جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

و منها أنه یلزم عدم الوثوق بوعده و وعیده‏

زمان مطالعه: 24 دقیقه

قال المصنّف رفع اللّه درجته‏

و منها أنه یلزم عدم الوثوق بوعده و وعیده، لأنه لو جاز منه فعل القبیح لجاز منه الکذب، و حینئذ ینتفی الجزم بوقوع ما أخبر بوقوعه من الثواب على الطاعة و العقاب على المعصیة، و لا یبقى للعبد جزم بصدقه، بل و لا ظنّ به، لأنه لمّا وقع منه أنواع الکذب و الشرور فی العالم کیف یحکم العقل بصدقه فی الوعد و الوعید؟! و تنتفی حینئذ فائدة التّکلیف و هو (خ ل هی) الحذر من العقاب و الطمع فی الثّواب، و من یجوّز لنفسه أن یقلّد من یعتقد جواز الکذب على اللّه تعالى و أنّه لا جزم بالبعث و النّشور و لا بالحساب و الثّواب و لا بالعقاب؟ و هل هذا إلّا خروج عن الملة الإسلامیة؟! فلیحذر الجاهل من تقلید هؤلاء و لا یعتذر بأنی ما عرفت مذهبهم، فهذا هو عین مذهبهم و صریح مقالتهم نعوذ باللّه منها و من أمثالها.

و منها أنه یلزم نسبة المطیع إلى السّفه و الحمق، و نسبة العاصی إلى الحکمة و الکیاسة و العمل بمقتضى العقل بل کلّما ازداد المطیع فی طاعته و زهده و رفضه الأمور الدّنیویة و الإقبال على اللّه تعالى بالکلیّة و الانقیاد إلى امتثال أوامره و اجتناب مناهیه نسب إلى زیادة الجهل و الحمق و السّفه، و کلّما ازداد العاصی فی عصیانه و لجّ فی غیّه و طغیانه و أسرف فی ارتکاب الملاهی المحرّمة و استعمال‏

الملاذ المزجور عنها بالشّرع نسب إلى العقل و الأخذ بالحزم، لأنّ الأفعال القبیحة إذا کانت مستندة إلیه جاز أن یعاقب المطیع لطاعته و لا تفیده طاعته إلّا الخسران و التّعب حیث جاز أن یعاقبه على امتثال أمره، و یحصل فی الآخرة بالعذاب الألیم السّرمد (1) و العقاب المؤبّد، و جاز أن یثیب العاصی فیحصل بالرّبح فی الدّارین و یتخلّص من المشقة فی المنزلین، و منها أنه تعالى کلّف المحال لأنّ الآثار کلّها مستندة إلیه تعالى، و لا تأثیر لقدرة العبد البتّة فجمیع الأفعال غیر مقدورة للعبد و قد کلّف ببعضها فیکون قد کلّف ما لا یطاق، و جوّزوا بهذا الإعتبار و باعتبار وقوع القبیح منه تعالى أن یکلّف اللّه تعالى العبد أن یخلق مثله تعالى و مثل نفسه، و أن یعید الموتى فی الدّنیا کآدم و نوح و غیرهما، و أن یبلع جبل أبی قبیس دفعة، و یشرب ماء دجلة فی جرعة، و أنه متى لم یفعل ذلک عذّبه بأنواع العذاب، فلینظر العاقل فی نفسه هل یجوز له أن ینسب ربّه تبارک و تعالى و تقدّس إلى مثل هذه التّکالیف الممتنعة؟ و هل ینسب ظالم منّا إلى مثل هذا الظلم؟! تعالى اللّه عن ذلک علوّا کبیرا.

و منها أنّه یلزم منه عدم العلم بنبوّة أحد من الأنبیاء علیهم السّلام، لأنّ دلیل النّبوة هو أنّ اللّه فعل المعجزة عقیب الدّعوى لأجل التّصدیق (2)، و کلّ من صدّقه اللّه تعالى فهو صادق، فإذا صدر القبیح منه لم یتمّ الدّلیل، أما الصّغرى فجاز أن یخلق المعجزة للإغواء و الإضلال، و أمّا الکبرى فلجواز أن یصدّق المبطل فی دعواه. و منها أنّ القبائح لو صدرت عنه لوجب الاستعاذة منه لأنه حینئذ أضرّ على البشر من إبلیس لعنه اللّه، و کان واجبا على قولهم أن یقول المتعوّذ: أعوذ بالشّیطان الرّجیم من اللّه تعالى، و هل یرضى عاقل لنفسه المصیر

إلى مقالة تؤدّى إلى التّعوذ من أرحم الرّاحمین و أکرم الأکرمین، و تخلیص إبلیس من اللّعن و البعد و الطرد؟ نعوذ باللّه من اعتقاد المبطلین و الدّخول فی زمرة الضّالین و لنقتصر فی هذا المختصر على هذا القدر «انتهى».

قال النّاصب خفضه اللّه‏

أقول: قد عرفت فیما سبق مذهب الأشاعرة فی عدم صدور القبیح من اللّه تعالى، و أن إجماع الملیّین منعقد على أنّه تعالى لا یفعل القبیح، فکلّ ما أقامه من الدّلائل قد ذکرنا أنه إقامة الدّلیل فی غیر محل النّزاع، فانّ المدّعى شی‏ء واحد و هم یسندونه بالقبح العقلی (إلى القبح العقلی ظ)، و الأشاعرة یسندونه إلى أنه لا قبیح منه و لا واجب علیه. ثمّ إنّ المعتزلة لو أرادوا من نسبة فعل القبیح إلیه تعالى أنه یخلق القبائح من أفعال العباد على رأى الأشاعرة فهذا شی‏ء یلزمهم، لأنّ القبائح من الأشیاء کما تکون فی الأعراض کالأفعال تکون فی الجواهر و الذّوات، فالخنزیر قبیح و العقرب و الحیّة و الحشرات قبائح و هم متّفقون أنّ اللّه تعالى یخلقهم، فکلّ ما یلزم الأشاعرة یلزمهم فی خلق القبائح الجوهریّة.

و إن أرادوا أنّه یفعل القبائح فانّ هذا شی‏ء لم یلزم من کلامهم و لا هو معتقدهم کما صرّحنا به مرارا. «انتهى».

أقول: [القاضى نور اللّه‏]

قد بیّنا آنفا أنّ قول الأشاعرة: بعدم صدور القبیح من الأسماء التی لا مسمّى لها و الخیالات التی لیس لها حقیقة، فهم لیسوا داخلین فی إجماع الملیّین فی الحقیقة، و أما ما ذکره من أنهم لو أرادوا من نسبة فعل القبیح إلیه تعالى أنه یخلق القبائح من أفعال العباد على رأى الأشاعرة فهذا شی‏ء یلزمهم «إلخ».

