جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

ما هی حقیقة العبادة؟ (2)

زمان مطالعه: 3 دقیقه

العبادة فی اللّغة بمعنى الخضوع و التذلّل و قیل إنها غایة الخضوع و التذلّل. (1) و هذا المعنى لیس هو المقصود من العبادة المختصّة باللّه تعالى.

توضیح ذلک: أنّ القرآن الکریم أمر الإنسان بالتذلّل لوالدیه فیقول:

«وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما کَما رَبَّیانِی صَغِیراً» (2)

فلو کان الخضوع و التذلّل عبادة لمن یتذلّل له لکان أمره تعالى بذلک أمراً باتّخاذ الشریک له تعالى فی العبادة!

کما أنّه سبحانه أمر الملائکة بالسجود لآدم فیقول: «وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِکَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِیسَ» (3)

مع أنّ السجود نهایة التذلّل و الخضوع للمسجود له، فهل ترى أنّ اللّه سبحانه یأمر الملائکة بالشرک فی العبادة؟!

إنّ إخوة یوسف و والدیه سجدوا جمیعاً لیوسف بعد استوائه على عرش الملک و السلطنة، کما یقول سبحانه:

«وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً» (4)

إذن لیس معنى العبادة الّتی تختصّ باللّه سبحانه و لا تجوز لغیره تعالى هو الخضوع و التذلّل، أو نهایة الخضوع، فما هی حقیقة العبادة؟

حقیقة العبادة- على ما یستفاد من القرآن الکریم- هی «الخضوع و التذلّل، لفظاً أو عملًا مع الاعتقاد بأنَّ المخضوع له خالق و ربّ و مالک و هی من شئون الإلهیة». فنرى أنّ القرآن فی سورة الفاتحة قبل تخصیص العبادة باللّه تعالى، یوصفه بأنّه ربّ العالمین، و مالک یوم الدین، و أنّه هو الرحمن الرحیم، و مثله قوله تعالى:

«ذلِکُمُ اللَّهُ رَبُّکُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ کُلِّ شَیْ‏ءٍ فَاعْبُدُوهُ» (5)

فالخضوع للّه تعالى إنّما یکون عبادة له لأنّه هو الخالق و الرب و هو المالک و الإله و اختصاص هذه النعوت باللّه تعالى یستلزم اختصاص العبادة له.

و الحاصل: أنّ أیَّ خضوع ینبع من الاعتقاد بانّ المخضوع له إله العالم أو ربّه أو فوِّض إلیه تدبیر العالم کلّه أو بعضه، یکون الخضوع بأدنى‏ مراتبه عبادة و یکون صاحبه مشرکاً فی العبادة إذا أتى به لغیر اللّه، و یقابل ذلک‏

الخضوع غیر النابع من هذا الاعتقاد، فخضوع أحد أمام موجود و تکریمه- مبالغاً فی ذلک- من دون أن ینبع من الاعتقاد بأُلوهیته، لا یکون شرکاً و لا عبادة لهذا الموجود، و إن کان من الممکن أن یکون حراماً، مثل سجود العاشق للمعشوقة، أو المرأة لزوجها، فإنّه و إن کان حراماً فی الشریعة الإسلامیة لکنّه لیس عبادة بل حرام لوجه آخر، و لعلَّ الوجه فی حرمته هو أنّ السجود حیث أنّه وسیلة عامّة للعبادة عند جمیع الأقوام و الملل، صار بحیث لا یراد منه إلّا العبادة، لذلک لم یسمح الإسلام بأن یستفاد منها حتّى فی الموارد الّتی لا تکون عبادة، و التحریم إنّما هو من خصائص الشریعة الإسلامیة، إذ لم یکن حراماً قبله، و إلّا لما سجد یعقوب و أبناؤه لیوسف علیه السلام و یقول عزّ و جلّ: «وَ رَفَعَ أَبَوَیْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً» (4)

قال الجصّاص: قد کان السجود جائزاً فی شریعة آدم علیه السلام للمخلوقین، و یشبه أن یکون قد کان باقیاً إلى زمان یوسف علیه السلام … إلّا أنّ السجود لغیر اللّه على وجه التکرمة و التحیّة منسوخ بما روت عائشة و جابر و أنس انّ النبیّ صلى الله علیه و آله قال: «ما ینبغی لبشر أن یسجد لبشر، و لو صلح لبشر أن یسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقِّه علیها». (6)

و إلى ما ذکرناه فی حقیقة العبادة المختصة باللّه تعالى و أنّها لیست إلّا خضوعاً خاصاً نابعاً عن الاعتقاد بألوهیة المخضوع له و أنّ له شأن الربوبیّة و الخالقیة أشار الشیخ محمد عبده بقوله:

تدلّ الأسالیب الصحیحة و الاستعمال العربی الصراح على أنّ العبادة ضرب من الخضوع بالغ حد النهایة ناشٍ عن استشعار القلب عظمة للمعبود لا یعرف منشأها، و اعتقاده بسلطة لا یدرک کنهها و ماهیتها. و قصارى ما تعرفه منها أنها محیطة به و لکنّها فوق إدراکه. فمن ینتهی إلى أقصى الذّل لملک من الملوک لا یقال إنّه عبده، و إن قبّل موطئ أقدامه، ما دام سبب الذلّ و الخضوع معروفاً و هو الخوف من ظلمه المعهود، أو الرجاء بکرمه المحدود. (7)

نتائج البحث‏

و على ما ذکرنا لا یکون تقبیل ید النبی أو الإمام أو المعلّم أو الوالدین، أو تقبیل القرآن أو الکتب الدینیة، أو أضرحة الأولیاء، و ما یتعلّق بهم من آثار، إلّا تعظیماً و تکریماً، لا عبادة، و بذلک یتّضح أنّ کثیراً من الموضوعات الّتی تعرّفها فرقة الوهّابیة عبادة لغیر اللّه و شرکاً به، لیس صحیحا على إطلاقه، و إنّما هو شرک و عبادة إذا کان المخضوع له معنوناً بالأُلوهیة و أنّه فوّض إلیه الخلق و التدبیر و الإحیاء و الإماتة و الرزق و غیر ذلک من شئون الإلهیة المطلقة، أو الاعتقاد بأنّ فی أیدیهم مصیر العباد فی حیاتهم الدنیویة و الأُخرویة. و أمّا إذا کان بداعی تکریم أولیاء اللّه تعالى کان مستحسناً عقلًا و شرعاً، لأنّه وسیلة لإبراز المحبّة و المودّة للصالحین من عباد اللّه تعالى و فیه رضاه سبحانه بالضّرورة.


1) المفردات فی غریب القرآن: 319؛ تفسیر الکشاف: 1 / 13.

2) الإسراء: 24.

3) البقرة: 34.

4) یوسف: 100.

5) الانعام: 102.

6) أحکام القرآن: 1 / 32.

7) تفسیر المنار: 1 / 56- 57؛ و انظر ایضاً تفسیر المراغی: 1 / 32.