جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

المیزان‏ (2)

زمان مطالعه: 3 دقیقه

اختلفوا فی کیفیة المیزان یوم القیامة، فقال شیوخ المعتزلة: إنّه یوضع میزان حقیقی له کفّتان یوزن به ما یتبیّن من حال المکلّفین فی ذلک الوقت لأهل الموقف، بأن یوضع کتاب الطاعات فی کفّة الخیر و یوضع کتاب المعاصی فی کفّة الشرّ، و یجعل رجحان أحدهما دلیلًا على إحدى الحالتین، أو بنحو من ذلک لورود المیزان سمعاً و الأصل فی الکلام الحقیقة مع إمکانها.

و قال عبّاد و جماعة من البصریین و آخرون من البغدادیین المراد بالموازین، العدل دون الحقیقة. (1)

أقول: لا شکّ أنّ النشأة الآخرة، أکمل من هذه النشأة و أنّه لا طریق لتفهیم الإنسان حقائق ذاک العالم و غیوبه المستورة عنّا إلّا باستخدام الألفاظ الّتی یستعملها الإنسان فی الأُمور الحسّیة، و على ذلک فلا وجه لحمل المیزان على المیزان المتعارف، خصوصاً بعد استعماله فی القرآن فی غیر هذا المیزان المحسوس، قال سبحانه:

«لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَیِّناتِ وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْکِتابَ وَ الْمِیزانَ لِیَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ» (2)

لا معنى لتخصیص المیزان هنا بما توزن به الأثقال، مع أنّ الهدف هو قیام الناس بالقسط فی جمیع شئونهم العقیدیّة و السیاسیة و الاجتماعیة و الاقتصادیة.

کما أنّ تفسیر المیزان بالعدل، أو بالنبیّ، أو بالقرآن کلّها تفاسیر بالمصداق، فلیس للمیزان إلّا معنى واحد هو ما یوزن به الشی‏ء، و هو یختلف حسب إختلاف الموزون من کونه جسماً أو حرارة أو نوراً أو ضغطاً أو رطوبة أو غیر ذلک، قال صدر المتألهین:

میزان کلّ شی‏ء یکون من جنسه، فالموازین مختلفة، و المیزان المذکور فی القرآن ینبغی أن یحمل على أشرف الموازین، و هو میزان یوم الحساب، کما دلّ علیه قوله تعالى: «وَ نَضَعُ الْمَوازِینَ الْقِسْطَ لِیَوْمِ الْقِیامَةِ» و هو میزان العلوم و میزان‏

الأعمال القلبیة الناشئة من الأعمال البدنیة. (3)

و لسیّدنا الأُستاذ العلّامة الطباطبائی قدس سره فی المقام تحقیق لطیف استظهره من الآیات القرآنیة و حاصله:

أنّ ظاهر آیات المیزان‏ (4) هو أنّ الحسنات توجب ثقل المیزان و السیئات خفَّته فإنّها تثبت الثقل فی جانب الحسنات دائماً و الخفّة فی جانب السیئات دائماً، لا أن توزن الحسنات فیؤخذ ما لها من الثقل ثمّ السیّئات و یؤخذ ما لها من الثقل، ثمّ یقاس الثقلان فأیّهما کان أکثر کان القضاء له، و لازمه صحّة فرض أن یتعادل الثقلان کما فی الموازین الدائرة بیننا من ذی الکفّتین و القبّان و غیرهما.

و من هنا یتأیّد فی النظر أنّ هناک أمراً آخر تقاس به الأعمال، و الثقل له، فما کان منها حسنة انطبق علیه و وزن به و هو ثقل المیزان، و ما کان منها سیئة لم ینطبق علیه و لم یوزن به و هو خفة المیزان، کما نشاهده فیما عندنا من الموازین، فإنّ فیها مقیاساً و هو الواحد من الثقل کالمثقال یوضع فی إحدى الکفتین ثمّ یوضع المتاع فی الکفة الأخرى، فإن عادل المثقال وزناً بوجه على ما یدل علیه المیزان أخذ به و إلّا فهو الترک لا محالة و المثقال فی الحقیقة هو المیزان الّذی یوزن به، و أمّا

القبّان، و ذو الکفّتین و نظائرهما فهی مقدّمة لما یبیّنه المثقال من حال المتاع الموزون به ثقلًا و خفة.

ففی الأعمال واحد مقیاس توزن به، فللصلاة مثلًا میزان توزن به و هی الصلاة التامّة الّتی هی حقّ الصلاة، و للزکاة و الإنفاق نظیر ذلک، و للکلام و القول حقّ القول الّذی لا یشتمل على باطل، و هکذا کما یشیر إلیه قوله تعالى:

«یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ» (5)

فاللّه سبحانه یزن الأعمال یوم القیامة بالحقّ، فما اشتمل علیه العمل من الحقّ فهو وزنه و ثقله.

و على هذا فالوزن فی الآیة بمعنى الثقل دون المعنى المصدری، و إنّما عبّر بالموازین- بصیغة الجمع- لأنّ لکلّ أحد موازین کثیرة من جهة اختلاف الحقّ الّذی یوزن به بإختلاف الأعمال، فالحقّ فی الصلاة- و هو حقّ الصلاة- غیر الحقّ فی الزکاة و الصیام و الحج و غیرها و هو ظاهر. (6)


1) کشف المراد: المقصد السادس، المسألة الرابعة عشرة.

2) الحدید: 25.

3) الأسفار: 9 / 299.

4) لاحظ: الأعراف: 9؛ المؤمنون: 103، القارعة: 11.

5) آل عمران: 102.

6) المیزان: 8 / 10- 12.