قد ضبط التاریخ أنّه کانت لنبیّ الإسلام معاجز کثیرة فی مواقف حاسمة غیر أنّه کان یرکّز على معجزته الخالدة و هی القرآن الکریم، و نحن نقتصر بالبحث عن هذه المعجزة الخالدة فنقول:
إنّ الحکمة الإلهیة اقتضت أن یکون الدّین الخالد مقروناً بالمعجزة الخالدة حتى تتمّ الحجّة على جمیع الأجیال و القرون إلى أن تقوم السّاعة: «لِئَلَّا یَکُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ» (1) بل تکون «لله الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ» (2) على الناس فی کلّ زمان و مکان.
إنّ للقرآن فی مجالی اللفظ و المعنى کیفیة خاصّة یمتاز بها عن کلّ کلام سواه، سواء أصدر من أعظم الفصحاء و البلغاء أو من غیرهم، و هذا هو الّذی لمسه العرب المعاصرون لعصر الرسالة، و نحن نعیش فی بدایات القرن الخامس عشر من هجرة النبیّ صلى الله علیه و آله، و ندّعی أنّ القرآن لم یزل کان معجزاً إلى الآن، و أنّه أرقى من أن یعارض أو یبارى و یؤتى بمثله أبداً،
و الدلیل الواضح على إعجاز القرآن فی مجال الفصاحة و البلاغة أنّ العرب فی عصر الرسالة و قبله کانوا على درجة عالیة من الفصاحة و البلاغة و النبیّ صلى الله علیه و آله قد عاش بینهم أربعین سنة لم یأت بکلام یتحدّى به، فإذا هو ادّعى النبوة و أتى بالقرآن الکریم و تحدّى به على صدق دعواه و عجز المشرکون عن معارضته، مع أنّهم قاموا بالمکافحة معه بکلّ ما کان فی مقدرتهم، و قد تحمّلوا مصاعب و مصائب کثیرة فی هذا المجال، فإن کانت المعارضة مع النبیّ صلى الله علیه و آله من طریق الإتیان بکلام یماثل القرآن فی الفصاحة و البلاغة ممکنة لهم عارضوه بذلک بلا ریب، و لو فعلوا ذلک لنقل فی التاریخ نقلا متواتراً لکثرة الدعاوی على ذلک مع کثرة المخالفین و المعاندین للإسلام.
1) النساء: 65.
2) الأنعام: 149.