ففیه اشتباه ظاهر و حاشا أن یلزم أهل العدل مثل ذلک، لأنّ مرادهم بالشرور

و القبائح التی لا یفعلها اللّه تعالى ما یکون مفاسده فی نظام الوجود أکثر من مصالحه عند العقل، و ما هو محلّ النزاع من القبائح و المفاسد الصادرة من العباد کالزّنا و اللّواطة و السّرقة و نحوها مما لا یجد العقل السّلیم فیها فائدة و نفعا أصلا فی حفظ النّظام، و لو کانت فیها مصلحة فهی أقلّ من مفاسدها، بخلاف ما قد یستقبحه العقل فی بادی النّظر من أفعاله تعالى، فانّه إذا تأمّل فیها العاقل ربّما یطلع على ما فیها من حکم و مصالح لا تحصى، فیعود الاستقباح فی نظره استحسانا کما فی قصّة موسى مع الخضر علیهما السّلام من خرق السّفینة و قتل الغلام، و کما فی تعذیب الإنسان ولده أو عبده للتّأدیب و الزّجر عن المنکرات، و إلیه أشار تعالى بقوله: إِنِّی أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (3)، و به یتبیّن حسن خلق الحشرات و السّباع الموذیات و إبلیس و ذریّته و تبعته (خ ل تبقیته ظ) و إماتة الأنبیاء علیهم الصّلاة و السّلام، و أما ما ذکره بعض متصوّفة أهل السّنة موافقا لبعض المتفلسفة:

من أنّ الشّهوة مثلا من حیث إنها ظلّ المحبّة الذّاتیة السّاریة فی الوجود محمودة و عدمها و هو العنة مذمومة من حیث إنّها لیست سبب بقاء النّوع، و من حیث إنها موجبة للذّة التی هی نوع من التّجلیات الجمالیّة أیضا محمودة، و عند وقوعها على غیر موجب الشّرع مذمومة، لکونها سببا لانقطاع النّسل و موجبا للفتن العائدة إلى العدم، و هکذا جمیع صور المرام، فالکل منه و إلیه من حیث الکمال «انتهى». فلا یخفى ما فیه من ترویج سوق الزّنا و مخالفته لبدیهة العقل و لما علیه الشّرع و ذووه (4) و اعلم أیدک الله أنّ جنایة المجبّرة على الإسلام کثیرة، و بلیّتها على الامّة عظیمة بحملهم المعاصی على اللّه تعالى، و قولهم:

إنّه لا یکون إلّا ما أراده اللّه و أنه لا قدرة للکافر على الخلاص من کفره، و لا سبیل للفاسق إلى ترک فسقه، و أنّ اللّه تعالى قضى بالمعاصی على قوم و خلقهم لها و فعلها فیهم لیعاقبهم علیها، و قضى بالطاعات على قوم و خلقهم لها و فعلها فیهم لیثیبهم علیها، و هذا الإعتقاد القبیح یسقط عن المکلف الحرص على الطاعة و الاجتهاد فی الانزجار عن المعصیة، لأنه یرى أنّ اجتهاده لا ینفع، و حرصه لا یغنی، بل لا اجتهاد له فی الحقیقة، و لا حرص، لأنه مفعول فیه غیر فاعل، و موجد فیه غیر موجد، و مخلوق لشی‏ء لا محید (5) له عنه، و مسوق إلى أمر لا انفصال له منه، فأىّ خوف مع هذا یقع؟ و أىّ وعید معه ینفع؟ نعوذ باللّه ممّا یقولون و نتبرّأ ممّا یعتقدون، و نعم ما أنشد بعض أهل العدل إشارة إلى ما اعتقده هؤلاء خذلهم اللّه تعالى، شعر:

سألت المخنّث عن فعله

علام (6) تخنّثت یا ماذق (7)

فقال: ابتلانی بداء (8) العضال

و أسلمنی (9) القدر السّابق‏

و لمت الزّناة على فعلهم

فقالوا بهذا قضى الخالق‏

و قلت: لآکل مال الیتیم:

أکلت و أنت امرؤ فاسق‏

فقال: و لجلج (10) فی قوله

أکلت و أطعمنی الرّازق‏

و کلّ یحیل على ربّه

و ما فیهم واحد صادق‏

و لنختم هذا المقام بمحاکمة یحکم بحسنها العاقل المتّصف بالانصاف، و هو أن نقول: إن أراد الأشاعرة بقولهم: إنّه لا مؤثّر فی الوجود إلّا اللّه، أنه علّة قریبة لجمیع الموجودات بأن یکون مؤثرا فیها لا بواسطة شی‏ء آخر، فهو بعید عن الصّواب، و خروج عن الملّة الاسلامیّة، و إسناد للقبائح و الشّرور إلیه تعالى، و کلّ ذلک مستلزم للمحال، و نقول للمعتزلة: إن أرادوا بکون العبد موجدا لفعله، أنّه علّة تامّة لوجود أثره و انقطاع تأثیر اللّه البتّة سواء کان بواسطة أو بلا واسطة فهذا أیضا بعید عن الصّواب، لأنّ فعل العبد بالضرورة متوقف على قدرته و آلاته، و بالضّرورة لیستا منه، فلا یکون هو علّة تامّة فی وجود أثره، ثمّ نقول:

علّة العلّة هل هی علّة بالحقیقة أم لا؟ فان کان علّة العلّة علّة حقیقة کان الجمیع مستندا إلى اللّه تعالى، لکنّ الأمر لیس کذلک، بل علّة العلّة علّة على سبیل المجاز لوجوب استناد الأثر إلى المباشر القریب، و لمّا کان العبد مباشرا قریبا لفعله أسندت أفعاله الواقعة بحسب قصده إلیه لأنّه السّبب فی وجودها، مثال ذلک: أنّ النحل موجد للعسل، و لا یقال: إنّ النّحل موجد للحلاوة فی الذائقة بل الموجد لها هو العسل، لأنّه العلّة القریبة فیها، و النحل أوجد الحلاوة بواسطة العسل، فهو علّة للعلّة لا علّة حقیقة، و على هذا تحمل الآیات الواردة (11) فی القرآن العزیز التی بعضها تدلّ على استناد الأفعال إلیه تعالى، و بعضها على‏

استناد الأفعال إلینا و تنطبق على المذهب الحقّ أعنی قولنا:

إنّه لا جبر و لا تفویض و لکن أمر بین أمرین (12)، کما روى عن الامام الهمام جعفر بن محمد الصادق علیه السّلام‏

و اختاره الشّارح القدیم للتّجرید فقال: و الحقّ فی هذه المسألة أن لا جبر و لا تفویض، بل أمر بین أمرین، و ذلک لأنّ لقدرة العبد تأثیرا فی أفعال نفسه لکن قدرته على الفعل لا تکون مقدورة له بل یخلقها اللّه تعالى فیه، و لقدرة اللّه تعالى أیضا مدخل فی صدور الفعل عنه فلا یکون جبرا صرفا و لا تفویضا صرفا بل أمر بین الأمرین.


1) قد مر المراد بالسرمد.

2) و المراد من التصدیق اسناد الصدق الیه فان هیئة التفعیل قد یراد منه النسبة کالتفسیق و التکفیر.

3) البقرة. الآیة 22.

4) قد وردت إضافة جمع ذى مع کونه من أسماء الستة الى الضمیر فی النظم و النثر و منه قول الشاعر: انما یعرف ذا الفضل من الناس ذووه.

5) حاد حیدا و حیدانا و محیدا: مال عن الطریق و عدل، و فی بعض النسخ المخطوطة «لا محیص له عنه».

6) علام: فی الأصل على ما. و شاع حذف ألف ماء الاستفهامیة إذا دخلتها حروف الجارة.

7) مذق الود: شابه بکدر و لم یخلصه.

8) داء عضال بضم العین: أى داء معى غالب.

9) اسلم: إذا لدغته الحیة.

10) لجلج، تردد فی الکلام.

