إنّ العدل و الحکمة من الأوصاف الکمالیة، و اللّه تعالى بما أنّه واجب الوجود بالذات واجد جمیع الکمالات الوجودیة، و منزّه عن کلّ نقص و قبح. فواجب الوجود تعالى، یعلم من ذاته کلّ شیء من الأشیاء بعلله و أسبابه، و یفعل النظام الأتم لغایة حقیقته یلزمه، فهو حکیم فی علمه و فعله، فهو الحکیم المطلق. (1)
و یدلّ على انتفاء القبح عن أفعاله تعالى. أنّ القبح فی الفعل کالظلم، و العبث و نحو ذلک، إمّا ناشئ عن جهل الفاعل بجهات الحسن و الإتقان.
و إما ناشئ عن حاجته إلى ذلک. و اللّه سبحانه عالم بکلّ شیء کما أنّه غنیّ بالذات. و إلیه أشار المحقق الطوسی بقوله: «و استغناؤه و علمه یدلّان على انتفاء القبح عن أفعاله تعالى». (2)
و نصوص الکتاب و السنّة فی عدله تعالى و حکمته متضافرة. قال سبحانه:
«شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَ الْمَلائِکَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ». (3)
قوله «قائماً» إمّا حال من اسم اللّه تعالى مؤکّدة، و إمّا حال من «هُوَ» فی قوله: «لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» و المراد من قیامه بالقسط إمّا مطلق یشمل جمیع مراتب القسط (فی التکوین و التشریع و الجزاء) و إمّا یختص بالقسط التکوینی کما اختاره بعضهم. (4)
و قال تعالى: «وَ نَضَعُ الْمَوازِینَ الْقِسْطَ لِیَوْمِ الْقِیامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَیْئاً». (5)
هذا ناظر إلى عدله تعالى فی مقام الحساب و الجزاء.
و ممّا یدلّ على عدله تعالى فی التشریع قوله سبحانه: «لا نُکَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها». (6) و قوله سبحانه:
«لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَیِّناتِ وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْکِتابَ وَ الْمِیزانَ لِیَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ». (7)
و قال الإمام على علیه السلام: «العدل أن لا تتّهمه». (8)
و فسّره الإمام الصادق علیه السلام بقوله: و أمّا العدل فإن لا تنسب إلى خالقک ما لامک علیه». (9)
و قال أمیر المؤمنین علیه السلام:
«و أرانا من ملکوت قدرته و عجائب ما نطقت به آثار حکمته … فظهرت البدائع الّتی أحدثتها آثار صنعته و أعلام حکمته …. قدّر ما خلق فأحکم تقدیره، … بدایا خلائق أحکم صنعها …». (10)
1) الأسفار الأربعة: 6 / 368.
2) کشف المراد: 420.
3) آل عمران: 18.
4) انظر، مجمع البیان: 2 / 420.
5) الأنبیاء: 47.
6) المؤمنون: 62.
7) الحدید: 25.
8) نهج البلاغة: الحکمة 470.
9) التوحید للشیخ الصدوق: الباب 5، الحدیث 1.
10) نهج البلاغة: الخطبة 91.