جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

ادراک الجزئیات یحتاج إلى آلة (2)

زمان مطالعه: 2 دقیقه

إنّ إدراک الجزئیات یحتاج إلى أدوات مادّیة و آلات جسمانیة، و هو سبحانه منزّه عن الجسم و لوازمه الجسمانیة.

و الجواب عن هذه الشبهة واضح، فإنّ العلم بالجزئیات عن طریق‏

الأدوات المادّیة إنّما هو شأن من لم یحط الأشیاء إحاطة قیّومیّة، و لم تکن الأشیاء قائمة به حاضرة لدیه، کالإنسان فی علمه الحصولی بالجزئیات الخارجیة، فإنّ علمه بها لمّا کان عن طریق انتزاع الصور بوسیلة الأدوات الحسیّة کان إدراک الجزئیات متوقّفاً على تلک الأدوات، و أمّا الواجب عزّ اسمه فلمّا کان علمه عن طریق إحاطته بالأشیاء و قیامها به قیاماً حقیقیاً فلا یتوقّف علمه بها على الأدوات و إعمالها.

تکملة

قد ورد فی الشریعة الإسلامیة الحقّة توصیفه تعالى بالسمع و البصر و عدّ السمیع و البصیر من أسمائه سبحانه‏ (1) و الحقّ أنّ سمعه و بصره تعالى لیسا و صفین یغایران وصف العلم، إنمّا المغایرة بلحاظ المفهوم لا من حیث الحقیقة و المصداق، فقد عرفت أنّ جمیع العوالم الإمکانیة حاضرة لدیه سبحانه، فالأشیاء على الاطلاق، و المسموعات، و المبصرات خصوصاً، أفعاله سبحانه، و فی الوقت نفسه علمه تعالى.

ثمّ إنّ الملاک المتقدّم و إن کان موجوداً فی المشمومات و المذوقات و الملموسات، فإنّها أیضاً حاضرة لدیه سبحانه کالمسموعات و المبصرات، لکن لمّا کان إطلاق هذه الاسماء ملازما للمادّة و الإحساس فی أذهان الناس، لم یصحّ إطلاق اللامس و الذائق و الشامّ علیه.

و من الغایات الّتی یرشد إلیها الذکر الحکیم فی مقام التوصیف‏

بالسمیع و البصیر هو إیقاف الإنسان على أنّ ربّه سمیع یسمع ما یتلفّظه من کلام، بصیر یرى کلّ عمل یصدر منه فیحاسبه یوماً حسب ما سمعه و رآه.

ثمّ إنّ بعض المتکلمین قد عدّ الإدراک من صفاته تعالى و المدرِک- بصیغة الفاعل- من أسمائه، تبعاً لقوله سبحانه:

«لا تُدْرِکُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ یُدْرِکُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ» (2)

و لا شکّ أنّه سبحانه- بحکم الآیة الشریفة- مدرک، لکن الکلام فی أنّ الإدراک هل هو وصف وراء العلم بالکلیات و الجزئیات؟ أو هو یعادل العلم و یرادفه؟ أو هو علم خاص؟ و الأقرب هو الأخیر و هو العلم بالموجودات الجزئیة العینیة، فإدراکه سبحانه هو شهود الأشیاء الخارجیة و وقوفه علیه وقوفاً تامّاً. قال سبحانه:

«أَ وَ لَمْ یَکْفِ بِرَبِّکَ أَنَّهُ عَلى‏ کُلِّ شَیْ‏ءٍ شَهِیدٌ» (3)


1) انّه سبحانه وصف نفسه بالبصیر 42 مرّة، و بالسمیع 41 مرّة فی الکتاب العزیز.

2) الأنعام: 103.

3) فصلت: 53.