ربّما یتوهّم أنّ العصمة تسلب من المعصوم الحریة و الاختیار و تقهره
على ترک المعصیة، لتکون النتیجة انتفاء کلّ مکرمة و محمدة تنسب إلیه لاجتنابه المعاصی و المآثم.
و یدفعه أنّ المعصوم قادر على اقتراف المعاصی بمقتضى ما أُعطی من القدرة و الحریة، غیر أنّ تقواه العالیة، و علمه بآثار المعاصی، و استشعاره عظمة الخالق، یصدّه عن ذلک، فهو کالوالد العطوف الّذی لا یقدم على ذبح ولده و لو أُعطی ملء الأرض ذهباً، و إن کان مع ذلک قادراً على قطع وتینه کما یقطع وتین عدوّه. یقول العلّامة الطباطبائی:
إنّ ملکة العصمة لا تغیّر الطبیعة الإنسانیة المختارة فی أفعاله الإرادیة و لا تخرجها إلى ساحة الإجبار و الاضطرار، کیف و العلم من مبادئ الاختیار، کطالب السلامة إذا أیقن بکون مائع ما سمّاً قاتلًا من حینه، فإنّه یمتنع باختیاره من شربه. (1)
و هذا نظیر صدور القبیح من اللّه سبحانه، فإنّه ممکن بالذّات و یقع تحت إطار قدرته، فبإمکانه تعالى إخلاد المطیع فی نار جهنّم، لکنّه لا یصدر منه لکونه مخالفاً للحکمة، و مبایناً لما وعد به.
فالعصمة موهبة تفاض على من یعلم من حاله أنّه باختیاره ینتفع منها فی ترک القبائح، فیعدّ مفخرة قابلة للتحسین و التکریم، و قد شبّه الشیخ المفید العصمة بالحبل الّذی یعطى للغریق لیتشبّث به فیسلم، فالغریق مختار فی التقاط الحبل و النجاة، أو عدمه و الغرق.
1) المیزان: 11 / 163.