یستظهر من الذکر الحکیم، و یدلّ علیه صریح الروایات، وجود صراط فی النشأة الأخرویة یسلکه کلّ مؤمن و کافر یقول سبحانه: «فَوَ رَبِّکَ
لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَ الشَّیاطِینَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِیًّا … وَ إِنْ مِنْکُمْ إِلَّا وارِدُها کانَ عَلى رَبِّکَ حَتْماً مَقْضِیًّا» (1)
و قد اختلف المفسّرون فی معنى الورود، بین قائل بأنّ المراد منه هو الوصول إلیها، و الإشراف علیها لا الدخول، و قائل بأنّ المراد دخولها، و على کلّ تقدیر فلا مناص للمسلم من الاعتقاد بوجود صراط فی النشأة الأخرویة و هو طریق المؤمن إلى الجنّة و الکافر إلى النّار.
ثمّ إنّهم اختلفوا فی أنّ الصراط هل هو واحد یمرّ علیه الفریقان، أو أنّ لکلّ من أصحاب الجنّة و النار طریقاً یختصّ به؟ قال العلّامة الحلّی:
و أمّا الصراط فقد قیل إنّ فی الآخرة طریقین: أحدهما إلى الجنة یهدی اللّه تعالى إلیها أهل الجنة و الأخرى إلى النّار یهدی اللّه تعالى أهل النّار إلیها، کما قال تعالى فی أهل الجنة:
«سَیَهْدِیهِمْ وَ یُصْلِحُ بالَهُمْ – وَ یُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ» (2)
و قال فی أهل النار: «فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِیمِ» (3)
و قیل إنّ هناک طریقاً واحداً على جهنّم یکلّف الجمیع المرور علیه و یکون أدقّ من الشعر و أحدّ من السیف، فأهل الجنّة یمرّون علیه لا یلحقهم خوف و لا غمّ، و الکفّار یمرّون علیه عقوبة لهم و زیادة فی خوفهم، فإذا بلغ
کلّ واحد إلى مستقره من النّار سقط من ذلک الصراط. (4)
و قال الشیخ المفید فی تفسیر کون الصراط أدقّ من الشعرة و أحدّ من السیف:
المراد بذلک أنّه لا یثبت لکافر قدم على الصراط یوم القیامة من شدّة ما یلحقهم من أهوال یوم القیامة و مخاوفها فهم یمشون علیه کالذی یمشی على الشیء الّذی هو أدقّ من الشعرة و أحدّ من السیف، و هذا مثل مضروب لما یلحق الکافر من الشدّة فی عبوره على الصّراط. (5)
أقول: لا شکّ أنّ هناک صلة بین الصراط الدنیوی (القوانین الشرعیة الّتی فرضها اللّه سبحانه على عباده و هداهم إلیها) و الصراط الأُخروی، و القیام بالوظائف الإلهیة، الّذی هو سلوک الصراط الدنیوی، أمر صعب أشبه بسلوک طریق أدقّ من الشعر و أحدّ من السیف، فکم من إنسان ضلّ فی طریق العقیدة، و عبد النفس و الشیطان و الهوى، مکان عبادة اللّه سبحانه، و کم من إنسان فشل فی مقام الطاعة و العمل بالوظائف الإلهیّة.
فإذا کان هذا حال الصراط الدنیوی من حیث الصعوبة و الدقّة، فهکذا حال الصراط الأخروی، و لأجل ذلک تضافرت روایات عن الفریقین بإختلاف مرور الناس حسب اختلافهم فی سلوک صراط الدنیا، قال الإمام الصادق علیه السلام:
«الناس یمرّون على الصراط طبقات، فمنهم من یمرُّ مثل البرق، و منهم مثل عدو الفرس، و منهم من یمرُّ حبواً، و منهم من یمرُّ مشیاً، و منهم من یمرُّ متعلّقاً قد تأخذ النار منه شیئاً و تترک شیئاً». (6)
1) مریم: 68- 71.
2) محمّد: 5.
3) الصافات: 23.
4) کشف المراد: المقصد السادس، المسألة 14.
5) تصحیح الاعتقاد: 89.
6) أمالی الصدوق: 107، المجلس 33؛ لاحظ: الدر المنثور: 4 / 291.