هذا حاصل ما سلکناه فی بیان وجوب تنصیب الخلیفة و الإمام للأُمّة الإسلامیة من جانب النبیّ الأکرم صلى الله علیه و آله على ضوء العقل الفطری و دراسة التاریخ الإسلامی و شئون الرسالة النبویّة و مسئولیاتها الخطیرة، و هذا
المسلک یقرب ممّا سلکه مشایخنا الإمامیّة فی هذا المجال من الاستناد بقاعدة اللطف، و فی ذلک یقول السیّد المرتضى:
و الّذی یدلّ على ما ادّعیناه إنّ کلّ عاقل عرف العادة و خالط الناس، یعلم ضرورة أنّ وجود الرئیس المصیب النافذ الأمر، السدید التدبیر ترتفع عنده التظالم و التقاسم و التباغی أو معظمه، أو یکون الناس إلى ارتفاعه أقرب، و إن فقد من هذه صفته یقع عنده کلّ ما أشرنا إلیه من الفساد أو یکون الناس إلى وقوعه أقرب، فالرئاسة على ما بیَّنّاه لطف فی فعل الواجب و الامتناع من القبیح، فیجب أن لا یخلّی اللّه تعالى المکلّفین منها، و دلیل وجوب الالطاف یتناولها. (1)
هذا الاستدلال کما ترى مؤلّف من مقدمتین:
الأولى: إنّ نصب الإمام لطف من اللّه على العباد.
الثانیة: إنّ اللطف واجب على اللّه لما تقتضیه حکمته تعالى.
أمّا المقدمة الأولى، فلأنّ اللطف هو ما یقرّب المکلّفین إلى الطاعة و یبعّدهم عن المعصیة و لو بالإعداد، و بالضرورة أنّ نصب الإمام کذلک لما به من بیان المعارف و الأحکام الإلهیّة و حفظ الشریعة من الزیادة و النقصان و تنفیذ الأحکام و رفع الظلم و الفساد و نحوها.
و أمّا المقدّمة الثانیة، فلأنّ ترک هذا اللطف من اللّه سبحانه إخلال بغرضه
و مطلوبه و هو طاعة العباد له و ترک معصیته فیجب على اللّه نصبه لئلا یخلّ بغرضه، و لا ینافی اللطف فی نصبه سلب العباد سلطانه أو غیبته، لأنّ اللّه سبحانه قد لطف بهم بنصب المُعَدّ لهم، و هم فوَّتوا أثر اللطف على أنفسهم. و إلى هذا أشار المحقّق الطوسی بقوله:
الإمام لطف فیجب نصبه على اللّه تعالى تحصیلًا للغرض … و وجوده لطف و تصرّفه لطف آخر و عدمه منّا. (2)
و أوضحه العلّامة الحلّی، بقوله:
لطف الإمامة یتمّ بأمور: منها ما یجب على اللّه تعالى و هو خلق الإمام و تمکینه بالتصرّف و العلم و النص علیه باسمه و نسبه، و هذا قد فعله اللّه تعالى، و منها ما یجب على الإمام و هو تحمّله للإمامة و قبوله لها و هذا قد فعله الإمام، و منها ما یجب على الرعیة و هو مساعدته و النصرة له و قبول أوامره و امتثال قوله، و هذا لم یفعله الرعیة، فکان منع اللطف الکامل منهم لا من اللّه تعالى و لا من الإمام. (3)
1) الذخیرة فی علم الکلام: 410.
2) کشف المراد، المقصد الخامس: 284.
3) المصدر السابق: 285- 286.