إنّ التاریخ البشری یرینا أنّه طالما عمد بعض أتباع الأنبیاء- بعد وفاة الأنبیاء أو خلال غیابهم- إلى الشرک و الوثنیة، تحت تأثیر المضلّین؛ إنّ عبادة بنی اسرائیل للعجل فی غیاب موسى علیه السلام أظهر نموذج لما ذکرناه و هو ممّا أثبته القرآن و التاریخ، و على هذا فلا عجب إذا رأینا تسرُّب خرافة التثلیث إلى العقیدة النصرانیة بعد ذهاب السید المسیح علیه السلام و غیابه عن أتباعه.
إنّ القرآن الکریم یصرّح بأنّ التثلیث دخل النصرانیة بعد رفع المسیح، من العقائد الخرافیة السابقة علیها، حیث یقول تعالى:
«وَ قالَتِ النَّصارى الْمَسِیحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِکَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ یُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى یُؤْفَکُونَ» (1)
لقد أثبتت الأبحاث التاریخیة انّ هذا التثلیث کان فی الدیانة البرهمانیة و الهندوکیّة قبل میلاد السیّد المسیح بمئات السنین، فقد تجلّى الربّ الأزلی الأبدی لدیهم فی ثلاثة مظاهر و آلهة:
1. براهما (الخالق).
2. فیشنو (الواقی).
3. سیفا (الهادم).
و بذلک یظهر قوّة ما ذکره الفیلسوف الفرنسی «غستاف لوبون» قال:
لقد واصلت المسیحیة تطوّرها فی القرون الخمسة الأولى من حیاتها، مع أخذ ما تیسّر من المفاهیم الفلسفیة و الدینیة الیونانیة و الشرقیة، و هکذا أصبحت خلیطاً من المعتقدات المصریة و الإیرانیة الّتی انتشرت فی المناطق الأُوروبیّة حوالی القرن الأوّل المیلادی فاعتنق الناس تثلیثاً جدیداً مکوّناً من الأب و الابن و روح القدس، مکان التثلیث القدیم المکوّن من «نروبىتر» و «وزنون» و «نرو». (2)
1) التوبة: 30.
2) قصة الحضارة، ویل دورانت: 3 / 770.