11) الآیات التی یمکن للمتوهم استشمام رائحة الجبر منها مجتمعة فی ست أنواع:النوع الاول و هو العمدة فی الباب الآیات المتضمنة لنسبة الإضلال الى اللّه تعالى، و هی اثنتان و ثلثون آیة: (1) فی سورة المدثر الآیة 31 (2) فاطر 8 (3) النحل 93 (4) ابراهیم 4 (5) الرعد 27 (6) الشورى 44 (7) الشورى 46 (8) غافر 33 (9) الزمر 36 (10) الکهف 17 (11) الاسراء 97 (12) الرعد 33 (13) الأعراف 186 (14) الأعراف 178 (15) النساء 143 (16) النساء 88 (17) محمّد صلى اللّه علیه و اله 4 (18) غافر 34 (19) غافر 74 (20) النحل 37 (21) ابراهیم 27 (22) التوبة 115 (23) البقرة 26 (24) الأعراف 155 (25) الجاثیة 23 (26) محمد 1 (27) محمد 8 (28) الروم 29 (29) النساء 88 (30) الانعام 125 (31) الانعام 39 (32) الزمر 23 و هی على اقسام (منها) الآیات المتضمنة لنسبة الإضلال الیه تعالى من غیر بیان لمن یتعلق به کقوله تعالى وَ مَنْ یُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ «غافر 33» (و منها) الآیات المتضمنة لنسبة الإضلال الیه تعالى لمن یشاء من غیر تعیین لمن یشاء إضلاله کقوله تعالى فَیُضِلُّ اللَّهُ مَنْ یَشاءُ «ابراهیم علیه السّلام» 4.(و منها) ما دل على إضلاله تعالى لمن کفر و اختار الکفر فیضل اللّه له کقوله تعالى کَذلِکَ یُضِلُّ اللَّهُ الْکافِرِینَ (و منها) ما دل على حصر الإضلال فی حق الفاسقین و انه تعالى لا یضل الا من فسق و بعد من طاعة اللّه کقوله تعالى وَ ما یُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِینَ (و منها) ما دل على انه تعالى یضل المرتابین و المسرفین و غیرهم من الذین اختاروا أنحاء العصیان.و دلالة هذه الآیات مقصورة على إضلاله تعالى لمن اختار الکفر أو الظلم أو الفسوق، و لیس فیها دلالة بوجه من الوجوه على أنه تعالى یضل أحدا قبل اختیاره بنفسه الکفر و الظلم و الفسوق، و ستأتى الآیات الدالة على تنزیهه تعالى عن الظلم و ان ما أصابهم من السوء کان بسوء اختیارهم کقوله تعالى: وَ ما ظَلَمْناهُمْ وَ لکِنْ کانُوا أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ «النحل 118» و قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا یَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ «النحل 118» و قوله تعالى وَ وُفِّیَتْ کُلُّ نَفْسٍ ما کَسَبَتْ وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ «آل عمران 25».النوع الثانی الآیات المتضمنة لاسناد الهدایة التکوینیة الى اللّه تعالى و هی ثمان و سبعون آیة.(1) البقرة 143 (2) البقرة 213 (3) الانعام 90 (4) الأعراف 30 (5) الرعد 31 (6) النحل 36 (7) طه 122 (8) الاعلى 3 (9) الضحى 7 (10) الانعام 149 (11) النحل 9 (12) الأعراف 43 (13) الزمر 57 (14) النحل 121 (15) الزمر 18 (16) آل عمران 8 (17) الانعام 84 (18) الانعام 88 (19) مریم 58 (20) الأعراف 155 (21) القصص 56 (22) الشورى 52 (23) العنکبوت 69 (24) الأعراف 178 (25) الاسراء 97 (26) الکهف 17 (27) الزمر 37 (28) التغابن 11 (29) الانعام 77 (30) البقرة 26 (31) البقرة 142 (32) البقرة 258 (33) البقرة 264 (34) البقرة 272 (35) آل عمران 86 (36) المائدة 16 (37) المائدة 51 (38) المائدة 67 (39) المائدة 108 (40) الانعام 88 (41) الانعام 144 (42) التوبة 19 (43) التوبة 24 (44) التوبة 37 (45) التوبة 80 (46) التوبة 109 (47) یونس 25 (48) یوسف 52 (49) الرعد 27 (50) ابراهیم 4 (51) النحل 37 (52) النحل 93 (53) النحل 107 (54) الحج 16 (55) النور 35 (56) النور 46 (57) القصص 50 (58) القصص 56 (59) فاطر 8 (60) الزمر 3 (61) الزمر 23 (62) غافر 28 (63) الشورى 13 (64) الأحقاف 10 (65) الصف 5 (66) الصف 7 (67) الجمعة 5 (68) المنافقون 6 (69) المدثر 31 (70) الفتح 2 (71) الکهف 24 (72) الانعام 126 (73) النساء 137 (74) النساء 168 (75) النحل 104 (76) الحج 54 (77) الانعام 35 (78) السجدة 13.و هذه الآیات تدل على ان الهدایة من اللّه تعالى الا ان هناک آیات أخر تدل على ان لاختیار العبد مدخلا فی هدایته کقوله تعالى فی سورة الکهف. الآیة 29 فَمَنْ شاءَ فَلْیُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْیَکْفُرْ و فی سورة الروم. الآیة 44 مَنْ کَفَرَ فَعَلَیْهِ کُفْرُهُ وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ یَمْهَدُونَ. فکون الهدایة من اللّه تعالى بمعنى أن اللّه تعالى قد اعطى عبده قوة الإدراک، و جعله محفوفا و محاطا بآیات الهدایة و براهین المعرفة، و منع عنه تسویلات شیاطین الانس و الجن، کل ذلک مع انه تعالى خلى بین العبد و بین إرادته حیث لم یرد خلافه و الا کان العبد ساقطا فی حضیض الکفر و العصیان، فهو تعالى شأنه أحق بحسنات العبد من نفسه. و أما ضلالة العبد فهی ناشئة من سوء اختیاره و الا فمع تواتر تسویلات إبلیس و غیره فهو غیر مسلوب الاختیار و قد أعطاه اللّه تعالى قدرة الایمان و الکفر و قوة المعرفة و التمییز، و جعل آیات الهدایة و براهین التوحید بمعرض نظره و مرئى بصره، فلیس ضلال العبد من ناحیة اللّه و ان کان له تعالى قوة قاهرة على عباده لَوْ یَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِیعاً و قهر علیهم بالهدایة طوعا أو کرها، الا انه تعالى حیث سهل على عبده طریق الهدایة و أعطاه أسبابها و جعله مختارا فی الاهتداء و عدمه کان للّه المنة علیه و ان اختار الضلال و ترک الاهتداء، مثله ان من اعطى فقیرا درهما لیشتری به الخبز فاشترى به سما فأکله و قتل به لم یکن لمعطى الدرهم لوم فی ذلک بل له المنة على الفقیر حیث أعطاه الدرهم.النوع الثالث الآیات المتضمنة لاسناد ما هو بمعنى الإضلال الیه تعالى شأنه و هی نحو من تسع عشر آیة. (1) الحج 44 (2) الرعد 32 (3) الحج 48 (4) الأعراف 183 (5) القلم 45 (6) یونس 33 (7) النساء 155 (8) التوبة 93 (9) النحل 108 (10) محمد صلى اللّه علیه و اله 16 (11) الأعراف 100 (12) یونس 74 (13) الأعراف 101 (14) الروم 59 (15) غافر 35 (16) التوبة 87 (17) المنافقون 3 (18) البقرة 7 (19) الکهف 28 و قد مر المراد من هذه الآیات فی ذیل آیات النوع الاول.النوع الرابع ما توهم من الآیات دلالتها على اسناد فعل العبد الیه تعالى و هی آیتان (الاولى) قوله تعالى فی سورة الصافات. الآیة 96. أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَ اللَّهُ خَلَقَکُمْ وَ ما تَعْمَلُونَ. بناء على کون ما مصدریة، و تبطله قرینة سابقها و تدل على کونها موصولة فان ظاهر السیاق ان المراد من ما تعملون هو ما تنحتون یعنى الأصنام و الخشب (الثانیة) قوله تعالى فی سورة الأنفال. الآیة 17: وَ ما رَمَیْتَ إِذْ رَمَیْتَ وَ لکِنَّ اللَّهَ رَمى‏.