الدین ثورة فکریة تقود الإنسان إلى الکمال و الترقّی فی جمیع المجالات المهمّة الّتی لها صلة وثیقة بحیاة الإنسان؛ أهمّها:
أ. تقویم الأفکار و العقائد و تهذیبها عن الأوهام و الخرافات؛
ب. تنمیة الأصول الأخلاقیة؛
ج. تحسین العلاقات الاجتماعیة.
أمّا فی المجال الأوّل: فإنّ الدین یفسّر واقع الکون بأنّه إبداع موجود عال قام بخلق المادّة و تصویرها و تحدیدها بقوانین و حدود، کما أنه یفسّر الحیاة الإنسانیة بأنّها لم تظهر على صفحة الکون عبثا و لم یخلق الإنسان سدى، بل لتکوّنه فی هذا الکوکب غایة علیا یصل إلیها فی ظلّ تعالیم الأنبیاء و الهداة المبعوثین من جانب اللّه تعالى.
و فی مقابل هذا التفسیر الدینی لواقع الکون و الحیاة الإنسانیة تفسیر المادّی القائل بأنّ المادّة الأولى قدیمة بالذات و هی الّتی قامت فأعطت لنفسها نظماً، و انّه لا غایة لها و لا للإنسان القاطن فیها وراء هذه الحیاة المادیّة، و هذا التفسیر یقود الإنسان إلى الجهل و الخرافة، إذ کیف یمکن للمادّة أن تمنح نفسها نظماً؟! و هل یمکن أن تتّحد العلّة و المعلول، و الفاعل و المفعول، و الجاعل و المجعول؟
و من هنا یتبیّن أنّ التکامل الفکری إنّما یتحقّق فی ظلّ الدین، لأنّه یکشف آفاقاً وسیعة أمام عقله و تفکّره.
و أمّا فی المجال الثانی: فإنّ العقائد الدینیة تُعدّ رصیداً للُاصول الاخلاقیة، إذ التقیّد بالقیم و رعایتها لا ینفکّ عن مصائب و آلام یصعب على الإنسان تحمّلها إلّا بعامل روحی یسهِّلها و یزیل صعوبتها له، و هذا کالتضحیة فی سبیل الحق و العدل، و رعایة الأمانة و مساعدة المستضعفین، فهذه بعض الأُصول الأخلاقیة الّتی لا تنکر صحّتها، غیر أن تجسیدها فی المجتمع یستتبع آلاماً و صعوبات، و الاعتقاد باللّه سبحانه و ما فی العمل بها من الأجر و الثواب خیر عامل لتشویق الإنسان على اجرائها و تحمّل المصائب و الآلام.
و أمّا فی المجال الثالث: فإنّ الدین یعتبر البشر کلّهم مخلوقین لمبدإ واحد، فالکلّ بالنسبة إلیه حسب الذات و الجوهر کأسنان المشط، و لا یرى أیّ معنى للممیّزات القومیّة و التفاریق الظاهریة. هذا من جانب، و من جانب آخر فإنّ العقیدة الدینیة تساند الأُصول الاجتماعیة، لأنّها تصبح عند الإنسان
المتدیّن تکالیف لازمة، و یکون الإنسان بنفسه مقوداً إلى العمل و الإجراء، أی إجراء التکالیف و القوانین الاجتماعیة فی شتّى الحقول.
فهذه بعض المجالات الّتی للدین فیها دور و تأثیر واضح، أ فیصحّ بعد الوقوف على هذه التأثیرات المعجبة أن نهمل البحث عنه، و نجعله فی زاویة النسیان؟
نعم ما ذکرنا من دور الدین و تأثیره فی الجوانب الحیویّة من الإنسان إنّما هو من شئون الدین الحقیقی الّذی یؤیّد العلم و یؤکّد الاخلاق و لا یخالفهما، و أمّا الأدیان غیر الإلهیة أو المنسوبة إلى الوحی بکذب و زور فخارجة عن موضوع بحثنا.