الرؤیة الّتی تکون فی محلّ الاستحالة و المنع عند العدلیة هی الرؤیة البصریّة بمعناها الحقیقی، لا ما یعبّر عنه بالرؤیة القلبیة کما ورد فی روایات أهل البیت علیهم السلام و الشهود العلمی التام فی مصطلح العرفاء، و هذا المعنى من
الرؤیة هو الظاهر من کلام الشیخ الأشعری حیث قال:
و ندین بأنّ اللّه تعالى یرى فی الآخرة بالأبصار کما یرى القمر لیلة البدر، یراه المؤمنون کما جاءت الروایات عن رسول اللّه صلى الله علیه و آله (1)
و قال أیضاً:
إن قال قائل: لم قلتم إنّ رؤیة اللّه بالابصار جائزة من باب القیاس؟ قیل له: قلنا ذلک لأنّ ما لا یجوز أن یوصف به اللّه تعالى و یستحیل علیه، لا یلزم فی القول بجواز الرؤیة (2)
لکنّ المتأخرین منهم لمّا رأوا أنّ القول بجواز الرؤیة بالابصار یستحیل فی حقّه تعالى، حاولوا تصحیح مقولتهم بوجوه مختلفة، فقال الامام الرازی:
و قبل الشروع فی الدلالة لا بدّ من تلخیص محلّ النزاع، فإنّ لقائل أن یقول: إن أردت بالرؤیة الکشف التامّ، فذلک ممّا لا نزاع فی ثبوته، و إن أردت بها الحالة الّتی نجدها من أنفسنا عند إبصارنا الأجسام فذلک ممّا لا نزاع فی انتقائه- إلى أن قال:- و الجواب أنّا إذا علمنا الشیء حال ما لم نره، ثمّ رأیناه، فإنّا ندرک تفرقة بین الحالین، و تلک التفرقة لا تعود إلى ارتسام الشبح فی
العین و لا إلى خروج الشعاع منها، بل هی عائدة إلى حالة أُخرى مسمّاة بالرؤیة، فندّعی أنّ تعلّق هذه الصفة بذات اللّه تعالى جائز. (3)
و حاصله- کما لخّصه المحقّق الطوسی-: أنّ الحالة الحاصلة عند ارتسام الشبح فی العین أو خروج الشعاع منها، المغایرة للحالة الحاصلة عند العلم، یمکن أن تحصل مع عدم الارتسام و خروج الشعاع.
یلاحظ علیه: أنّ الحالة المذکورة إمّا تکون رؤیة بصریّة بالحقیقة، فذلک محال فی حقّه تعالى کما اعترف به الرازى ایضا، و إمّا لا تکون کذلک و إنّما هی مشترکة مع الرؤیة البصریة فی النتیجة، أعنی: المشاهدة، فهی راجعة إلى الکشف التام و الرؤیة القلبیة و لا نزاع فیها، قال المحقّق الطوسی: «و یحتاج فی إثبات کون تلک الحالة غیر الکشف التام إلى دلیل». (4)
1) الإبانة: 21.
2) اللمع: 61 بتلخیص.
3) تلخیص المحصل: 316.
4) نفس المصدر: 318.