و هذه ایضا لا تدل على مطلوبهم فإنها صریحة فی اسناد الرمی الى نفس العبد لقوله تعالى: إِذْ رَمَیْتَ، و ان کانت متضمنة لسلب الاستناد عنه ایضا بقوله تعالى: وَ ما رَمَیْتَ، فهی تدل على مذهب الأمر بین الأمرین دون مذهب الجبر.النوع الخامس ما دل على نفى القوة و القدرة عن غیر اللّه جلت عظمته کقوله تعالى شأنه فی سورة الکهف. الآیة 39: لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. و لا تنافى بین هذا المعنى و بین اختیار العبد و قدرته على فعله، فانه إذا لو حظ فی قبال القدرة الربوبیة یکون عاجزا محضا لا یملک لنفسه نفعا و لا ضرا، و إذا لو حظ فی طول قدرته تعالى و ان اللّه قد أعطاه القدرة و القوة و ان قدرته من آثار قدرته تعالى یرتفع التنافی بین ثبوت القدرة للعباد و مفاد قوله تعالى لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. و قد دل على ثبوت القدرة للعباد من کلامه تعالى آیات کقوله عز من قائل فی سورة الکهف. الآیة 29: فَمَنْ شاءَ فَلْیُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْیَکْفُرْ. و فی سورة الروم. الآیة 44: مَنْ کَفَرَ فَعَلَیْهِ کُفْرُهُ وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ یَمْهَدُونَ. و فی سورة النحل. الآیة 4: مَنْ شَکَرَ فَإِنَّما یَشْکُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَنْ کَفَرَ فَإِنَّ رَبِّی غَنِیٌّ کَرِیمٌ.النوع السادس ما دل على ان النفع و الضرر بید اللّه کقوله تعالى فی سورة الأعراف الآیة 188: قُلْ لا أَمْلِکُ لِنَفْسِی نَفْعاً وَ لا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ. و المراد منه بملاحظة نحو قوله تعالى فی سورة الکهف. الآیة 29: فَمَنْ شاءَ فَلْیُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْیَکْفُرْ. و فی سورة البقرة. الآیة 231: وَ مَنْ یَفْعَلْ ذلِکَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ. مع ملاحظة نحو قوله تعالى فی سورة الانعام. الآیة 112: لَوْ شاءَ رَبُّکَ ما فَعَلُوهُ و الآیة 137. وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ، ان العبد قد أعطاه اللّه قدرة الفعل یؤمن ان شاء و یکفر ان شاء الا ان اللّه تعالى لو أراد المنع عنه لم یقدر العبد على فعل ما أراده و ینسلب عنه القدرة، و سیجی‏ء ان هذا أحد وجوه الأمر بین الأمرین.و الآیات التی یستفاد منها اقداره تعالى للعبد و یمکن للمتوهم استشمام رائحة التفویض منها مجتمعة فی سبعة انواع.النوع الاول ما تضمنت اسناد الإساءة و الإحسان الى نفس العبد کقوله تعالى فی سورة الاسراء. الآیة 15. و فی سورة یونس. الآیة 108. و فی سورة الزمر. الآیة 41: فَمَنِ اهْتَدى‏ فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَإِنَّما یَضِلُّ عَلَیْها. و قوله تعالى فی سورة سباء.الآیة 50: قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى‏ نَفْسِی. و الآیات على هذا النمط کثیرة جدا.النوع الثانی الآیات المشتملة على تنزیه الساحة الربوبیة عن الظلم کقوله تعالى (1) فی سورة النساء الآیة 40: إِنَّ اللَّهَ لا یَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ. و هی أربعون آیة (2) هود 101 (3) النحل 118 (4) الزخرف 76 (5) آل عمران 117‏ (6) النحل 33 (7) البقرة 279 (8) یونس 44 (9) الکهف 49 (10) التوبة 70 (11) العنکبوت 40 (12) الروم 9 (13) آل عمران 117 (14) الأنبیاء 47 (15) یس 54 (16) النساء 77 (17) الأنفال 60 (18) البقرة 281 (19) آل عمران 25 (20) آل عمران 161 (21) النساء 49 (22) النساء 124 (23) الانعام 160 (24) یونس 47 (25) یونس 54 (26) النحل 111 (27) الاسراء 71 (28) مریم 60 (29) المؤمنون 62 (30) الزمر 69 (31) الجاثیة 22 (32) الأحقاف 19 (33) غافر 17 (34) آل عمران 108 (35) غافر 31 (36) آل عمران 182 (37) الأنفال 51 (38) الحج 10 (39) فصلت 46 (40) ق 29.النوع الثالث الآیات الدالة على ان اللّه تعالى یختبر عباده فی أفعالهم هل یختارون الایمان و الطاعة أو الکفر و المعصیة کقوله تعالى (1) فی سورة الملک الآیة 2: خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَیاةَ لِیَبْلُوَکُمْ أَیُّکُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا، و هی نحو من سبع و ستین آیة (2) الأنفال 17 (3) آل عمران 186 (4) النمل 40 (5) المائدة 94 (6) النحل 92 (7) هود 7 (8) الانعام 165 (9) المائدة 48 (10) محمد صلى اللّه علیه و اله 4 (11) الکهف 7 (12) البقرة 155 (13) الأنبیاء 35 (14) محمد صلى اللّه علیه و اله 31 (15) القلم 17 (16) الأعراف 168 (17) آل عمران 166 (18) آل عمران 142 (19) آل عمران 140 (20) سبأ 21 (21) البقرة 143 (22) الفجر 15 (23) البقرة 124 (24) الحجرات 3 (25) المائدة 94 (26) آل عمران 167 (27) آل عمران 154 (28) آل عمران 152 (29) الأحزاب 11 (30) البقرة 49 (31) الأعراف 7 (32) ابراهیم 16 (33) الصافات 106 (34) الدخان 33 (35) البقرة 249 (36) المؤمنون 30 (37) الانعام 53 (38) طه 58 (39) العنکبوت 3 (40) ص 34 (41) الدخان 17 (42) طه 40 (43) ص 24 (44) الحدید 14 (45) طه 131 (46) الجن 17 (47) طه 90 (48) النمل 47 (49) النحل 110 (50) التوبة 126 (51) العنکبوت 2 (52) البقرة 102 (53) الأنفال 28 (54) یونس 58 (55) الاسراء 60 (56) الأنبیاء 35 (57) الأنبیاء 111 (58) الحج 53 (59) الفرقان 20 (60) الصافات 63 (61) الزمر 49 (62) القمر 27 (63) الممتحنة 5 (64) التغابن 15 (65) المدثر 31 (66) الأعراف 155 (67) الفجر 16.النوع الرابع الآیات المتضمنة لترجى الایمان و الهدایة و الحذر و التضرع و التقوى و أمثالها من العباد، الظاهر بعد سلخه عن معنى الجهل و التردید فی أن اللّه تعالى یحب تلک الأمور من عباده کقوله تعالى فی سورة الانعام. الآیة 154: لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ یُؤْمِنُونَ. و فی سورة السجدة: لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِیرٍ مِنْ قَبْلِکَ لَعَلَّهُمْ یَهْتَدُونَ و فی سورة التوبة. الآیة 126: وَ لِیُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَیْهِمْ لَعَلَّهُمْ یَحْذَرُونَ.و فی سورة الانعام. الآیة 42: فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ یَتَضَرَّعُونَ.و فی سورة البقرة. الآیة 187: کَذلِکَ یُبَیِّنُ اللَّهُ آیاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ یَتَّقُونَ. و هذه الآیات بجمیعها سبع و تسعون آیة.