ذهب جمهور المتکلّمین من السنّة و الشیعة إلى عصمة الأنبیاء فی تلقّی الوحی و إبلاغه. و العصمة فی هذه المرحلة على وجهین:
أحدهما: العصمة عن الکذب، و الثانی: العصمة عن الخطأ سهواً فی تلقّی الوحی
و وعیه و أدائه، و ما سیجیء من الدلیل الأوّل على إثبات العصمة عن المعصیة، یثبت عصمتهم فی هذا المجال أیضاً، فإنّ الوثوق التام بالأنبیاء لا یحصل إلّا بالإذعان البات بمصونیتهم عن الخطأ فی تلقّی الوحی و تحمّله و أدائه، عمداً و سهواً.
أضف إلى ذلک أنّ تجویز الخطأ فی التبلیغ و لو سهواً ینافی الغرض من الرسالة، أعنی: إبلاغ أحکام اللّه تعالى إلى الناس.
و یدلّ على عصمة الأنبیاء فی هذا المجال قوله تعالى: «عالِمُ الْغَیْبِ فَلا یُظْهِرُ عَلى غَیْبِهِ أَحَداً – إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ یَسْلُکُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً – لِیَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَ أَحاطَ بِما لَدَیْهِمْ وَ أَحْصى کُلَّ شَیْءٍ عَدَداً» (1)
إنّ الآیات تصف طریق بلوغ الوحی إلى الرسل، و منهم إلى الناس بأنّه محروس بالحفظة یمنعون تطرّق أیّ خلل و انحراف فیه، حتى یبلغ الناس کما أُنزل من اللّه تعالى، و یعلم هذا بوضوح ممّا تذکره الآیة من أن اللّه سبحانه یجعل بین الرسول و من أرسل إلیهم «مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ» و بینه و مصدر الوحی «وَ مِنْ خَلْفِهِ» رصداً مراقبین هم الملائکة.
1) الجن: 26- 28.