جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

فی إثبات الحسن و القبح العقلّیین‏

زمان مطالعه: 25 دقیقه

قال المصنّف رفع اللّه درجته‏

المطلب الثانی فی إثبات الحسن (1) و القبح العقلّیین، ذهب (ذهبت‏

الإمامیة خ ل) الإمامیّة و من تابعهم من المعتزلة إلى أنّ من الأفعال ما هو معلوم‏

الحسن و القبح بضرورة العقل، کعلمنا بحسن الصّدق النّافع و قبح الکذب الضّارّ، فانّ کلّ عاقل لا یشکّ فی ذلک، و لیس جزمه بهذا الحکم بأدون من الجزم بافتقار الممکن إلى السّبب، و أنّ الأشیاء المساویة لشی‏ء واحد متساویة، و منها ما هو معلوم بالاکتساب أنّه حسن أو قبیح کحسن الصّدق الضّارّ و قبح الکذب النّافع، و منها ما یعجز العقل عن العقل بحسنه أو قبحه فیکشف الشّرع عنه کالعبادات (2) و قالت الأشاعرة: إنّ الحسن و القبح شرعیّان، و لا یقضی العقل بحسن شی‏ء و لا قبحه، بل القاضی بذلک هو الشّرع، فما حسّنه فهو حسن، و ما قبّحه فهو قبیح و هو باطل بوجوه «انتهى».

قال النّاصب خفضه اللّه‏

أقول: قد سبق أنّ الحسن و القبح یقال لمعان ثلاثة: الاول صفة الکمال و النّقص یقال: العلم حسن و الجهل قبیح، و لا نزاع فی أنّ هذا أمر ثابت للصّفات فی أنفسها، و أنّ مدرکه العقل و لا تعلّق له بالشّرع. الثانی ملائمة الغرض و منافرته و قد یعبّر عنهما بهذا المعنى بالمصلحة و المفسدة، و ذلک أیضا عقلیّ أی یدرکه العقل کالمعنى الأوّل. الثالث تعلّق المدح و الثّواب بالفعل عاجلا و آجلا، و الذّم و العقاب کذلک، فما تعلّق به المدح فی العاجل و الثّواب فی الآجل یسمّى حسنا، و ما تعلّق به الذّم فی العاجل و العقاب فی الآجل یسمّى قبیحا، و هذا المعنى الثّالث محلّ النزاع، فهو عند الأشاعرة شرعیّ، و ذلک لأنّ أفعال العباد کلّها لیس شی‏ء منها فی نفسه بحیث یقتضی مدح فاعله و ثوابه، و لا ذمّ فاعله و عقابه، و إنّما صارت کذلک بواسطة أمر الشّارع بها و نهیه عنها، و عند المعتزلة

و من تبعهم من الامامیة عقلیّ کما ذکر هذا الرّجل، هذا هو المذهب، و کثیرا ما یشتبه على النّاس أحد المعانی الثّلاثة بالآخر، و یحصل منه الغلط فتحفّظ علیه، و إنّما کرّرنا ذکر هذا المبحث و أعدنا فی هذا الموضع لیتحفّظ علیه «انتهى».

أقول: [القاضى نور اللّه‏]

استثناء بعض المعانی الثّلاثة عن محلّ النّزاع من تصرّفات متأخّرى الأشاعرة فرارا منهم عن صریح الإفحام، و قد أنطق اللّه تعالى النّاصب بذلک فیما سیجی‏ء من المطلب العاشر حیث قال: إنّ الأشاعرة لم یقولوا بالحسن العقلیّ أصلا، و ناهیک فی ذلک أنّ کلام ابن الحاجب فی مختصره خال عن ذلک، و إنّما ذکره العضد الإیجی فی شرحه له و فی کتاب المواقف (3)، و ناقض نفسه أیضا فیه کما سنبیّنه، و توضیح ذلک أنّ هاهنا أمرین بل أصلین، أحدهما هل الفعل نفسه مشتمل على صفة اقتضت حسنه أو قبحه بحیث ینشأ الحسن و القبح منه فیکون منشأ لهما أم لا؟ و الثانی أنّ الثّواب المترتب على حسن الفعل و العقاب المترتب على قبحه ثابت بل واقع بالعقل أم لا یقع إلّا بالشّرع؟

