إنّ ظهور الإمام بین الناس، یترتّب علیه من الفائدة ما لا یترتّب علیه فی زمان الغیبة، فلما ذا غاب عن الناس، حتّى حرموا من الاستفادة من وجوده، و ما هی المصلحة الّتی أخفته عن أعین الناس؟
الجواب: إنّ هذا السؤال یجاب علیه بالنقض و الحلّ:
أمّا النقض، فبما ذکرناه فی الإجابة عن السؤال الأوّل، فإنّ قصور عقولنا عن إدراک أسباب غیبته، لا یجرّنا إلى إنکار المتضافرات من الروایات، فالاعتراف بقصور أفهامنا أولى من ردّ الروایات المتواترة، بل هو المتعیّن.
و أمّا الحلّ، فإنّ أسباب غیبته واضحة لمن أمعن فیما ورد حولها من الروایات، فإنّ الإمام المهدی علیه السلام هو آخر الأئمة الاثنی عشر الّذین وعد بهم الرسول، و أناط عزّة الإسلام بهم، و من المعلوم أنّ الحکومات الإسلامیة لم تقدرهم، بل کانت لهم بالمرصاد، تلقیهم فی السّجون، و تریق دماءهم الطاهرة، بالسّیف أو السمّ، فلو کان ظاهراً، لأقدموا على قتله، إطفاءً لنوره، فلأجل ذلک اقتضت المصلحة أن یکون مستوراً عن أعین الناس، یراهم و یرونه و لکن لا یعرفونه إلى أن تقتضی مشیئة اللّه سبحانه ظهوره، بعد حصول استعداد خاص فی العالم لقبوله، و الانضواء تحت لواء طاعته، حتى یحقّق اللّه تعالى به ما وعد به الأُمم جمعاء من توریث الأرض للمستضعفین.
و قد ورد فی بعض الروایات إشارة إلى هذه النکتة، روى زرارة قال: سمعت أبا جعفر (الباقر علیه السلام) یقول: إنّ للقائم غیبة قبل أن یقوم، قال: قلت و لم؟ قال: یخاف، قال زرارة: یعنی القتل. و فی روایة أُخرى: یخاف على نفسه الذبح. (1)
1) لاحظ: کمال الدین: 281، الباب 44، الحدیث 8 و 9 و 10.