جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

مقدمة الطبعة الأولى: علم الکلام رائد الفطرة الإنسانیة (2)

زمان مطالعه: 3 دقیقه

الالتفات إلى ما وراء الطبیعة انجذاب طبیعیّ و میل فطریّ بشریّ، یظهر فی کلّ فردٍ من أفراد النوع البشری من أوائل شبابه، و مطلع عمره ما دامت مرآة تلک الفطرة نقیّة صافیة لم تنکسف بآراء بشریة غیر نقیّة.

و ذلک الالتفات و الانجذاب نعمة کبیرة من نعمِ اللّه سبحانه على العباد، حیث یدفعهم نحو مبدأ هذا الکون و صانعه و منشئه، و ما یترتب على ذلک من مسائل حیویّة.

و لکن هذا الانجذاب إنّما یجدیه إذا خضع لتربیة الأنبیاء و رعایتهم، و صار مشفوعاً بالدلیل و البرهان، إذ حینذاک یُصبحُ هذا الانجذاب کشجرة مبارکة «تُؤْتِی أُکُلَها کُلَّ حِینٍ»، و لا تُضعْضعها العواصف مهما کانت شدیدة قالعة.

و أمّا إذا ترک حتى استغلّته الأهواء و الآراء المنحرفة، انطفأت هذه الشعلة المقدّسة و اختفت تحت رکام من الأوهام و الخرافات.

و لأجل ذلک یجب على القائمین على شئون التربیة أن یُطْعِموا الفطرة البشریّة بالبراهین العقلیّة القاطعة الساطعة الّتی هدانا إلیها الذکر الحکیم و الأحادیث الصحیحة الشریفة، و ما أنتجته الأبحاث الفکریّة طوال العصور و الأزمنة فی الأوساط الدینیّة.

و من هنا عمد أئمّة أهل البیت علیهم السلام واحداً تلو الآخر، بصقل الأذهان و تنویرها بالبراهین الدامغة، مراعین فیها مستوى الأذهان یومذاک، بل و آخذین بالاعتبار، مستوى أذهان الأجیال القادمة.

و قد اهتمّ المسلمون من عصر الإمام أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام بتدوین علم الکلام، مقتبسین اصوله من خطبه و کلمه، فلم یزل ینمو و یتکامل فی ظلِّ الاحتکاکات و المذاکرات، إلى أن دخل رابع القرون، فقامت شخصیات مفکّرة کبیرة ألَّفت فی ذلک المضمار کتباً قیِّمة.

فمن الشیعة نجد الشیخ الأقدم أبا إسحاق إبراهیم بن نوبخت (من أعلام القرن الرابع الهجری) و الشیخ المفید (413 ه) و الشریف المرتضى‏ (436 ه) و أبا الصلاح الحلبی (447 ه) و شیخ الطائفة الطوسی (460 ه) و ابن زهرة الحلبی (585 ه) و سدید الدین الحمصی (600 ه) و المحقّق الطوسی (672 ه) و ابن میثم البحرانی (679 ه) و العلّامة الحلّی (726 ه) و الفاضل المقداد (826 ه) و … من الأعلام الفطاحل، و العلماء الأفذاذ.

و ما کتبته تلک الثلّة المبارکة فی هذا المضمار رسائل جلیلة تکفّلت أداء الرسالة بصورة کاملة.

و لکن حیث إنّ کلّ عصر یطلب لنفسه طوراً من التألیف یتناسب مع حاجات ذلک العصر و یستجیب لمطالبه، فلا بدّ من أبحاث فی هذا العصر تناسب حاجاته و متطلّباته.

و قد قام شیخنا العلّامة الحجّة آیة اللّه السبحانی- دام ظلّه- بهذه المهمَّة فی عصرنا الحاضر، و هو ممّن کرّس قسماً کبیراً من حیاته فی هذا المجال. و قد أکثر من التألیف فی هذا العلم، و دبّجت یراعته أسفاراً متنوعة مناسبة لکلّ مستوى من المستویات، و من أحسن نتاجاته المبارکة فی هذا العلم محاضراته القیّمة الّتی ألقاها فی جامعة قم الدینیة العلمیة، و حرَّرها تلمیذه الفاضل الشیخ حسن مکّی العاملی- حفظه اللّه-، و سمّاها «الإلهیات على هدى الکتاب و السنّة و العقل» حیث کانت المحاضرات جامعة لأطراف هذا العلم، و متکفّلة لجمیع مسائله المهمّة، و قد تعرّض فیها للآراء بعد أن حاکمها قضاء منطقیاً منصفاً. فالکتاب یغنی الطالب الدینی الّذی یرید أن یحیط بالآراء الکلامیة فی جمیع الأبواب، و قد صار محور الدراسة الکلامیة فی جامعة قم منذ سنین. و قد قمت- بإذن من شیخنا الأُستاذ- بتلخیص هذا الکتاب القیِّم على وجه لا یُخلّ بمقاصده و أهدافه، و منهجه، و یتمثّل عملی هذا فی:

تلخیص العبارات، و الاکتفاء بأقصرها و أقلّها أوّلًا؛

و الاقتصار على أقوى البراهین و أوضحها ثانیاً؛

و حذف الأقوال و الأبحاث الموجبة للإطناب ثالثاً؛

و التصرّف فی تنسیق الأبحاث و ترتیبها رابعاً؛

و استدراک ما فات شیخنا الأُستاذ فی بعض المجالات خامساً.

و إن کان ما أحدثناه مستفاداً من مشکاة علمه، و مستقى من معین فضله، و له حقوق کبیرة على العلم و أهله، و الجیل المعاصر، حفظه اللّه مناراً للعلم، و مشعلًا للهدایة، انّه سمیع مجیب.

جامعة قم المقدّسة- علی الربّانی الگلپایگانی‏

30 رجب 1414 ه ق‏

المطابق ل 23 بهمن 1372 ه ش‏