فذهب الامامیّة و سائر أهل العدل إلى إثبات الأمرین و تلازمهما، و الأشاعرة إلى نفیهما رأسا، و جعلوا الأفعال کلّها سواء فی نفس الأمر و أنّها غیر منقسمة فی ذواتها إلى حسن و قبیح، و لا یتمیّز القبیح بصفة اقتضت قبحه أن یکون (4)

هو هذا القبیح، و کذا الحسن فلیس الفعل عندهم منشأ حسن و لا قبح و لا مصلحة و لا مفسدة و لا نقص و لا کمال، و لا فرق بین السجود للشّیطان و السّجود للرّحمن فی نفس الأمر، و لا بین الصّدق و الکذب، و لا بین النّکاح و السّفاح، إلّا أنّ الشّارع أوجب هذا و حرّم هذا، فمعنى حسنه کونه مأمورا به من الشّارع، لا أنّه منشأ مصلحة، و معنى قبح کونه منهیّا عنه منه، لا أنّه منشأ مفسدة، و هذا المذهب بعد تصوّره و تصوّر لوازمه یجزم العقل ببطلانه، و قد دلّ القرآن على فساده فی غیر موضع، و تشهد به الفطرة السّلیمة و صریح العقل، فإنّ اللّه فطر عباده على استحسان الصّدق و العدل و العفّة و الإحسان و مقابلة النّعم بالشّکر، و فطرهم على استقباح أضدادها، و نسبة هذا إلى فطرتهم کنسبة الحلو و الحامض إلى أذواقهم، و کنسبة رائحة المسک و رائحة النّتن إلى مشامهم، و کنسبة الصّوت اللّذیذ و ضدّه إلى أسماعهم، و کذلک ما یدرکونه بسائر مشاعرهم الظاهرة و الباطنة، فیفرّقون بین طیّبه و خبیثه و نافعه و ضارّه. و قد أجاب بعض (5) المتأخّرین من نفاة التّحسین و التّقبیح: بأنّ هذا متّفق علیه، و هو راجع إلى النّقص و الکمال أو الملائمة و المنافرة بحسب اقتضاء الطباع و قبولها للشّی‏ء و انتفاعها به، و نفرتها من ضدّه، و إنّما النّزاع فی کون الفعل متعلّقا للمدح و الذّم عاجلا و الثّواب و العقاب آجلا، و هذا هو الذی نفیناه و قلنا: إنه لا یعلم إلّا بالشّرع. و قال خصومنا: إنّه معلوم بالعقل، و العقل مقتض له، و أنت خبیر بما قرّرته لک من کلامهم بأنّ هذا الجواب مع کونه فرارا واضحا لا ارتباط له بدفع الأصل الأوّل أصلا، لما مرّ من أنّ المتنازع فیه فی هذا الأصل، هو أنّ ما حسّنه الشارع و أمر به کان سابقا حسنا، ثمّ أمر به أم لا،

و نحن نقول: نعم و هم یقولون لا، بل لمّا أمر به الشّارع صار حسنا، و إثبات حسن الفعل و قبحه بمعنى النّقص و الکمال و موافقة الطبع و منافرته بل بأىّ معنى کان مناف لذلک کما لا یخفى. و قد اعترف بذلک صاحب المواقف فیما نقله عنه النّاصب سابقا فی مبحث صدق کلامه تعالى من قوله: و اعلم أنّه لم یظهر لی فرق بین النّقص فی الفعل و بین القبح العقلی فیه، فانّ النّقص فی الأفعال هو القبح العقلی بعینه فیها، و إنّما تختلف العبارة «انتهى». و قد أوضحناه هنالک و دفعنا ما أورده النّاصب علیه فتذکر.

و الحاصل أنّ الکمال و النقص یجریان فی الأفعال، و أنّ تسلیم الحسن و القبح بهذا المعنى فی الأفعال مستلزم للقول: بالحسن و القبح بالمعنى المتنازع فیه، کما أشار إلیه صاحب المواقف و غیره، لأنّ بدیهة العقل حاکمة بأنه لا یجوز من الحکیم الکامل النّهى عن الصّدق و جعله متعلّقا للعقاب، و الأمر بالکذب و جعله متعلّقا للثّواب، فإنکار هذا یکون مناقضا للاعتراف بذلک، و ینقدح منه بطلان ما قالوا:

