إنّ الغایة من تنصیب الإمام هی القیام بوظائف الإمامة و القیادة و هو
یتوقّف على کونه ظاهراً بین أبناء الأُمّة، مشاهداً لهم، فکیف یکون إماماً قائداً و هو غائب عنهم؟
و الجواب عنه بوجوه:
الأوّل: إنّ عدم علمنا بفائدة وجوده فی زمان غیبته لا یدلّ على انتفائها، و من أعظم الجهل فی تحلیل المسائل العلمیة أو الدینیة هو جعل عدم العلم مقام العلم بالعدم، و لا شکّ أنّ عقول البشر لا تصل إلى کثیر من الأُمور المهمّة فی عالم التکوین و التشریع، بل لا یفهم مصلحة کثیر من سنن اللّه تعالى و لکن مقتضى تنزُّه فعله سبحانه عن اللّغو و العبث هو التسلیم أمام التشریع إذا وصل إلینا بصورة صحیحة، و قد عرفت تواتر الروایات على غیبته.
الثانی: إنّ الغیبة لا تلازم عدم التصرّف فی الأمر مطلقاً، و هذا مصاحب موسى کان ولیاً من أولیائه تعالى لجأ إلیه أکبر أنبیاء اللّه فی عصره کما یحکیه القرآن الکریم و یقول: «فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَیْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً – قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُکَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً» (1)
فأیّ مانع حینئذٍ من أن یکون للإمام الغائب فی کلّ یوم و لیلة تصرّف من هذا النمط، و یؤیّد ذلک ما دلَّت علیه الروایات من أنّه یحضر الموسم فی أشهر الحجّ، و یحجّ و یصاحب الناس و یحضر المجالس.
الثالث: المسلَّم هو عدم إمکان وصول عموم الناس إلیه فی غیبته، و أمّا عدم وصول الخواصّ إلیه، فلیس بمسلَّم بل الّذی دلَّت علیه الروایات خلافه، فالصلحاء من الأُمّة الّذین یستدرُّ بهم الغمام، لهم التشرّف بلقائه و الاستفادة من نور وجوده، و بالتالی تستفید الأُمّة منه بواسطتهم، و الحکایات من الأولیاء فی ذلک متضافرة.
الرابع: قیام الإمام بالتصرّف فی الأُمور الظاهریة و شئون الحکومة لا ینحصر بالقیام به شخصاً و حضوراً، بل له تولیة غیره على التصرّف فی الأُمور کما فعل الإمام المهدی أرواحنا له الفداء فی غیبته، ففی الغیبة الصغرى (260- 329 ه) کان له وکلاء أربعة، قاموا بحوائج الناس، و کانت الصلة بینه و بین الناس مستمرّة بهم و فی الغیبة الکبرى نصب الفقهاء و العلماء العدول العالمین بالأحکام للقضاء و إجراء السیاسیات و إقامة الحدود و جعلهم حجّة على الناس، کما جاء فی توقیعه الشریف: «و أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فیها إلى رواة أحادیثنا، فإنّهم حجّتی علیکم و أنا حجّة اللّه علیهم». (2)
و إلى هذه الاجوبة أشار الإمام المهدی علیه السلام فی آخر توقیع له إلى بعض نوّابه بقوله:
«و أمّا وجه الانتفاع فی غیبتی، فکالانتفاع بالشمس، إذا غیَّبتها عن الأبصار، السحاب».
1) الکهف: 65- 66.
2) کمال الدین للصدوق: 485، الباب 45، الحدیث 4.