التقدیر العینی عبارة عن الخصوصیات الّتی یکتسبها الشیء من علله عند تحقّقه و تلبّسه بالوجود الخارجی.
و القضاء العینی هو ضرورة وجود الشیء عند وجود علّته التامّة ضرورةً عینیةً خارجیةً.
فالتقدیر و القضاء العینیان ناظران إلى التقدیر و الضرورة الخارجیین اللّذین یحتفّان بالشیء الخارجی، فهما مقارنان لوجود الشیء بل متّحدان معه، مع أنّ التقدیر و القضاء العلمیان مقدّمان على وجود الشیء.
فالعالم المشهود لنا لا یخلو من تقدیر و قضاء، فتقدیره تحدید الأشیاء الموجودة فیه من حیث وجودها، و آثار وجودها، و خصوصیات کونها بما أنّها متعلقة الوجود و الآثار بموجودات أخرى، أعنى العلل و الشرائط، فیختلف وجودها و أحوالها باختلاف عللها و شرائطها، فالتقدیر یهدی هذا النوع من الموجودات إلى ما قدّر له فی مسیر وجوده، قال تعالى: «الَّذِی خَلَقَ فَسَوَّى – وَ الَّذِی قَدَّرَ فَهَدى» (1) أی هدى ما خلقه إلى ما قدّر له.
و أما قضاؤه، فلمّا کانت الحوادث فی وجودها و تحقّقها منتهیة إلیه سبحانه فما لم تتمّ لها العلل و الشرائط الموجبة لوجودها، فإنّها تبقى على حال التردّد بین الوقوع و اللاوقوع، فإذا تمَّت عللها و عامّة شرائطها و لم یبق لها إلّا أن توجد، کان ذلک من اللّه قضاءً و فصلًا لها من الجانب الآخر و قطعاً للإبهام.
و بذلک یظهر أنّ التقدیر و القضاء العینیین من صفاته الفعلیة سبحانه فإنّ مرجعهما إلى إفاضة الحدّ و الضرورة على الموجودات، و إلیه یشیر الإمام الصادق علیه السلام فی قوله:
«القضاء و القدر خلقان من خلق اللّه، و اللّه یزید فی الخلق ما یشاء». (2)
و من هنا یکشف لنا الوجه فی عنایة النبیّ و أهل البیت علیهم السلام بالإیمان
بالقدر، و أنّ المؤمن لا یکون مؤمناً إلّا بالإیمان به (3)، فإنّ التقدیر و القضاء العینیین من شعب الخلقة، و قد عرفت فی أبحاث التوحید أن من مراتب التوحید، التوحید فی الخالقیة، و قد عرفت آنفاً أنّ حدود الأشیاء و خصوصیاتها، و ضرورة وجودها منتهیة إلى إرادته سبحانه، فالإیمان بهما، من شئون التوحید فی الخالقیة.
و لأجل ذلک ترى أنّه سبحانه أسند القضاء و القدر إلى نفسه، و قال:
«قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِکُلِّ شَیْءٍ قَدْراً». (4)
و قال تعالى: «وَ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما یَقُولُ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ». (5)
و قال سبحانه: «فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِی یَوْمَیْنِ» (6)
و قال تعالى: «إِنَّا کُلَّ شَیْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ» (7)
و قال سبحانه: «وَ إِنْ مِنْ شَیْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ». (8)
و غیرها من الآیات الحاکیة عن قضائه سبحانه بالشیء و إبرامه على صفحة الوجود.
1) الأعلى: 2- 3.
2) التوحید للصدوق: الباب 60، الحدیث 1.
3) روى الصدوق فی «الخصال» بسنده عن علی علیه السلام قال، قال: رسول اللّه صلى الله علیه و آله، «لا یؤمن عبد حتى یؤمن بأربعة: حتى یشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شریک له، و أنّی رسول اللّه بعثنی بالحقّ، و حتى یؤمن بالبعث بعد الموت و حتى یؤمن بالقدر»- (البحار: ج 5، باب القضاء و القدر، الحدیث- 2).و روى أیضاً بسنده عن أبی أمامة الصحابی، قال: قال رسول اللّه صلى الله علیه و آله: «أربعة لا ینظر اللّه إلیهم یوم القیامة: عاق، و منان، و مکذّب بالقدر، و مدمن خمر» (البحار: ج 5، باب القضاء و القدر، الحدیث 3).و روى الترمذی عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى الله علیه و آله: «لا یؤمن عبد حتى یؤمن بالقدر خیره و شره»- (جامع الأُصول، ابن الأثیر الجزری (م 606 ه، ج 10، ص 511، کتاب القدر، الحدیث 7552-).
4) الطلاق: 3.
5) البقرة: 117.
6) فصلت: 12.
7) القمر: 49.
8) الحجر: 21.