من أنه أمر به فصار حسنا أو نهى عنه فصار قبیحا، و یمکن أن ینبّه على ذلک بأنّ من رأى من أحد بعض الأفعال الحسنة عند العقل وجد من نفسه إقداما بالإحسان إلى فاعله إمّا بالمدح و إمّا بغیره، بل یجعل الإحسان إلیه حقّا ثابتا فی ذمّته، و إذا وجد ذلک من نفسه حکم یقینا بأنّ الجواد المطلق أحقّ بأن یجعل الإحسان إلیه، و لا سیّما بعد أمره بالأفعال المذکورة حقا ثابتا فی ذمّته، فیحسن إلیه فی الآجل إمّا باللّذات العقلیّة و البدنیّة معا، و إما باللّذات العقلیة البحتة (6) و إما باللّذات البدنیة الصّرفة، و إمّا باعادته إلى شکل أفضل من الأوّل. و ینقدح من ذلک أنّ الشّرع الصّریح و العقل الصّحیح فی إدراک ما یستقلّ العقل بادراکه متوافقان متطابقان، فانّ العقل الصّحیح الخالی عن شوائب الوهم حجّة من حجج‏

اللّه (7)، و سراج منیر إلهی، و الحجّة الإلهیّة غیر داحضة (8)، و السّراج الالهی لا یصیر موجبا للضّلالة التی هی ظلمة. و ما اشتهر من المخالفات بین قواعد الشرع و مقاصد العقل فیما بین النّاس، فإما لأنّ الوهم تصرّف فی قواعد العقل و أسقطه عن درجة الفطرة الالهیّة التی فطر النّاس علیها (9)، و إمّا بواسطة أنّ حکم الشرع لیس معلوما و منقّحا عند من ظنّ المخالفة، و یحسب أنّ العقل مخالف لما ورد به الشّرع، و الحال أنّه لیس بعارف بحکم الشّرع و العقل فیما یظنّ المخالفة فیه. و قد مثّل الغزالی (10) هذا: بأنّ بیتا تکون فیه الأمتعة و الأثاث موضوعا کلّ واحد فی مکانه کالسّراج و الثیاب و الکوز و ما یکون فی البیت، فیدخل رجل أعمى فی ذلک البیت و لا یرى مکان کلّ شی‏ء من الأثاث فیتعثّر به و یسقط على وجهه، و یقول: لأیّ شی‏ء وضع هذا فی غیر مکانه؟ و الحال أنّ کلّ شی‏ء موضوع فی مکانها، و لکن هو أعمى و لا یرى الأمکنة فیحسب أنّ الأمتعة غیر موضوعة فی مکانها حتّى تعثّر بها، و یقرب منه ما قال الشاعر نظم:

عاشق از بیطاقتى هر دم بجائى سر نهد

عشق خوابش برده پندارد که بالینش بد است‏

و هکذا الذی یحسب أنّ الشّرع غیر موافق للعقل، لأنه لا یعلم ما علیه الشرع استقرّ، و ما عند أرباب العقل تقرّر، فحسب التناقض و التّنازع، و أمّا بواسطة التّعصّب و مجادلة أرباب العقل مع أصحاب النّقل، فانّ بهذا یظهر الخلاف و یحصل التّنافی المانع عن الائتلاف، و بعد طول التأمّل و الإنصاف یظهر حقیقة الموافقة و یرتفع الإختلاف هذا. و إلى ما قرّرناه من تحقّق اللّزوم بین المعنیین قد أشار صاحب التوضیح من الماتریدیة (11) فی مقام المنع حیث قال: إنّ الأشعری یسلّم الحسن و القبح عقلا بمعنى الکمال و النّقصان، و لا شکّ أن کلّ کمال محمود و کلّ نقصان مذموم، و أنّ أصحاب الکمالات محمودون بکمالهم، و أصحاب النّقائص مذمومون بنقائصهم، فإنکار الحسن و القبح بمعنى أنهما صفتان لأجلهما یحمدا و یذّم الموصوف بهما فی غایة التّناقض «انتهى کلامه».

