جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

السؤال فی القبر و عذابه و نعیمه‏ (2)

زمان مطالعه: 2 دقیقه

إذا کانت الحیاة البرزخیة هی المرحلة الأُولى من الحیاة بعد الدنیا، یظهر لنا أنّ ما اتّفق علیه المسلمون من سؤال المیّت فی قبره، و عذابه إن کان طالحاً، و إنعامه إن کان مؤمناً صالحاً، صحیح لا غبار علیه، و أنّ الإنسان الحیّ فی البرزخ مسئول عن أمور، ثمّ معذّب أو منعّم.

قال الصدوق:

اعتقادنا فی المسألة فی القبر أنّها حق لا بدّ منها، و من أجاب الصواب، فاز بروحٍ و ریحان فی قبره، و بجنّة النعیم فی الآخرة، و من لم یجب بالصواب، فله نُزُلٌ من حمیم فی قبره، و تصلیة جحیم فی الآخرة.

و قال الشیخ المفید:

جاءت الآثار الصحیحة عن النبیّ أنّ الملائکة تنزل على المقبورین فتسألهم عن أدیانهم، و ألفاظ الأخبار بذلک متقاربة، فمنها أنّ ملکین للّه تعالى، یقال لهما ناکر و نکیر، ینزلان على المیت فیسألانه عن ربّه و نبیّه و دینه و إمامه، فإن أجاب بالحقّ، سلّموه إلى ملائکة النعیم، و إن ارتج سلّموه إلى ملائکة العذاب. و فی بعض الروایات أنّ اسمی الملکین اللذین ینزلان على الکافر: ناکر و نکیر، و اسمی الملکین اللذین ینزلان على المؤمن: مبشّر و بشیر.

إلى أن قال:

و لیس ینزل الملکان إلّا على حی، و لا یسألان إلّا من یفهم المسألة و یعرف معناها، و هذا یدلّ على أنّ اللّه تعالى یحیی العبد بعد موته للمسألة، و یدیم حیاته لنعیم إن کان یستحقّه، أو لعذاب إن کان یستحقّه. (1)

و الظاهر اتفاق المسلمین على ذلک، یقول أحمد بن حنبل:

و عذاب القبر حق، یسأل العبد عن دینه و عن ربّه، و یرى مقعده من النار و الجنّة، و منکر و نکیر حق. (2)

و قد نسب إلى المعتزلة إنکار عذاب القبر، و النسبة فی غیر محلّها، و إنّما المنکر واحد منهم، هو ضرار بن عمرو، و قد انفصل عن المعتزلة، صرّح بذلک القاضی عبد الجبار المعتزلی. (3)

هذا کلّه ممّا لا ریب فیه، إنّما الکلام فیما هو المراد هنا من القبر، و الإمعان فی الآیات الماضیة الّتی استدللنا بها على الحیاة البرزخیة، و الروایات الواردة حول البرزخ، تعرب بوضوح عن أنّ المراد من القبر، لیس هو المکان الّذی یدفن فیه الإنسان، و لا یتجاوز جثَّته فی السَّعة، و إنّما المراد منه هو النشأة الّتی یعیش فیها الإنسان بعد الموت و قبل البعث، و إنّما

کنّی بالقبر عنها، لأنّ النزول إلى القبر یلازم أو یکون بدءاً لوقوع الإنسان فیها.

و الظاهر من الروایات تعلّق الروح بأبدان تماثل الأبدان الدنیویة، لکن بلطافة تناسب الحیاة فی تلک النشأة، و لیس التعلّق بها ملازماً لتجویز التناسخ، لأنّ المراد من التناسخ هو رجوع الشی‏ء من الفعلیة إلى القوّة، أعنی عودة الروح إلى الدنیا عن طریق النطفة، فالعلقة، فالمضغة إلى أن تصیر إنساناً کاملًا، و هذا منفی عقلًا و شرعاً، کما تقدّم، و لا یلزم هذا فی تعلّقها ببدن ألطف من البدن المادی، فی النشأة الثانیة.

قال الشیخ البهائى:

قد یتوهّم أنّ القول بتعلّق الأرواح، بعد مفارقة أبدانها العنصریة، بأشباح أُخر- کما دلّت علیه الأحادیث- قول بالتناسخ، و هذا توهّم سخیف، لأنّ التناسخ الّذی أطبق المسلمون على بطلانه، هو تعلّق الأرواح بعد خراب أجسادها، بأجسام أخر فی هذا العالم، و أمّا القول بتعلّقها فی عالم آخر، بأبدان مثالیة، مدّة البرزخ، إلى أن تقوم قیامتها الکبرى، فتعود إلى أبدانها الأولیّة بإذن مُبدعها، فلیس من التناسخ فی شی‏ء. (4)


1) تصحیح الاعتقاد: 45- 46.

2) السنّة: 47؛ و لاحظ: الإبانة للأشعری: 27.

3) شرح الأُصول الخمسة: 730.

4) بحار الأنوار: 6 / 277.