إنّ القرآن الکریم عند ما یصف اللّه تعالى بالوحدانیة، یصفه ب «القهّاریّة» و یقول:
«هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ» (1)
و بهذا المضمون آیات متعدّدة أُخرى فی الکتاب المجید، و ما ذلک إلّا لأنّ الموجود المحدود المتناهی مقهور للحدود و القیود الحاکمة علیه، فإذا کان قاهراً من کل الجهات لم تتحکّم فیه الحدود، فاللّامحدودیة تلازم وصف القاهریة.
و من هنا یتضح أنّ وحدته تعالى لیست وحدة عددیة و لا مفهومیة، قال العلّامة الطباطبائى قدس سره:
إنّ کلًا من الوحدة العددیة کالفرد الواحد من النوع، و الوحدة النوعیة کالإنسان الّذی هو نوع واحد فی مقابل الانواع الکثیرة، مقهور بالحدّ الّذی یمیّز الفرد عن الآخر و النوع عن مثله، فإذا کان تعالى لا یقهره شیء و هو القاهر فوق کل شیء، فلیس بمحدود فی شیء، فهو موجود لا یشوبه عدم، و حقّ لا یعرضه باطل، فللّه من کلّ کمال محضه (2)
ثمّ إنّ إمام الموحّدین علیّاً علیه السلام عند ما سئل عن وحدانیّته تعالى، ذکر للوحدة أربعة معان، اثنان منها لا یلیقان بساحته تعالى و اثنان منها ثابتان له.
أمّا اللّذان لا یلیقان بساحته تعالى، فهما: الوحدة العددیة و الوحدة المفهومیة حیث قال:
«فأمّا اللّذان لا یجوزان علیه، فقول القائل واحد یقصد به باب الأعداد، فهذا ما لا یجوز، لأنّ ما لا ثانی له لا یدخل فی باب الاعداد، أ ما ترى انّه کفر من قال إنّه ثالث ثلاثة، و قول القائل هو واحد من الناس یرید به النوع من الجنس، فهذا ما لا یجوز، لأنّه تشبیه و جلّ ربُّنا و تعالى عن ذلک».
و أمّا اللذان ثابتان له تعالى، فهما: بساطة ذاته، و عدم المثل و النظیر له، حیث قال:
«و أمّا الوجهان اللّذان یثبتان فیه، فقول القائل: هو واحد لیس له فی الأشیاء شبه … و أنّه عزّ و جلّ أحدیّ المعنى …. لا ینقسم فی وجود و لا عقل و لا وهم …» (3)
1) الزمر: 4.
2) المیزان: 6 / 88- 89 بتلخیص.
3) التوحید للصدوق: الباب 3، الحدیث 3.