النوع الخامس: الآیات الدالة على ان الثواب و العقاب جزاء ما کسبه العبد و هی کثیرة جدا کقوله تعالى فی سورة البقرة. الآیة 281 و سورة آل عمران. الآیة 161:ثُمَّ تُوَفَّى کُلُّ نَفْسٍ ما کَسَبَتْ وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ. و فی سورة الجاثیة. الآیة 22:وَ لِتُجْزى‏ کُلُّ نَفْسٍ بِما کَسَبَتْ وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ. و فی سورة المدثر. الآیة 38: کُلُّ نَفْسٍ بِما کَسَبَتْ رَهِینَةٌ. و فی سورة النساء. الآیة 111: وَ مَنْ یَکْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما یَکْسِبُهُ عَلى‏ نَفْسِهِ. و فی سورة الکهف. الآیة 106: ذلِکَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما کَفَرُوا وَ اتَّخَذُوا آیاتِی وَ رُسُلِی هُزُواً. و فی سورة التحریم. الآیة 9: للذین کفروا عذاب جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِیرُ.و فی سورة آل عمران. الآیة 198: لکِنِ الَّذِینَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ. و فی سورة البینة. الآیة 8: جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ. و هذه الآیات کثیرة جدا حازت الکثرة بین آیات الکریم.النوع السادس آیات المذمة و التوبیخ للکفار و الفساق، فانه لا یصح إلا مع کونهم مختارین فی أفعالهم کقوله تعالى فی سورة البقرة. الآیة 28: کَیْفَ تَکْفُرُونَ بِاللَّهِ وَ کُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْیاکُمْ. و فی سورة آل عمران. الآیة 101: کَیْفَ تَکْفُرُونَ وَ أَنْتُمْ تُتْلى‏ عَلَیْکُمْ آیاتُ اللَّهِ وَ فِیکُمْ رَسُولُهُ. و فی سورة المزمل. الآیة 17: فَکَیْفَ تَتَّقُونَ إِنْ کَفَرْتُمْ یَوْماً یَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِیباً. و فی سورة آل عمران. الآیة 98: لِمَ تَکْفُرُونَ بِآیاتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ شَهِیدٌ عَلى‏ ما تَعْمَلُونَ. و فی سورة العنکبوت. الآیة 167: أَ فَبِالْباطِلِ یُؤْمِنُونَ وَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ یَکْفُرُونَ. و فی سورة المؤمنون. الآیة 105: أَ لَمْ تَکُنْ آیاتِی تُتْلى‏ عَلَیْکُمْ فَکُنْتُمْ بِها تُکَذِّبُونَ.النوع السابع الآیات المصرحة باستناد الکفر و الایمان و الطاعة و العصیان الى العباد کقوله تعالى فی سورة ابراهیم. الآیة 8: وَ قالَ مُوسى‏ إِنْ تَکْفُرُوا أَنْتُمْ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِیٌّ حَمِیدٌ. و فی سورة آل عمران. الآیة 19: وَ مَنْ یَکْفُرْ بِآیاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِیعُ الْحِسابِ. و فی سورة ص. الآیة 28: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِینَ آمَنُوا کَالْمُفْسِدِینَ.و فی سورة النور. الآیة 52: وَ مَنْ یُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ یَخْشَ اللَّهَ وَ یَتَّقْهِ فَأُولئِکَ هُمُ الْفائِزُونَ.و فی سورة المائدة. الآیة 78: ذلِکَ بِما عَصَوْا وَ کانُوا یَعْتَدُونَ. و قد نقلنا هذه الآیات لبیان المثال، و الا فالآیات التی تدل على استناد الأفعال الى العباد أکثر من ان تحصى، فلا تغفل.فی الأمر بین الأمرین اعلم ان المستفاد من مجموع الطائفتین المتقدمتین من الآیات الکریمة على تعدد أنواعهما، ان ما یصدر من العبد له جهتان فمن إحدى الجهتین یستند الى العبد لکونه صادرا عنه باختیاره و إرادته، و هو واضح بحسب الآیات المتقدمة، و القرآن مشحونة من اسناد الأفعال الى الناس. و من الجهة الأخرى له ارتباط بالساحة الربوبیة سبحانه و تعالى، و قد عرفت الآیات الکثیرة الدالة على نسبة الهدایة و الإضلال الیه تعالى. و أما کیفیة الارتباط فهی على ما یستفاد من الآیات على أحد من الوجوه الأربع:الاول ان وجود العبد و ما یصدر به عند الفعل من الجوارح و الجوانح من ناحیة الخلاق المتعال جلت عظمته، و قد أعطاه اللّه قدرة فعل الخیرات و الشرور لیوصل نفسه الى أعلى درجات العلیین التی لا یصل إلیها الا بالاختیار. فإذا صدر من العبد فعل فالعلة لتکون الفعل هو العبد و اللّه تعالى علة لتکون نفس العبد و لآلاته و قدرة اختیاره للفعل و الترک‏ فهو علة بعیدة لتکون الفعل.الثانی ان قدرة الباری جلت عظمته محیطة بافعال العباد، فان شاء منعهم عما یختارون من الأفعال و أوقعهم فی غیرها، قال اللّه تعالى: فَلَوْ شاءَ لَهَداکُمْ أَجْمَعِینَ، فهو جلت عظمته حیث خلق هذه النشأة لأجل الامتحان، فقال عز من قائل: خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَیاةَ لِیَبْلُوَکُمْ أَیُّکُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا، فلم یمنعهم عما یختارون من الکفر و الایمان و جعلها فی حبالة مشیتهم فقال تعالى فی سورة الکهف الآیة 29: فَمَنْ شاءَ فَلْیُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْیَکْفُرْ. ملخص هذا الوجه ارتباط أفعال العباد الیه تعالى من حیث عدم المانع و عدم معارضتهم بنقیض ما یریدون الثالث ان الشهوات النفسانیة و مشتهیاتها من الأمور أعنى غرائز الشهوة و متعلقاتها فی الخارج التی توقع العبد فی الضلالة و الزلل عن طریق الهدى کلها من قبل اللّه تعالى و قد أعطاه القدرة فی إیجاد أى عمل یریده من الحسنات أو السیئات لأجل الفتنة و الامتحان لیبلوه فی هذه النشأة. فحیث ان تلک الغرائز التی مثلها مثل بعض أجزاء العلة لاتمامها من ناحیته تعالى صدق بنحو من الصدق ان الإضلال من اللّه تعالى، و ان کان وقوع العبد فی الضلالة باختیاره و إرادته و یشهد لصدق الإضلال مع عدم إرادة وقوع الغیر فی الضلالة قوله تعالى حکایة عن ابراهیم فی سورة ابراهیم. الآیة 36: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ کَثِیراً مِنَ عبادک، مع ان وقوعهم فی الضلال کان بارادة أنفسهم لا محالة و الا فالاصنام لیست الا خشبا مسندة فاقدة للإدراک لا یمکن وقوع العباد فی الضلال بارادة الأصنام. و محصل هذا الوجه کون شرائط فعل العبد التی هی جزء من العلة التامة من ناحیة اللّه تعالى.الرابع تصرفه تعالى فی قلوب العباد و تزیینه لهم سوء عملهم عقوبة لما صدر عنهم من الکفر و الفسوق کما بینه تعالى بقوله (1) فی سورة یونس. الآیة 12: زُیِّنَ لِلْمُسْرِفِینَ ما کانُوا یَعْمَلُونَ (2) و فی سورة التوبة. الآیة 37: فَیُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُیِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ (3) و فی سورة غافر. الآیة 37: أَ فَمَنْ زُیِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ یُضِلُّ مَنْ یَشاءُ.و تزیینه حسن عملهم لما صدر عنهم من الطاعة و الایمان کما (4) فی قوله تعالى سورة الحجرات.الآیة 7 وَ لکِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَیْکُمُ الْإِیمانَ وَ زَیَّنَهُ فِی قُلُوبِکُمْ. و یدل على هذا المعنى عدة من الآیات (5) الانعام 138 (6) الانعام 108 (7) النمل 4 (8) البقرة 212 (9) آل عمران 14 (10) الانعام 122 (11) الرعد 33 (12) فاطر 8 (13) محمد 14 (14) الفتح 12.

