جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

حقیقة إرادته تعالى‏ (2)

زمان مطالعه: 2 دقیقه

إنّ الإرادة فی الإنسان بأیّ معنى فسّرت، ظاهرة تظهر فی لوح النفس تدریجیّة، و من المعلوم أنّ الإرادة بهذا المعنى لا یمکن توصیفه سبحانه بها، لأنّه یستلزم کونه موجوداً مادیّاً یطرأ علیه التغیّر و التبدّل من الفقدان إلى الوجدان، و ما هذا شأنه لا یلیق بساحة البارئ، و لأجل ذلک اختلفت کلمة الإلهیین فی تفسیر ارادته تعالى، فالمشهور عند الحکماء و المتکلمین‏ (1) أنّ ارادة اللّه سبحانه هی علمه تعالى بأنّ الفعل على نظام الخیر و الأحسن أو علمه بأن الفعل ذو مصلحة عائدة إلى غیره تعالى و على هذا تکون الإرادة من الصفات الذاتیة.

قال صدر المتألهین:

معنى کونه مریداً أنّه سبحانه یعقل ذاته و یعقل نظام الخیر الموجود فی الکل من ذاته و أنّه کیف یکون. (2)

و قال ابو إسحاق النوبختی:

و هو یرید أی یعلم المصلحة فی فعل فیدعوه علمه إلى إیجاده. (3)

یلاحظ علیه: أنّ مفاهیم الصفات و معانیها متغایرة و عینیتها فی حقّه تعالى راجعة إلى واقعیتها و مصداقها و على هذا تفسیر الإرادة بالعلم، یرجع إلى إنکار حقیقة الإرادة فیه سبحانه، و لأجل عدم صحّة هذا التفسیر نرى أنّ أئمة اهل البیت علیهم السلام ینکرون تفسیرها بالعلم، قال بکیر بن أعین: قلت لأبی عبد اللّه الصادق علیه السلام: علمه و مشیئته مختلفان أو متفقان …؟

فقال علیه السلام: «العلم لیس هو المشیئة، أ لا ترى أنّک تقول سأفعل کذا إن شاء اللّه، و لا تقول سأفعل کذا إنْ علم اللّه» (4)

و الحق أنّ الإرادة من الصفات الذاتیة و تجری علیه سبحانه مجرّدة من شوائب النقص و سمات الإمکان، فالمراد من توصیفه بالإرادة کونه فاعلًا مختاراً فی مقابل کونه فاعلًا مضطرّاً، لا إثبات الإرادة له بنعت کونها طارئة

زائلة عند حدوث المراد، أو کون الفاعل خارجاً بها من القوّة إلى الفعل، لأنّها لا تعدّ من صفات الکمال مقیّدة بهذه الخصائص، بل کمالها فی کون صاحبها مختاراً، مالکاً لفعله آخذاً بزمام عمله، فإذا کان هذا کمال الإرادة فاللّه سبحانه واجد له على النحو الأکمل، إذ هو الفاعل المختار غیر المقهور فی سلطانه، و لیس هذا بمعنى إرجاع الإرادة إلى وصف سلبی و هو کونه غیر مقهور و لا مستکره، بل هی وصف وجودی هو نفس ذاته، و التعبیر عنه بوصف سلبی لا یجعله أمراً سلبیاً کتفسیر العلم بعدم الجهل، و القدرة بعدم العجز.

فلو صحَّ تسمیة هذا الاختیار الذاتی بالإرادة، فالإرادة من صفات ذاته تعالى و إلّا وجب القول بکونها من صفات الفعل. (5)


1) للوقوف على جمیع اقوال الحکماء و المتکلّمین فی تفسیر ارادته تعالى انظر «قواعد العقائد» للمحقق الطوسی بتعلیقات للمؤلف: 56- 57.

2) الأسفار: 6 / 316.

3) أنوار الملکوت فی شرح الیاقوت: 67.

4) الکافی: 1 / 109، باب الإرادة، الحدیث 2.

5) ما أفاده شیخنا الأُستاذ- دام ظلّه- فی تفسیر إرادته تعالى یوافق نظریة العلّامة الطباطبائی قدس سره فإنّه أیضاً ناقش الرأی المشهور عند الفلاسفة من تفسیر الإرادة بالعلم بالنظام الأصلح، ثمّ أثبت للّه تعالى اختیارا ذاتیاً، ثمّ بیّن أنّ الإرادة بمعناها المعهود عندنا إنمّا یصحّ إطلاقها على اللّه تعالى بعد التجرید عن النواقص، بما هی صفة فعلیة منتزعة عن مقام فعله سبحانه، نظیر الخلق و الإیجاد و الرحمة، و ذلک باعتبار تمامیة الفعل من حیث السبب و حضور العلّة التامة للفعل کما یقال عند مشاهدة جمع الفاعل أسباب الفعل لیفعل، إنه یرید کذا فعلًا. راجع: الأسفار: 6 / 315- 316؛ نهایة الحکمة: المرحلة 12، الفصل 13؛ بدایة الحکمة: المرحلة 12، الفصل 6 و 8.