قال المصنّف رفع اللّه درجته
الثالث لو کان الحسن و القبح شرعیین لما حکم بهما من ینکر الشّرع، و التالی باطل، فإنّ البراهمة (1) بأسرهم ینکرون الشّرائع و الأدیان کلّها، و یحکمون بالحسن و القبح مستندین إلى ضرورة العقل فی ذلک.
قال النّاصب خفضه اللّه
أقول: جوابه أنّ البراهمة المنکرین للشرائع یحکمون بالحسن و القبح للأشیاء
لصفة الکمال و النقص، و المصلحة و المفسدة، لا لتعلّق الثّواب و العقاب کما مرّ و کیف یحکمون بالثّواب و العقاب و هم لا یعرفونهما؟ «انتهى».
أقول [القاضى نور اللّه]
جواب هذا أیضا مثل ما مرّ فی الفصلین السّابقین، و الحاصل أنّ حکم البراهمة بمجرد حسن الأشیاء و قبحها عقلا یثبت أحد جزئى المدّعى، و هو أنّ فی الفعل قبل ورود الأمر و النّهى جهة محسنّة و صفة موجبة للحسن أو جهة مقبّحة، و أما الجزء الآخر و هو ترتب الثّواب و العقاب، فهم یعرفونه کما یعرفه أرباب الشّرائع، لأنّ البراهمة و إن أنکروا النّبوات و الشّرائع، فلم ینکروا الإلهیات حتىّ یلزم أن لا یعرفوا الثّواب و العقاب على الأعمال، غایة الأمر أنّهم قالوا: إنّ معرفة ذلک لا تتوقف على تعلیم الأنبیاء علیهم السّلام، بل العقل مستقلّ به کما نقله عنهم الشّهرستانی فی کتاب الملل و النّحل عند نقل شبههم على نفى النّبوات، حیث قال: إنّهم قالوا: قد دل العقل بأنّ اللّه تعالى حکیم، و الحکیم لا یتعبّد الخلق إلّا بما تدلّ علیه عقولهم، و قد دلت الدلائل العقلیّة أنّ للعالم صانعا عالما قادرا حکیما، و أنّ له على عباده نعما توجب الشّکر، فننظر فی آیات خلقه بعقولنا، و نشکر بآلائه علینا، و إذ عرفناه و شکرنا له استوجبنا ثوابه، و إذا أنکرناه و کفرنا به استوجبنا عقابه، فما بالنا نتّبع بشرا مثلنا، (2) فانّه إن کان یأمرنا بما ذکرناه من المعرفة و الشّکر فقد استغنینا عنه بعقولنا، و إن کان یأمرنا بما یخالف ذلک کان قوله دلیلا على کذبه «انتهى»، فظهر أنّ قول النّاصب: و هم لا یعرفونه إنّما نشأ من جهله و عدم معرفته بما ینبغی معرفته لمدّعی الفضل و العرفان و اللّه المستعان.
1) البراهمة و البرهمانیة نسبة الى برهمان أو برهام اسم رجل مؤسس لهذه الطریقة کما فی الملل للشهرستانى أو بمعنى الکینونة کما فی کتاب الفیدا، و بالجملة من اصول هذه الطائفة نفى النبوات و استحالتها فی العقول و الامتناع من أکل اللحوم طیلة العمر أو مدة معینة حسب اختلاف فرقهم و یظهر من البیرونی و کتاب الفیدا أن البراهمة فی العصر الاول کانوا أربعة شعب (الاولى) البراهمان و هم الکهنة (الثانیة) کشاتریا و هم الجند، أو کشتر (الثالثة) الفیسیا و هم العمال و أصحاب المهن و کان یعبر عنهم «بیش» (الرابعة) السودرا و هم الرقیق و کان یعبر عنهم «شودر»، و بالجملة لهذه الطائفة مقالات سخفیة و ریاضات شاقة بدنیة و روحیة، و قال الشهرستانی: ان البراهمة تفرقوا أصنافا، فمنهم أصحاب البدده أو البده و منهم أصحاب الفکرة و منهم أصحاب التناسخ «انتهى»، أقول: و لعل مراده من البده البوذه و هو قدوة البوذیین و اسمه الأصلی «جوتاما» أو شاکیمن، و أکثر البوذیین فی الهند و بلاد برما و منهم بالصین و جزائر فیلیپین و بعض بلاد افریقیا «انتهى».
2) و حکاه اللّه تعالى عن المشرکین فی آیات عدیدة من القرآن کقوله تعالى: ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ یُرِیدُ أَنْ یَتَفَضَّلَ عَلَیْکُمْ، المؤمنون. الآیة 24.