12) روى فی الکافی بسنده عن محمد بن یحیى عمن حدثه عن أبى عبد اللّه قال لا جبر و لا تفویض بل أمر بین الأمرین، قال: قلت: و ما أمر بین أمرین؟ قال مثل ذلک رجل رأیته على معصیته، فنهیته فلم ینته، فترکته، ففعل تلک المعصیة، فلیس حیث لم یقبل منک فترکته کنت أنت الذی أمرته بالمعصیة.و روى فیه بسنده عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: قلت أجبر اللّه العباد على المعاصی؟قال: لا، قلت: ففوض إلیهم الأمر؟ قال: لا، قال: قلت: فما ذا؟ قال: لطف من ربک بین ذلک.و روى فیه بسنده عن أبى جعفر و أبى عبد اللّه علیهما السلام قالا: ان اللّه ارحم بخلقه من ان یجبر خلقه على الذنوب ثم یعذبهم علیها، و اللّه أعز من ان یرید أمرا فلا یکون قال: فسئلا علیهما السلام: هل بین الجبر و القدر منزلة ثالثة؟ قالا: نعم أوسع مما بین السماء و الأرض.و روى فیه بسنده عن بعض أصحابه عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: سئل عن الجبر و القدر فقال: لا جبر و لا قدر و لکن منزلة بینهما فیها الحق التی بینهما لا یعلمها الا العالم أو من علمها إیاه العالم.أقول و مرادهما علیهما السلام من القدر المقابل للجبر الذی حکم بکون المنزلة بینهما أوسع مما بین السماء و الأرض لیس القدر المصطلح الذی ذهب الیه الجبریة، بل القدر بمعنى القدرة اى قدرة العبد و کمال سلطته بحیث کانت ازمة الأمور طرا بیده، و هذا هو المعنى الذی یساوق التفویض، و لا تستبعدن أیها القاری الکریم حمل القدر على هذا المعنى فإنک إذا راجعت کتب اللغة رأیت اطلاق القدر على القدرة شایعا.و یشهد لهذا المعنى مارواه هاهنا عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: سئل عن الجبر و القدر فقال:لا جبر و لا قدر و لکن منزلة بینهما فیها الحق التی بینهما لا یعلمها الا العالم أو من علمها إیاه العالم.و روى بسنده الى یونس عن عدة عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: قال له رجل: جعلت فداک أجبر اللّه العباد على المعاصی؟ قال: فقال: اللّه أعدل من أن یجبرهم على المعاصی ثم یعذبهم علیها فقال له: جعلت فداک ففوض اللّه الى العباد؟ قال: فقال: لو فوض إلیهم لم یحصرهم بالأمر و النهى، فقال له: جعلت فداک فبینهما منزلة؟ قال: فقال: نعم أوسع ما بین السماء و الأرض، و ما رواه بسنده عن احمد بن محمد بن أبى نصر قال: قلت لأبی الحسن الرضا علیه السّلام ان بعض أصحابنا یقول بالجبر، و بعضهم یقول بالاستطاعة قال: فقال لی:اکتب بسم اللّه الرحمن الرحیم، قال على بن الحسین: قال اللّه عز و جل: یا ابن آدم بمشیتی کنت أنت الذی تشاء و بقوتی أدیت الى فرائضی و بنعمتی قویت على معصیتی، جعلتک سمیعا بصیرا، ما أَصابَکَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَ ما أَصابَکَ مِنْ سَیِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِکَ، و ذلک انى اولى بحسناتک منک، و أنت اولى بسیئاتک منى، و ذلک أنى لا أسأل عما أفعل و هم یسألون، قد نظمت لک کل شی‏ء ترید.و روى فی امالى شیخنا حجة الإسلام الصدوق بسنده عن صباح بن عبد الحمید و غیر واحد قالوا: قال أبو عبد اللّه الصادق علیه السّلام انا لا نقول جبرا و لا تفویضا.و روى فیه بسنده عن سلیمان بن جعفر الجعفری عن ابى الحسن الرضا علیه السّلام قال، ذکر عنده الجبر و التفویض قال: الا أعطیکم فی هذا اصلا لا تختلفون فیه و لا یخاصمکم فیه احد الا کسرتموه قلت: ان رأیت ذلک فقال: ان اللّه عز و جل لم یطع بإکراه و لم‏ یعص بغلبة و لم یهمل العباد فی ملکه هو المالک لما ملکهم و القادر على ما أقدرهم علیه، فان اهتم العباد بطاعة لم یکن اللّه عنها صادا و لا مانعا، و ان ائتمروا بمعصیة فشاء ان یحول بینهم و بین ذلک فعل، و ان لم یحل و فعلوه فلیس هو الذی أدخلهم فیه.قال (ع): من یضبط حدود هذا الکلام فقد خصم من خالفه.و روى فی کتاب التوحید بسنده عن ابراهیم بن عمر الیمانی عن أبى عبد اللّه (ع) قال: ان اللّه عز و جل خلق الخلق فعلم ما هم صائرون الیه و أمرهم و نهاهم، فما أمرهم به من شی‏ء فقد جعل لهم السبیل الى الأخذ به و ما نهاهم عنه من شی‏ء فقد جعل لهم السبیل الى ترکه و لا یکونوا آخذین و لا تارکین الا بإذن اللّه.و روى فیه بسنده عن الحسین بن خالد عن أبى الحسن على بن موسى الرضا (ع) قال: قلت له: یا ابن رسول اللّه ان الناس ینسبون الى القول بالتشبیه و الجبر لما روى فی ذلک عن آبائک الأئمة، فقال: یا ابن الخالد أخبرنی ان الاخبار التی رویت عن آبائی الأئمة فی التشبیه أکثر ام الاخبار التی رویت عن النبی (ص). فقلت: بل ما روى عن النبی (ص) فی ذلک أکثر، قال: فلیقولوا ان رسول اللّه (ص) کان یقول بالتشبیه و الجبر، إذا فقلت له: انهم یقولون ان رسول اللّه لم یقل من ذلک شیئا و انما روى علیه، قال:فلیقولوا فی آبائی: انهم لم یقولوا من ذلک شیئا و انما روى علیهم. ثم قال (ع): من قال بالتشبیه فهو کافر مشرک و نحن منه برآء فی الدنیا و الآخرة یا بن خالد انما وضع للأخبار عنا فی التشبیه و الجبر الغلاة الذین صغروا عظمة اللّه، فمن أحبهم فقد أبغضنا و من ابغضهم فقد أحبنا، و من والاهم فقد عادانا، و من عاداهم فقد والانا، و من وصلهم فقد قطعنا، و من قطعهم فقد وصلنا، و من جفاهم فقد برنا، و من برهم فقد جفانا، و من أکرمهم فقد أهاننا، و من أهانهم فقد أکرمنا، و من قبلهم فقد ردنا، و من ردهم فقد قبلنا، و من أحسن إلیهم فقد أساء إلینا، و من أساء إلیهم فقد أحسن إلینا، و من صدقهم فقد کذبنا، و من کذبهم فقد صدقنا، و من أعطاهم فقد حرمنا، و من حرمهم فقد أعطانا.