یقول سبحانه: «وَ کَذلِکَ جَعَلْناکُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَکُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ یَکُونَ الرَّسُولُ عَلَیْکُمْ شَهِیداً» (1)
و الخطاب فی الآیة و إن کان للأمّة الإسلامیة، لکنّ المراد بعضهم، نظیر قوله تعالى: «وَ جَعَلَکُمْ مُلُوکاً» مخاطباً لبنی إسرائیل، و المراد بعضهم، و الدلیل على أنّ المراد بعض الأُمّة، هو أنّ أکثر أبنائها لیس لهم معرفة بالأعمال إلّا بصورها إذا کانوا فی محضر المشهود علیهم، و هو لا یفی فی مقام الشهادة، لأنّ المراد منها هو الشهادة على حقائق الأعمال و المعانی النفسانیة من الکفر و الإیمان، و على کلّ ما خفی عن الحسّ و مستبطن عن الإنسان ممّا تکسبه القلوب الّذی یدور علیه حساب ربّ العالمین یقول سبحانه: «وَ لکِنْ یُؤاخِذُکُمْ بِما کَسَبَتْ قُلُوبُکُمْ» (2)
و لیس ذلک فی وسع الإنسان العادی إذا کان حاضراً عند المشهود علیه، فضلًا عن کونه غائباً، و هذا یدلّنا على أنّ المراد رجال من الأُمّة لهم
تلک القابلیّة بعنایةٍ من اللّه تعالى، فیقفون على حقائق أعمال الناس المشهود علیهم.
أضف إلى ذلک أنّ أقلّ ما یعتبر فی الشهود هو العدالة و التقوى، و الصدق و الأمانة، و الأکثریة الساحقة من الأُمّة یفقدون ذلک و هم لا تقبل شهادتهم على صاع من تمرٍ أو باقة من بقل، فکیف تقبل شهادتهم یوم القیامة؟!
و إلى هذا تشیر روایة الزبیری عن الإمام الصادق علیه السلام، قال: «أ فَتَرى أنّ من لا تجوّز شهادته فی الدنیا على صاع من تمر، یطلب اللّه شهادته یوم القیامة و یقبلها منه بحضرة جمیع الأُمم الماضیة؟! کلّا، لم یعن اللّه مثل هذا من خلقه». (3)
1) البقرة: 143.
2) البقرة: 225.
3) نور الثقلین: 1 / 113، الحدیث 409.