بعد الفراغ عن البحث حول النبوّة العامّة، علینا أن نبحث عن النبوّة الخاصّة، أعنی: نبوة نبیّ الإسلام محمّد بن عبد اللّه صلى الله علیه و آله فنقول:
ولد صلى الله علیه و آله بمکّة عام (570 م) و قام بالدعوة فی أوائل القرن السابع المیلادی (610 م) و أوّل ما بدأ به، دعوة أقربائه و عشیرته، و بعد سنوات- استطاع فی أثنائها هدایة جمع من عشیرته- وجَّه دعوته إلى عموم الناس، ثمّ استمرّ فی رسالته و الناس بین مؤمن به مفاد بنفسه و نفیسه، و عدوّ ینابذه و یتحیّن الفرص للفتک به و قتله، فلمّا أحسَّ بالخطر، غادر موطنه إلى مدینة یثرب فأقام هناک سنین عشر، إلى أن أجاب داعی الموت و ذلک فی عام 633 میلادی. إنّ التدبر فی آثار دعوته صلى الله علیه و آله یدفع الإنسان إلى الإذعان بأنّ لها سمات و خصائص تمتاز بها عن غیرها و هی:
1. سرعة انتشارها فی أقطار العالم الإنسانی لا سیّما بین الأُمم المتحضّرة، سرعة لم یر التاریخ لها مثیلًا.
2. تحفّظ الأُمة المؤمنة على حضارات الأُمم المغلوبة و الحضارات المفتوحة، و بذلک افترقت عن سائر الثورات البشریة، و أصبح التمدّن الإسلامی حضارة إنسانیة مکتملة الأبعاد، و صانت السّالف من الحضارات الیونانیة و الرومانیة و الفارسیة، و التمدّن الصناعی الحدیث.
3. تضحیة المعتنقین لدینه و تفانیهم فی سبیله حتى قدَّموا کلّ دقیق و جلیل ممّا یملکون فی سبیل نصرته و إعزازه.
و هناک سمات للدّعوة المحمّدیة وردت فی القرآن الکریم من أهمّها عالمیة الرسالة، و خاتمیتها، و على هذا فاللازم على المنصف المتحرّی للحقیقة أن یبحث عن حقیقة هذه الدعوة و صحّة دلائلها، و قد وقفت عند البحث عن النبوّة العامّة على أنّ للتعرّف على صدق مدّعی النبوّة طرقاً ثلاثة، و هی: إتیانه بالمعجز، و تصدیق النبیّ السابق و تنصیصه على نبوّته، و القرائن الدالّة على صدق دعواه، و نحن نکتفى هنا ببیان طریق الإعجاز.