الوحی فی اللّغة کما یستنبط من نصوص أهلها فی معاجمهم هو الإعلام بخفاء بطریق من الطرق (1) و قد جاء استعماله فی القرآن الکریم فی موارد متعدّدة مختلفة یجمعها المعنى اللغوی حقیقة أو ادّعاء، منها قوله سبحانه:
«وَ أَوْحى فِی کُلِّ سَماءٍ أَمْرَها» (2) أی أودع فی کلّ سماءٍ السنن و الأنظمة الکونیة، و قدّر علیها دوامها، فإیجاد السنن و النظم فی السّماوات على وجه لا یقف علیه إلّا المتدبّر فی عالم الخلقة یشبه الإلقاء و الإعلام بخفاء بنحو لا یقف علیه إلّا الملقى إلیه، و هو الوحی.
و منها قوله سبحانه: «وَ أَوْحى رَبُّکَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِی مِنَ الْجِبالِ بُیُوتاً وَ مِنَ الشَّجَرِ وَ مِمَّا یَعْرِشُونَ». (3) فأطلق الوحی على ما أودع فی
صمیم وجود النحل من غریزة إلهیة تهدیه إلى أعماله الحیویّة الخاصّة.
و منها قوله سبحانه: «وَ أَوْحَیْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِیهِ» (4) حیث إنّ تفهیم أُمّ موسى مصیر ولدها کان بإلهام و إعلام خفی، عبّر عنه بالوحی.
و منها قوله تعالى فی وصف زکریّا:
«فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَیْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُکْرَةً وَ عَشِیًّا» (5)
و المعنى: أشار إلیهم من دون أن یتکلّم، لأمره سبحانه إیّاه أن لا یکلّم الناس ثلاث لیال سویّاً، فأشبه فعله، إلقاء الکلام بخفاء لکون الإشارة أمراً مبهماً.
و منها قوله تعالى: «وَ إِنَّ الشَّیاطِینَ لَیُوحُونَ إِلى أَوْلِیائِهِمْ لِیُجادِلُوکُمْ» (6) و یعلم وجه استعمال الوحی هنا ممّا ذکرناه فیما سبقه.
1) راجع فی ذلک: معجم مقاییس اللغة: 6 / 93؛ المفردات فی غریب القرآن، مادة «وحی»؛ لسان العرب: 15 / 379.
2) فصّلت: 12.
3) النحل: 68.
4) القصص: 7.
5) مریم: 11.
6) الأنعام: 121.