یا ابن خالد من کان شیعتنا فلا یتخذ منهم ولیا و لا نصیرا.و روى فی الکافی بسنده عن على بن الحکم و عبد اللّه بن یزید جمیعا عن رجل من أهل البصرة، قال: سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الاستطاعة، فقال: أبو عبد اللّه (ع) أ تستطیع ان تعمل ما لم یکون، قال: لا، قال: فتستطیع ان تنتهی عما قد کون، قال: لا، قال: فقال له أبو عبد اللّه (ع) فمتى أنت مستطیع، قال: لا أدرى، قال: فقال له أبو عبد اللّه (ع):ان اللّه خلق خلقا فجعل فیهم آلة الاستطاعة ثم لم یفوض إلیهم فهم مستطیعون للفعل مع الفعل إذا فعلوا ذلک الفعل و إذا لم یفعلوه لم یکونوا مستطیعین ان یفعلوا فعلا لم یفعلوه لان اللّه تعالى أعز من ان یضاده فی ملکه أحد، قال البصری: فالناس مجبورون؟قال: لو کانوا مجبورین لکانوا معذورین، قال: ففوض إلیهم؟ قال: لا، قال: فما هم قال: علم منهم فعلا فجعل فیهم آلة الفعل فإذا فعلوا کانوا مع الفعل مستطیعین قال البصری اشهد انه الحق و انکم أهل بیت النبوة و الرسالة.و روى بسنده عن صالح النیلی قال: سألت أبا عبد اللّه (ع) هل للعباد من الاستطاعة شی‏ء قال: فقال لی: إذا فعلوا الفعل کانوا مستطیعین بالاستطاعة التی جعلها اللّه فیهم قال:قلت: و ما هی؟ قال الآلة مثل الزنا إذا زنى کان مستطیعا للزنا حین زنى و لو أنه ترک الزنا و لم یزن کان مستطیعا لترکه إذا ترک قال: ثم قال: لیس له من الاستطاعة قبل الفعل قلیل و لا کثیر و لکن مع الفعل و الترک کان مستطیعا قلت: فعلى ما ذا یعذبه قال: بالحجة البالغة و الآلة التی رکبها فیهم، ان اللّه لم یجبر أحدا على معصیته و لا أراد إرادة حتم الکفر من أحد و لکن حین کفر کان فی إرادة اللّه ان یکفر، و هم فی إرادة اللّه و فی علمه ان لا یصیروا فی شی‏ء من الجبر قلت: أراد منهم ان یکفروا؟ قال: لیس هکذا أقول و لکنی أقول: علم انهم سیکفرون فأراد الکفر لعلمه فیهم و لیست إرادة حتم انما هی إرادة اختیار.و روى فیه بسنده عن یونس بن عبد الرحمن قال: قال أبو الحسن الرضا (ع) یا یونس لا تقل بقول القدریة فان القدریة لم یقولوا بقول أهل الجنة و لا بقول أهل النار و لا بقول إبلیس، فان أهل الجنة قالوا: الحمد للّه الذی هدانا لهذا و ما کنا لنهتدی لو لا ان هدانا اللّه. و قال أهل النار: ربنا غلبت علینا شقوتنا و کنا قوما ضالین. و قال إبلیس رب بما أغویتنی. فقلت: و اللّه ما أقول بقولهم و لکنی أقول: لا یکون الا بما شاء اللّه و أراد و قدر و قضى، یا یونس تعلم ما المشیة؟ قلت: لا، قال: هی الذکر الاول، فتعلم ما الإرادة؟ قلت: لا، قال: هی العزیمة على ما یشاء، فتعلم ما القدر؟ قلت: لا، ‏قال: هو الهندسة و وضع الحدود من البقاء و الفناء، قال: ثم قال: و القضاء هو الإبرام و إقامة العین. قال: فاستأذنته ان اقبل رأسه و قلت له: فتحت لی شیئا کنت عنه فی غفلة.و روى فی کتاب التوحید بسنده عن عبد الرحیم القصیر عن أبی عبد اللّه (ع) فیما کتب الیه مما اختلف فیه الناس و أجاب عنه فمنه، و سألت رحمک اللّه عن الاستطاعة للفعل فان اللّه عز و جل خلق العبد و جعل له الآلة و الصحة و هی القوة التی یکون العبد بها متحرکا مستطیعا للفعل و لا متحرک الا و هو یرید الفعل و هی صفة مضافة الى الشهوة التی خلق اللّه عز و جل مرکبة فی الإنسان فإذا تحرکت الشهوة فی الإنسان اشتهى الشی‏ء و اراده فمن ثم قیل للإنسان مرید، فإذا أراد الفعل و فعل کان مع الاستطاعة و الحرکة فمن ثم قیل للعبد مستطیع متحرک، فإذا کان الإنسان ساکنا غیر مرید للفعل و کان معه الآلة و هی القوة و الصحة اللتان بهما تکون حرکات الإنسان و فعله کان سکونه لعلة سکون الشهوة فقیل ساکن فوصف بالسکون فإذا اشتهى الإنسان و تحرکت شهوته التی رکبت فیه اشتهى الفعل و تحرک بالقوة المرکبة فیه و استعمل الآلة التی بها یفعل الفعل فیکون الفعل منه عند ما تحرک و اکتسبه فقیل فاعل و متحرک و مکتسب و مستطیع أو لا ترى؟ان جمیع ذلک فی صفات یوصف بها الإنسان.و روى فی الاحتجاج: و مما أجاب به أبو الحسن على بن محمد فی رسالته الى أهل الأهواز، حین سألوه عن الجبر و التفویض بعد کلام طویل ثم قال (ع): و مرادنا و قصدنا الکلام فی الجبر و التفویض و شرحهما و بیانهما، و انما قدمنا لیکون اتفاق الکتاب و الخبر دلیلا لما أردنا و قوة لما نحن مبینوه من ذلک إن شاء اللّه تعالى فقال: الجبر و التفویض بقول الصادق (ع) عندنا، سئل عن ذلک فقال: لا جبر و لا تفویض بل امر بین الأمرین، قیل فما ذا؟ یا ابن رسول اللّه، قال: صحة العمل و تخلیة السرب و المهلة فی الوقت و الزاد قبل الراحلة و السبب المهیج للفاعل على فعله، فهذه خمسة أشیاء، فإذا نقص للعبد منها خلة کان العمل عنه مطرحا، و انا اضرب لکل باب من هذه الأبواب الثلاث و هی الجبر و التفویض و الأمر بین الأمرین مثلا یقرب المعنى للطالب و یسهل له البحث من شرحه و یشهد به القرآن محکم آیاته و تحقق تصدیقه عند ذوى الألباب و اللّه العصمة و التوفیق. ثم قال (ع): فأما الجبر فهو قول من زعم‏ ان اللّه عز و جل جبر للعباد على المعاصی و عاقبهم علیها، و من قال بهذا القول فقد ظلم اللّه و کذبه و رد علیه قوله: و لا یظلم ربک أحدا، و قوله جل ذکره: بما قدمت یداک و ان اللّه لیس بظلام للعبید مع آی کثیرة فی مثل هذا. فمن زعم انه یجبر على المعاصی فقد أحال بذنبه على اللّه عز و جل و ظلمه فی عقوبته له، و من ظلم اللّه فقد کذب کتابه، و من کذب کتابه لزمه الکفر بإجماع الامة، المثل المضروب فی ذلک مثل رجل ملک عبدا مملوکا لا یملک نفسه و لا یملک عرضا من عروض الدنیا و یعلم مولاه ذلک منه، فأمره على علم منه بالمصیر الى السوق لحاجة یأتیه بها و لم یملکه ثمن ما یأتیه به و علم المالک على الحاجة رقیبا لا یطمع أحد فی أخذها منه الا بما یرضى به من الثمن، و قد وصف مالک هذا العبد نفسه بالعدل و النصفة و اظهار الحکمة و نفى الجور، فأوعد عبده ان لم یأته بالحاجة ان یعاقبه فلما صار العبد الى السوق و حاول أخذ حاجته التی بعثه المولى للإتیان بها وجد علیها مانعا یمنعه فیها الا بالثمن و لا یملک العبد ثمنها، فانصرف الى مولاه خائبا بغیر قضاء حاجة، فاغتاظ مولاه لذلک و عاقبه على ذلک فانه کان ظالما متعدیا مبطلا لما وصف من عدله و حکمته و نصفته، و ان لم یعاقبه کذب نفسه، أ لیس یجب ان لا یعاقبه، و الکذب و الظلم ینفیان العدل و الحکمة تعالى اللّه عما یقول المجبرة علوا کبیرا. ثم قال بعد کلام طویل: فأما التفویض الذی أبطله الصادق و خطأ من دان به فهو قول القائل: ان اللّه عز و جل فوض العباد اختیار أمره و نهیه و اهملهم و فی هذا کلام دقیق لم یذهب الى غمره و دقته الا الأئمة المهدیون (ع) من عترة آل الرسول (ص) فإنهم لو فوض اللّه إلیهم على جهة الإهمال لکان لازما له رضا ما اختاروه و استوجبوا به الثواب و لم یکن لهم فیما اجترموا العقاب إذا کان الإهمال واقعا، و نتصرف هذه المقالة على المعنیین اما ان یکون العباد تظاهروا علیه فالزموه قبول اختیارهم بارائهم ضرورة، کره ذلک ام أحب، فقد لزمه الوهن، أو یکون جل و تقدس من عجز عن تعبدهم بالأمر و النهى عن إرادته ففوض أمره و نهیه إلیهم و اجراهما على محبتهم أو عجز عن تعبدهم بالأمر و النهى على إرادته، فجعل الاختیار إلیهم فی الکفر و الایمان، و مثل ذلک مثل رجل ملک عبدا ابتاعه لیخدمه و یعرف له فضل ولایته و یقف عند أمره و نهیه و ادعى مالک العبد انه قاهر قادر عزیز حکیم فأمر عبده و نهاه و وعده على اتباع أمره‏ عظیم الثواب و أو عده على معصیته العقاب فخالف العبد إرادة مالکه و لم یقف أمره و نهیه، فأی امر أمره به أو نهى نهاه عنه لم یأته على إرادة المولى بل کان العبد یتبع إرادة نفسه و بعثه فی بعض حوائجه، و فیما الحاجة له فصدر العبد بغیر تلک الحاجة خلافا على مولاه و قصد إرادة نفسه و اتبع هواه فلما رجع الى مولاه نظر الى ما أتاه فإذا هو خلاف ما أمره، فقال العبد اتکلت على تفویضک الأمر الى فاتبعت هواى و إرادتی لان المفوض الیه غیر محظور علیه لاستحالة اجتماع التفویض و التحظیر، ثم قال (ع) فمن زعم ان اللّه تعالى فوض قبول أمره و نهیه الى عباده فقد اثبت علیه العجز و أوجب علیه قبول کل ما عملوا من خیر أو شر و أبطل أمر اللّه و نهیه. ثم قال (ع): ان اللّه خلق الخلق بقدرته و ملکهم استطاعة ما تعبدهم من الأمر و النهى، و قبل منهم اتباع أمره و رضى بذلک منهم و نهاهم عن معصیة و ذم من عصاه و عاقبه علیها، و للّه الخیرة فی الأمر و النهى یختار ما یرید و یأمر به و ینهى عما یکره و یثیب و یعاقب بالاستطاعة التی ملکها عباده لاتباع أمره و اجتناب معاصیه، لأنه العدل و منه النصفة و الحکمة بالغ الحجة بالاعذار و الإنذار، و الیه الصفوة یصطفى من یشاء من عباده اصطفى محمدا (ص) و بعثه بالرسالة الى خلقه. و لو فوض اختیار أمره الى عباده لأجاز لقریش اختیار أمیة ابن أبى الصلت و أبى مسعود الثقفی إذ کانا عندهم افضل من محمد (ص)، لما قالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القریتین عظیم یعنونهما بذلک فهذا هو القول بین القولین لیس بجبر و لا تفویض. بذلک أخبر أمیر المؤمنین (ع) حین سأله عتابة بن ربعی عن الاستطاعة، فقال أمیر المؤمنین (ع): تملکها من دون اللّه او مع اللّه؟ فسکت عتابة ابن ربعی، فقال له: قل یا عتابة، قال: و ما أقول؟ یا أمیر المؤمنین، قال: تقول تملکها باللّه الذی یملکها من دونک، فان یملکها کان ذلک من عطائه و ان سلبکها کان ذلک من بلائه هو المالک لما ملک و المالک لما علیه أقدرک، اما سمعت الناس یسألون الحول و القوة حیث یقولون: لا حول و لا قوة الا باللّه، فقال الرجل و ما تأویلها یا أمیر المؤمنین قال لا حول منا عن معاصى اللّه الا بعصمة اللّه و لا قوة لنا عن طاعة اللّه الا بعون اللّه قال: فوثب الرجل فقبل یده و رجلیه. و الحدیث طویل أخذنا منه موضع الحاجة.