إنّ الخطوة الأولى لفهم الدین هی الوقوف على المعرفة المعتبرة فیه؛ فالدین الواقعی لا یعتبر کلّ معرفة حقّا قابلًا للاستناد، بل یشترط أن تکون معرفة قطعیة حاصلة من أدوات المعرفة المناسبة لذلک. یقول سبحانه:
«وَ لا تَقْفُ ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ کُلُّ أُولئِکَ کانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا» (1)
ترى أنَّ الآیة ترفض کلّ معرفة خرجت عن إطار العلم القطعی. و لأجل ذلک یذمّ اقتفاء سنن الآباء و الأجداد، اقتفاءً بلا دلیل معتبر، و بلا علم بصحته و إتقانه. یقول سبحانه:
«وَ کَذلِکَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ فِی قَرْیَةٍ مِنْ نَذِیرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَ إِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ» (2)
و قال سبحانه ردّاً لمقالتهم هذه:
«أَ وَ لَوْ کانَ آباؤُهُمْ لا یَعْقِلُونَ شَیْئاً وَ لا یَهْتَدُونَ» (3)
ربّما یقال: إذا کان اقتفاء الآباء و الأجداد و تقلیدهم امراً مذموماً فلما ذا جوّز الاسلام تقلید الفقهاء فی فروع الدین؟
و الجواب: أنّ تقلید الفقیه فی الأحکام الدینیة لیس من قسم التقلید المذموم، لأنّ رجوع الجاهل إلى العالم و اقتفائه أثره رجوع إلیه مع الدلیل، و علیه سیرة العقلاء فی جمیع المجالات، فالجاهل بالصنعة یرجع إلى عالمها، و جاهل الطب یرجع إلى خبیره.
هذا، مضافاً إلى أنَّ أصول العقائد ممّا یتمکّن کلّ إنسان بعقله و فطرته أن یتعرّف علیها، و یعتقد بها فلیس للتقلید فیها مجال، إلّا فیما یرجع إلى الأبحاث الدقیقة و الغامضة، فیجوز فیها الاستناد بآراء العلماء البارزین فی الکلام.
1) الاسراء: 36.
2) الزخرف: 23.
3) المائدة: 104.