إنّ هناک جهات من التمایز و التفارق بین المعجزة و الکرامة و بین غیرهما من خوارق العادات و هی:
الجهة الأُولى من حیث طریق الحصول علیها، فإنّ المعجزة و الکرامة ولیدتان لعنایة إلهیة خاصة، و لیس السّبب لهما ممّا تناله ید الدراسة و التعلّم، و لکنّ السّحر و نحوه نتاج التعلیم و التعلّم و لها مناهج تعلیمیة یجب ممارستها حتّى یصل طالبها إلى النتائج المطلوبة یقول سبحانه:
«وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّیاطِینُ عَلى مُلْکِ سُلَیْمانَ وَ ما کَفَرَ سُلَیْمانُ وَ لکِنَّ الشَّیاطِینَ کَفَرُوا یُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَ ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَکَیْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَ مارُوتَ وَ ما یُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى یَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَکْفُرْ فَیَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما یُفَرِّقُونَ بِهِ بَیْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ» (1)
و لمّا کان السحر و نحوه رهن التعلیم و التعلّم، فهو متشابه فی نوعه، متّحد فی جنسه، یدور فی فلک واحد، و لا یخرج عن نطاق ما تعلّمه أهله و لذا لا یأتون إلّا بما تدرّبوا علیه، بخلاف معجزة الأنبیاء فإنّه على جانب عظیم من التنوّع فی الکیفیّة إلى حدّ قد لا یجد الإنسان بین المعجزات قدراً
مشترکاً و جنساً قریباً، کما فی المعجزات الّتی یخبر بها القرآن عن موسى و عیسى علیهما السلام بقوله تعالى:
«فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِیَ ثُعْبانٌ مُبِینٌ» (2)
و قوله تعالى: «وَ نَزَعَ یَدَهُ فَإِذا هِیَ بَیْضاءُ لِلنَّاظِرِینَ» (3)
و قوله تعالى:
«وَ إِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاکَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَیْناً» (4)
و قوله تعالى:
«فَأَوْحَیْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاکَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَکانَ کُلُّ فِرْقٍ کَالطَّوْدِ الْعَظِیمِ» (5)
و قوله سبحانه:
«وَ رَسُولًا إِلى بَنِی إِسْرائِیلَ أَنِّی قَدْ جِئْتُکُمْ بِآیَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ أَنِّی أَخْلُقُ لَکُمْ مِنَ الطِّینِ کَهَیْئَةِ الطَّیْرِ فَأَنْفُخُ فِیهِ فَیَکُونُ طَیْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَ أُبْرِئُ الْأَکْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ وَ أُحْیِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ وَ أُنَبِّئُکُمْ بِما تَأْکُلُونَ وَ ما تَدَّخِرُونَ فِی بُیُوتِکُمْ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ» (6)
نعم، الحکمة الإلهیة اقتضت أن تکون معاجز الأنبیاء مناسبة للفنون الرائجة فی عصورهم حتى یتسنّى لخبراء کلّ فنٍّ تشخیص المعاجز و إدراک استنادها إلى القدرة الغیبیة، و تمیّزها عن الأعمال الباهرة المستندة إلى العلوم و الفنون الرائجة.
الجهة الثانیة من حیث الأهداف و الغایات، فإنّ أصحاب المعاجز یتبنّون أهدافاً عالیة و یتوسّلون بمعاجزهم لإثبات حقّانیة تلک الأهداف و نشرها، و هی تتمثّل فی الدعوة إلى اللّه تعالى وحده و تخلیص الإنسان عبودیّة الأصنام و الحجارة و الحیوانات و الدعوة إلى الفضائل و نبذ الرذائل، و استقرار نظام العدل الاجتماعی و غیر ذلک، کما أنّ أصحاب الکرامات أیضاً لا یتبنّون إلّا ما یکون موافقاً لرضى اللّه سبحانه لا غیر.
و هذا بخلاف المرتاضین و السّحرة، فغایتهم إمّا کسب الشهرة و السّمعة بین الناس، أو جمع المال و الثروة، و غیر ذلک ممّا یناسب متطلّبات القوى البهیمیّة.
الجهة الثالثة من حیث التقیّد بالقیم الأخلاقیة، فإنّ أصحاب المعاجز و الکرامات- باعتبار کونهم خرّیجی المدرسة الإلهیّة- متحلّون بأکمل الفضائل و الأخلاق الإنسانیّة، و المتصفّح لسیرتهم لا یجد فیها أیّ عمل مشین و مناف للعفّة و مکارم الأخلاق، و أمّا أصحاب الرّیاضة و السّحر، فهم دونهم فی ذلک، بل تراهم غالباً فارغین عن المثل و الفضائل و القیم.
فبهذه الضوابط یتمکّن الإنسان من تمییز المعجزة عن غیرها من الخوارق و النبیّ عن المرتاض و السّاحر.
1) البقرة: 102.
2) الأعراف: 107.
3) الأعراف: 108.
4) البقرة: 60.
5) الشعراء: 63.
6) آل عمران: 49.