و إذا جعل إشارة إلى ما قرّرناه یندفع عنه ما أورده علیه الفاضل التفتازانی (10) فی التّلویح، حیث قال بعد ذکر بعض المناقشات على صاحب التّوضیح: و أعجب من ذلک توضیحه سند المنع بصفات اللّه تعالى، و أنه یحمد علیها، و بکمالات الإنسان‏

و نقائصه حیث یحمد علیها و یذمّ، و ادّعاؤه التّناقص فی کلام الأشعری حیث جعل کلّ کمال حسنا و کلّ نقصان قبیحا مع أنه قرّر فی أوّل الفصل: أنّ النّزاع فی الحسن و القبح بمعنى استحقاق المدح و الذّم فی الدّنیا و الثّواب و العقاب فی الآخرة «انتهى کلامه». و وجه الدّفع أنّ التّناقض لازم من کلام الأشعری کما قرّرناه، و لم یدّع صاحب التوضیح أنّ ذلک مستفاد من صریح کلام الأشعری أو ظاهره، و ذلک ظاهر جدّا. و أما المعنى الآخر الذی استثنوه أیضا عن محلّ النّزاع و هو ملائمة الغرض و منافرته اللّتان قد یعبّر عنهما بالمصلحة و المفسدة کما فی المواقف فهو من باب تحسین الطبع و تقبیحه دون العقل، کما أشار إلیه المصنّف قدّس سرّه فی النّهایة حیث قال: و اعلم أنّ الأشاعرة یلزمهم نفى القبح بالکلیة، لأنّ الواقع (12) مستند إلى قدرته تعالى، و کلّ ما یفعله اللّه تعالى عندهم فهو حسن، فتکون أنواع الکفر و الظلم و جمیع القبائح الصّادرة عن البشر غیر قبیحة، و اعتذارهم بأنّ القبح المعلوم بالضرورة إنّما هو القبح بمعنى ملائمة الطبع و منافرته ضعیف، فانّ الظالم العاقل یمیل طبعه إلى الظلم، و مع ذلک فانّه یجد صریح عقله حاکما بقبحه (13)، و أیضا من خاطب الجماد فأمره و نهاه لا ینفر طبعه عنه و هو قبیح قطعا، و من أنشأ قصیدة حسنة فی شتم الأنبیاء و الملائکة علیهم السلام و قرأها بصوت طیّب حسن، فانّه یمیل الطبع إلیه و ینفر العقل منه، فعلمنا المغایرة بین نفرتى العقل و الطبع «انتهى». و أیضا لو کان الحسن و القبح عین النّفرة و المیل الطبیعیّین لوجب اختلاف العقلاء فی ذلک، لأنّا نجدهم یختلفون فیما تمیل إلیه طباعهم و تنفر عنه، و لم نجدهم یختلفون فی حسن الصّدق و أمثاله‏

و قبح الکذب و نظائره، و أیضا لو کان ذلک کذلک لسقط ذمّ العقلاء عمّن فعل قبیحا إذا اعتذر بموافقته لغرضه. و بالجملة ما اشتهر من تفصیل معنى الحسن و القبح على الوجوه الثّلاثة و استثناء بعضها عن محلّ النزاع مما استحدثه متأخّر و الأشاعرة و جعلوه مهربا یلجئون إلیه حین یضطرّهم حجّة أهل الحقّ إلیه، فیقولون: إنّ مثل حسن الإحسان و قبح الظلم متحقّق بأحد المعانی المذکورة، لا بالمعنى المتنازع فیه، و لم یتفطنوا بما ذکرناه من الاستلزام، أو أغمضوا عنه ترویجا للمرام على القاصرین من الأنام هذا. و یدلّ على هذا الأصل من الأدلة التی لم یتعرّض لها المصنّف فی هذا المقام، قوله تعالى:

وَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَیْها آباءَنا وَ اللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ: إِنَّ اللَّهَ لا یَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ قُلْ أَمَرَ رَبِّی بِالْقِسْطِ؛ الى قوله: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّیَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ الْإِثْمَ وَ الْبَغْیَ بِغَیْرِ الْحَقِّ وَ أَنْ تُشْرِکُوا بِاللَّهِ ما لَمْ یُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (14)، فأخبر سبحانه أنّ فعلهم فاحشة قبل نهیه عنه و أمره باجتنابه، و الفاحشة هاهنا طوافهم بالبیت عراة الرّجال و النّساء إلّا بعض قریش (15)، ثمّ قال اللّه تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا یَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أى لا یأمر بما هو فاحشة فی العقل و الفطرة، و لو کان إنّما علم کونه فاحشة بالنّهى، و أنه لا معنى لکونه فاحشة إلّا تعلّق النّهى به، لصار معنى الکلام: إنّ اللّه لا یأمر بما ینهى عنه، و هذا ممّا یصان عن التکلم به آحاد العقلاء فضلا عن کلام العزیز الحکیم، و أىّ فائدة فی قوله: إنّ اللّه لا یأمر بما ینهى عنه، کما یقتضى تفسیره به عند الأشاعرة، فعلم‏

