المشهور فی تعریف المعجزة أنّها: «أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدّی، مع عدم المعارضة». (1) و إلیک توضیحه:
إن هناک أُموراً تعدّ مضادّة للعقل، کاجتماع النقیضین و ارتفاعهما، و وجود المعلول بلا علّة و نحو ذلک، و أُموراً أُخرى تخالف القواعد العادیة، بمعنى أنّها تعدّ محالات حسب الأدوات و الأجهزة العادیة، و المجاری الطبیعیة، و لکنّها لیست مستحیلة عقلًا لو کان هناک أدوات أُخرى خارجة عن نطاق العادة، و هی المسمّاة بالمعاجز، و ذلک کحرکة جسم کبیر من مکان إلى مکان آخر بعید عنه، فی فترة زمانیة لا تزید على طرفة العین بلا تلک الوسائط العادیة، فإنّه غیر ممتنع عقلًا و لکنّه محال عادة، و من هذا القبیل ما یحکیه القرآن من قیام من أوتی علماً من الکتاب بإحضار عرش بلقیس ملکة سبأ، من بلاد الیمن إلى بلاد الشام فی طرفة عین بلا توسط شیء من تلک الأجهزة المادّیة المتعارفة. (2) فتحصّل أنّ المعجزة أمر خارق للعادة لا مضادّ للعقل.
ثمّ إنّ الإتیان بما هو خارق للعادة لا یسمّى معجزة إلّا إذا کان مقترناً بدعوى النبوّة، و إذا تجرّد عنها و صدر من بعض أولیاء اللّه تعالى یسمّى «کرامة» و ذلک کحضور الرزق لمریم علیها السلام بلا سعی طبیعی. (3) و لأجل ذلک کان الأُولى أن یضیفوا إلى التعریف قید: «مع دعوى النبوّة». (4)
و لا یتحقّق الإعجاز إلّا إذا عجز الناس عن القیام بمعارضة ما أتى به مدّعی النبوّة، و یترتّب على هذا أنّ ما یقوم به کبار الأطباء و المخترعین من الأُمور العجیبة خارج عن إطار الإعجاز، کما أنّ ما یقوم به السّحرة و المرتاضون من الأعمال المدهشة، لا یعدّ معجزاً لانتفاء هذا الشرط.
و من شرائط کون الإعجاز دلیلًا على صدق دعوى النبوّة أن یکون فعل المدّعی مطابقاً لدعواه، فلو خالف ما ادّعاه لما سمّی معجزة و إن کان أمراً خارقاً للعادة، و من ذلک ما حصل من مسیلمة الکذّاب عند ما ادّعى أنّه نبی، و آیة نبوّته أنّه إذا تفل فی بئر قلیلة الماء، یکثر ماؤها، فتفل فغار جمیع ماؤها.
1) شرح التجرید للفاضل القوشجی: 465.
2) لاحظ: النمل: 40.
3) لاحظ: آل عمران: 37.
4) لا تختصّ المعجزة بدعوى النبوّة، بل یعمّها و دعوى الإمامة و غیرها من الدعاوى الإلهیة، کدعوى المسلم أنّ شریعة الإسلام هی الحق دون غیرها من الشرائع، و یقوم بالمباهلة، فذلک معجزة البتة، فالصحیح فی تعریف المعجزة أن یقال: «هو الفعل الخارق للعادة الّذی یأتی به من یدّعی منصباً أو مقاما إلهیاً شاهداً على صدق دعواه»؛ راجع: البیان فی تفسیر القرآن: 33.