التناسخ هو انتقال النفس من بدن إلى بدن آخر فی هذه النشأة، بلا توقّف أبداً، فالقائلون بالتّناسخ ینکرون عالم الآخرة و یفسّرون الثواب و العقاب باللّذات و الآلام الدنیویة فی هذه النشأة. قال الشهرستانی:
إنّ التناسخ هو أن یتکرّر الأکوار و الأدوار إلى ما لا نهایة له، و یحدث فی کل دور مثل ما حدث فی الأوّل و الثواب و العقاب فی هذه الدار، لا فی دار أخرى لا عمل فیها. و الأعمال التى نحن فیها إنما هی أجزیة على أعمال سلفت منّا فی الأدوار الماضیة. فالراحة و السرور و الفرح و الدعة الّتی نجدها هی مرتّبة على أعمال البرّ الّتی سلفت منّا فی الأدوار الماضیة. و الغمّ و الحزن و الضنک و الکلفة التى نجدها هی مرتّبة على أعمال الفجور التى سبقت منّا. و کذا کان فی الأوّل و کذا یکون فی الآخرة. (1)
یرد على القول بالتناسخ أمور تالیة:
1. أنّهم یقولون: «إنّ المصائب و الآلام الّتی تبتلی بها طائفة من الناس هی فی الحقیقة جزاء لما صنعوا فی حیاتهم السّابقة من الذنوب عند ما کانت أرواحهم متعلّقة بأبدان أخرى، کما أنّ النعم و اللّذائذ الّتی تلتذّ بها جماعة أخرى من الناس هی أیضاً جزاء أعمالهم الحسنة فی حیاتهم المتقدمة»، و على هذا فکلٌّ یستحقّ لما هو حاصل له، فلا ینبغی الاعتراض على المستکبرین و المترفین، کما لا ینبغی القیام بالانتصاف من المظلومین و المستضعفین، و بذلک تنهدم الأخلاق من أساسها و لا یبقى للفضائل الإنسانیة مجال، و هذه العقیدة خیر وسیلة للمفسدین و الطغاة لتبریر أعمالهم الشنیعة.
2. إنّ هذه العقیدة معارضة للقول بالمعاد الّذی أُقیم البرهان العقلی على وجوبه، و من الواضح أنّ الّذی ینافی البرهان الصحیح فهو باطل، فالقول بالتناسخ باطل.
3. إنّ لازم القول بالتناسخ هو اجتماع نفسین فی بدن واحد، و هو باطل. بیان الملازمة إنّه متى حصل فی البدن مزاج صالح لقبول تعلّق النفس المدبّرة له، فبالضرورة تفاض علیه النفس من الواهب من غیر مهلة و تراخ، قضاءً للحکمة الإلهیة الّتی شاءت إبلاغ کلّ ممکن إلى کماله الخاص به، فإذا تعلّقت النفس المستنسخة به أیضاً کما هو مقتضى القول بالتناسخ، لزم اجتماع نفسین فی بدن واحد.
و أمّا بطلان اللازم فلأنّ تشخّص کلّ فرد من الأنواع بنفسه و صورته
النوعیة، ففرض نفسین فی بدن واحد مساوق لفرض ذاتین لذات واحدة و شخصین فی شخص واحد، و هذا محال، على أنّ ذلک مخالف لما یجده کلّ إنسان فی صمیم وجوده و باطن ضمیره.
فإن قلت: إنّ تعلّق النفس المنسوخة إذا کان مقارناً لصلاحیة البدن لإفاضة نفس علیه، یمنع عن إفاضتها علیه، فلا یلزم اجتماع نفسین فی بدن واحد.
قلت: إنّ استعداد المادّة البدنیة لقبول النفس من واهب الصور یجری مجرى استعداد الجدار لقبول نور الشّمس مباشرة و انعکاساً، فلا یکون أحدهما مانعاً عن الآخر، غیر أنّ اجتماع النفسین فی بدن واحد ممتنع عقلًا، و الامتناع ناشٍ من فرض التناسخ کما لا یخفى.
1) الملل و النحل: 1 / 55.