إنّ علم الإنسان المحدود هو الّذی یدفعه إلى أن یقضى فی الحوادث بتلک الأقضیة الشاذّة، و لو وقف على علمه الضئیل و نسبة علمه إلى ما لا یعلمه لرجع القهقرى قائلًا: «رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا». (1)
و لأذعن بقوله تعالى: «وَ ما أُوتِیتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِیلًا» (2)
و ما أشبه الإنسان فی حکمه بأنّ المصائب شرور محضة للإنسان لیس لها دور فی مصالحه بعابر سبیل یرى جرّافة تحفر الأرض، أو تهدم بناء مثیرة الغبار و التراب فی الهواء، فیقضى من فوره بأنّه عمل ضارّ و شرّ، و هو لا یدری بأنّ ذلک یتمّ تمهیداً لبناء مستشفى کبیر یستقبل المرضى و یعالج المصابین و یهیّئ للمحتاجین إلى العلاج وسائل المعالجة و التمریض. و لو وقف على تلک الأهداف النبیلة لقضى بغیر ما قضى، و لوصف ذلک التهدیم بأنّه خیر و أنّه لا ضیر فیما یحصل من ضوضاء الجرّافة و تصاعد الغبار.
1) آل عمران: 191.
2) الإسراء: 85.