الرجعة فی اللّغة ترادف العودة، و تطلق اصطلاحاً على عودة الحیاة إلى مجموعة من الأموات بعد النهضة العالمیة للإمام المهدی علیه السلام و هی ممّا تعتقد به الشیعة الإمامیة بمقتضى الأحادیث المتضافرة- بل المتواترة- المرویة عن أئمة أهل البیت علیهم السلام فی ذلک. و فی ذلک یقول الشیخ المفید:
«إنّ اللّه تعالى یحیى قوماً من أمة محمد صلى الله علیه و آله بعد موتهم قبل یوم القیامة، و هذا مذهب تختص به آل محمد صلى الله علیه و آله». (1)
و قال السید المرتضى:
اعلم انّ الّذی یذهب الشیعة الإمامیة إلیه أنّ اللّه تعالى بعید عن ظهور إمام الزمان المهدی علیه السلام قوماً ممّن کان قد تقدّم موته من شیعته لیفوزوا بثواب نصرته و معونته و مشاهدة دولته، و یعید أیضاً قوماً من أعدائه لینتقم منهم، فیلتذّوا بما یشاهدون من ظهور الحقّ و علوّ کلمة أهله. (2)
و الرجعة تختصّ بمن محض الإیمان و محض الکفر و النفاق من أهل الملّة، دون من سلف من الأمم الخالیة و دون ما سوى الفریقین من ملّة الإسلام. (3)
و یقع الکلام فی الرجعة فی مقامین:
1. إمکانها.
2. الدلیل على وقوعها.
و یکفی فی إمکانها، إمکان بعث الحیاة من جدید یوم القیامة، مضافاً إلى وقوع نظیرها فی الأُمم السالفة، کإحیاء جماعة من بنی إسرائیل (البقرة، 55- 65) و إحیاء قتیل منهم (البقرة، 72- 73) و بعث عُزَیر بعد مائة عام من موته (البقرة، 259) و إحیاء الموتى على ید عیسى علیه السلام (آل عمران، 49).
و سیأتی (4) أنّ تصوّر الرجعة من قبیل التناسخ المحال عقلًا، تصور باطل.
و من الآیات الدالّة على وقوع الرجعة قوله تعالى:
«وَ یَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ یُکَذِّبُ بِآیاتِنا فَهُمْ یُوزَعُونَ» (5)
إنّ الآیة ترکّز على حشر فوج من کلّ جماعة لا حشر جمیعهم، و من
المعلوم أنّ الحشر لیوم القیامة یتعلّق بالجمیع لا بالبعض، یقول سبحانه: «وَ یَوْمَ نُسَیِّرُ الْجِبالَ وَ تَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً» (6) فأخبر سبحانه أنّ الحشر حشران: عامّ و خاصّ.
و أمّا کیفیّة وقوع الرجعة و خصوصیاتها فلم یتحدّث عنها القرآن، کما هو الحال فی تحدّثه عن البرزخ و الحیاة البرزخیة.
و یؤیّد وقوع الرجعة فی هذه الأُمّة وقوعها فی الأُمم السابقة کما عرفت، و قد روى الفریقان أنّ رسول اللّه صلى الله علیه و آله قال: «تقع فی هذه الأُمّة السنن الواقعة فی الأُمم السابقة». (7)
و بما أنّ الرجعة من الحوادث المهمّة فی الأُمم السابقة، فیجب أن یقع نظیرها فی هذه الأُمّة. و قد سأل المأمون العباسی الإمام الرضا علیه السلام عن الرجعة فأجابه بقوله:
«إنّها حقّ، قد کانت فی الأُمم السابقة، و نطق بها القرآن و قال رسول اللّه صلى الله علیه و آله: یکون فی هذه الأُمّة کلّ ما کان فی الأُمم السالفة حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة». (8)
هذا محصّل الکلام فی حقیقة الرجعة و دلائلها، و لا یدّعی المعتقدون بها أنّ الاعتقاد بها فی مرتبة الاعتقاد باللّه و توحیده، و النبوّة و المعاد، بل أنّها
تعدّ من المسلّمات القطعیة، و لا ینکرها إلّا من لم یمعن النظر فی أدلّتها.
1) مصنّفات الشیخ المفید: 7 / 32، المسائل السرویة.
2) رسائل الشریف المرتضى: 1 / 125.
3) المسائل السرویة: 35.
4) ص 374.
5) النمل: 83.
6) الکهف: 47.
7) صحیح البخاری: 9 / 102 و 112؛ کنز العمال: 11 / 133؛ کمال الدین: 576.
8) بحار الأنوار: 53 / 59، الحدیث 45.