تتصوّر الشفاعة بوجهین:
1. المطلقة: بأن یستفید العاصی من الشفاعة یوم القیامة و إن فعل ما فعل، و هذا مرفوض فی منطق العقل و الوحی.
2. المحدودة: و هی الّتی تکون مشروطة بأُمور فی المشفوع له، و مجمل تلک الشروط أن لا یقطع الإنسان جمیع علاقاته العبودیة مع اللّه و وشائجه الروحیة مع الشافعین، و هذا هو الّذی مقبول عند العقل و الوحی.
و بذلک یتضح الجواب عمّا یعترض على الشفاعة من کونها توجب الجرأة و تحیی روح التمرّد فی العصاة و المجرمین، فإنّ ذلک من لوازم الشفاعة المطلقة المرفوضة، لا المحدودة المقبولة.
و الغرض من تشریع الشفاعة هو الغرض من تشریع التوبة الّتی اتّفقت الأُمّة على صحّتها، و هو منع المذنبین عن القنوط من رحمة اللّه و بعثهم نحو الابتهال و التضرّع إلى اللّه رجاء شمول رحمته إلیهم، فإنّ المجرم لو اعتقد بأنّ عصیانه لا یغفر قطّ، فلا شکّ أنّه یتمادى فی اقتراف السیئات باعتقاد أنّ ترک العصیان لا ینفعه فی شیء، و هذا بخلاف ما إذا أیقن بأنّ رجوعه عن المعصیة یغیّر مصیره فی الآخرة، فإنّه یبعثه إلى ترک العصیان و الرجوع إلى الطاعة.
و کذلک الحال فی الشفاعة، فإذا اعتقد العاصی بأنّ أولیاء اللّه قد یشفعون فی حقّه إذا لم یهتک الستر و لم یبلغ إلى الحدّ الّذی یحرم من الشفاعة، فعند ذلک ربّما یحاول تطبیق حیاته على شرائط الشفاعة حتى لا یحرمها.