیهم السلام لعن المرجئة (17) قال الصادق علیه السلام:

«ملعون، ملعون من قال: الإیمان قول بلا عمل». (18)

و ممّا ذکرنا تبیّن أنّ الأحادیث المرویة فی أنّ الإیمان عبارة عن معرفة

بالقلب، و قول باللسان، و عمل بالأرکان‏ (19)، لا تهدف تفسیر حقیقة الإیمان، بل هی ناظرة إلى أن الإیمان بلا عمل لا یکفی لوصول الإنسان إلى السعادة، و إنّ مزعمة المرجئة لا أساس لها، هذا هو مقتضى الجمع بینها و بین ما تقدم من الآیات.

نسأل اللّه سبحانه أن یجعلنا من الصالحین من عباده المؤمنین الّذین قال فی حقّهم:

«مَنْ عَمِلَ سَیِّئَةً فَلا یُجْزى‏ إِلَّا مِثْلَها وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثى‏ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِکَ یَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ یُرْزَقُونَ فِیها بِغَیْرِ حِسابٍ». (20)


1) معجم مقاییس اللغة: 1 / 133.

2) رواه مسلم فی صحیحه: 1 / 53.

3) البقرة: 143.

4) شرح المقاصد: 5 / 178.

5) النمل: 14.

6) البقرة: 89.

7) شرح المقاصد: 5 / 176- 177؛ إرشاد الطالبین: 439.

8) شرح المواقف: 8 / 323.

9) المواقف فی علم الکلام: 384.

10) شرح المقاصد: 5 / 177.

11) إرشاد الطالبین: 442.

12) المجادلة: 22.

13) الحجرات: 12.

14) النحل: 106.

15) النحل: 108.

16) البقرة: 7.

17) لاحظ: الوافی، للفیض الکاشانی: 3 / 46، أبواب الکفر و الشرک، باب أصناف الناس.

18) البحار: 66 / 19.

19) سنن ابن ماجة: ج 1، باب الإیمان، الحدیث 65؛ خصال الصدوق: باب الثلاثة، الحدیث 207؛ نهج البلاغة: الحکم 227؛ بحار الأنوار: 69 / 18، الباب 30.

20) المؤمن: 40.