قال المصنّف رفع اللّه درجته
و منها أنّه یلزم أن یکون جمیع المنافع التی جعلها اللّه تعالى منوطة بالأشیاء غیر مقصودة، و لا مطلوبة للّه تعالى، بل وضعها و خلقها عبثا (1) فلا یکون خلق العین
للابصار (2) و لا خلق الاذن للسماع (3) و لا اللّسان للنطق و لا الید للبطش (4) و لا الرّجل للمشی(4) و کذا جمیع الأعضاء التی فی الإنسان و غیره من الحیوانات، و لا خلق الحرارة فی النّار للإحراق(5) و لا الماء للتبرید (6) و لا خلق الشّمس و القمر و النّجوم للإضاءة (7) و معرفة اللیل و النّهار للحساب (8) و کلّ هذا مبطل للأغراض و الحکم و المصالح، و یبطل علم الطب بالکلّیة، و أنّه لم یخلق الأدویة للإصلاح، و یبطل علم الهیئة و غیرها، و یلزم العبث فی ذلک کلّه، تعالى اللّه عن ذلک علّوا کبیرا.
قال النّاصب خفضه اللّه
أقول: إذا قلنا: إنّ أفعاله تعالى محکمة متقنة مشتملة على حکم و مصالح لا تحصى هی راجعته إلى مخلوقاته تعالى لا یلزم أن تکون منافع الأشیاء غیر مقصودة للّه تعالى، بل هو الحکیم خلق الأشیاء و رتّب علیها (علیه خ ل) المصالح، و قیل:
خلق الأشیاء قدّرها و دبّرها، و لکن لیست أفعاله محتاجة إلى علّة غائیّة کأفعالنا الاختیاریّة، فإنا لو فقدنا العلّة الغائیّة لم نقدر على الفعل الاختیاریّ، و لیس هو تعالى کذلک للزوم النقص و الاحتیاج، بل الآثار و المصالح تتّرتب على أفعاله من غیر نقص الاحتیاج إلى العلّة الغائیّة الباعثة للفاعل، و لولاها لم یتصور الفعل الاختیاریّ من الفاعل، هذا هو المطلوب من کلام الأشاعرة، لا نفى منافع الأشیاء و أنّها لم تکن معلومة للّه تعالى وقت خلق الأشیاء، مثلا اقتضت حکمة خلق العالم أن یخلق الشّمس مضیئة، و فی إضاءتها منافع للعباد، فاللّه تعالى قبل أن یخلق الشّمس کان یعلم هذه المنافع المترتبة علیها فخلقها، و ترتبت المنافع علیها من غیر احتیاج إلى حالة باعثة إلى هذا الخلق، فلا یلزم أن لا تکون المنافع مقصودة، بل هی مقصودة بمعنى ملاحظة المصلحة و الغایة المترتبة علیها، لا بمعنى الغرض الموجب لإثبات النّقص له «انتهى».
أقول [القاضى نور اللّه]
إنّ قوله أوّلا: لا یلزم أن تکون منافع الأشیاء غیر مقصودة للّه تعالى کقوله ثانیا، بل هی مقصودة بمعنى ملاحظة المصلحة «إلخ» کلام مجمل، إن أراد به أنّها مقصودة للّه تعالى ملحوظة له عند الإتیان بالفعل فقد ثبت الغرض کما مرّ بیانه و إن أراد أنّها ملحوظة قبل ذلک غیر ملحوظة عند الإتیان بالفعل فهو عبث أو فی حکم العبث کما مرّ أیضا، و أما ما ذکره: من أنّا لو فقدنا العلّة الغائیة، لم نقدر على الفعل الاختیاری، و لیس هو تعالى کذلک للزوم النّقص و الاحتیاج إلخ، فیتوجه علیه ما ذکرناه آنفا: من أنّا لا نسلم أنّ الاحتیاج فی الفاعلیة إلى الغیر مطلقا موجب للنقصان، فانّه تعالى محتاج فی صفاته الفعلیة إلى مخلوقاته اتّفاقا، على أنّا قد ذکرنا هناک ما یدفع ذلک بوجه آخر، و هو ما حاصله: أنّه إنّما یلزم استکماله
تعالى عن علمه، و احتیاجه إلیه و هو جائز عند الأشاعرة فتذکر.
1) إشارة الى قوله تعالى فی سورة «المؤمنون» الآیة 115.
2) إشارة الى قوله تعالى فی سورة «الأعراف» الآیة 179.
3) إشارة الى قوله تعالى فی سورة «الأعراف» الآیة 179 و الآیة 195.
4) إشارة الى قوله تعالى فی سورة «الأعراف» الآیة 195.
5) إشارة الى قوله تعالى فی سورة «القصص» الآیة 29.
6) إشارة الى ماورد فی عدة أحادیث التی وردت فی باب الحمى (منها) ما رواه ابن حجر فی مجمع الزوائد (ج 5 ص 94 ط مصر) بسنده عن أبى بشیر الأنصاری عن النبی (ص) انه قال فی الحمى: أبردوها بالماء انها من فیح جهنم«انتهى» و غیرها.
7) إشارة الى قوله تعالى فی سورة «یونس» الآیة 5 و فی سورة «نوح» الآیة 16 و فی سورة «الانعام» الآیة 97.
8) إشارة الى قوله تعالى فی سورة «الانعام» الآیة 96.