أنّ المراد أنه لا یأمر بما تستفحشه العقول کما یقتضیه رأى الامامیّة و من تابعهم، ثم قال تعالى: قُلْ أَمَرَ رَبِّی بِالْقِسْطِ، و القسط عند الأشاعرة یلزم أن یکون هو المأمور به لاما هو قسط فی نفسه، فحقیقة الکلام قل أمر ربی بما أمر به، ثمّ قال: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِینَةَ اللَّهِ الَّتِی أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّیِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ (16)، دلّ على أنّه طیّب قبل التّحریم، و أنّ وصف الطیّب فیه مانع من تحریمه، فتحریمه مناف للحکمة، ثمّ قال: إِنَّما حَرَّمَ رَبِّیَ الْفَواحِشَ (17) و لو کان کونها فواحش إنّما هو لتعلّق التّحریم بها، و لیست فواحش قبل ذلک، لکان حاصل الکلام قل: إنّما حرّم ربّی ما حرم، و کذلک تحریم البغی و الإثم، فکون ذلک فاحشة و إثما و بغیا بمنزلة کون الشّرک شرکا، فهو مشرک فی نفسه قبل النّهى و بعده فمن قال: إنّ الفاحشة و القبائح و الإثم إنّما صارت کذلک بعد النّهى، فهو بمنزلة قائل یقول: الشّرک إنّما صار شرکا بعد النّهى، و لیس شرکا قبل ذلک، و معلوم أنّ هذا مکابرة (18) صریحة للعقل و الفطرة، فالظلم ظلم فی نفسه قبل النّهى و بعده، و القبیح قبیح فی نفسه قبل النّهى و بعده، و کذلک الفاحشة و الشّرک، لا أنّ هذه الحقائق صارت بالشّرع کذلک، نعم الشّارع کساها بنهیه عنها قبحا إلى قبحها، فکان قبحها من ذاتها (19)، و ازدادت قبحا عند

العقل بنهی الرّب تعالى عنها و ذمّه لها و إخباره ببغضها و بغض فاعلها، کما أنّ العدل و الصّدق و التّوحید و مقابلة نعم المنعم بالثّناء و الشّکر حسن فی نفسه، و ازداد حسنا إلى حسنه بأمر الرّب به و ثنائه على فاعله و إخباره بارادة ذلک و محبة فاعله، بل من أعلام نبّوة محمّد صلى اللّه علیه و اله أنه یأمرهم بالمعروف و ینهاهم عن المنکر و یحلّ لهم الطیّبات و یحرّم علیهم الخبائث (20)، فلو کان کونه معروفا و منکرا و طیبا و خبیثا إنما هو لتعلّق الأمر و النّهى و الحلّ و التّحریم به، لکان بمنزلة أن یقال:

یأمرهم بما یأمرهم به و ینهاهم عمّا ینهاهم عنه، و یحلّ لهم ما یحلّه، و یحرّم علیهم ما یحرّمه، و أىّ فائدة فی هذا؟ و أىّ علم یبقى فیه لنبوّته؟ و کلام اللّه تعالى یصان عن ذلک و أن یظنّ به مثله، و إنّما المدح و الثناء و العلم الدالّ على نبوّته أنّ ما یأمر به تشهد العقول الصّحیحة بحسنه و کونه معروفا، و ما ینهى عنه تشهد بقبحه و کونه منکرا، و ما یحلّه تشهد بکونه معروفا، و ما ینهى عنه تشهد بقبحه و کونه منکرا، و ما یحلّه تشهد بکونه طیبا، و ما یحرّم تشهد بکونه خبیثا، و هذه دعوة الرّسل، و هی بخلاف دعوة المبطلین و الکاذبین و السّحرة، فإنهم یدعون إلى ما یوافق أهواءهم و أغراضهم من کل قبیح و منکر و بغى و ظلم. و لهذا قیل لبعض الأعراب و قد أسلم، لما عرف دعوته صلى اللّه علیه و اله: عن أىّ شی‏ء أسلمت و ما رأیت منه ممّا ذلک على أنّه رسول اللّه صلى اللّه علیه و اله؟ فقال: ما أمر بشی‏ء فقال العقل: لیته نهى عنه، و لا نهى عن شی‏ء فقال العقل: لیته أمر به، و لا أحلّ شیئا فقال العقل لیته حرّمه، و لا حرّم شیئا فقال العقل: لیته أباحه، فانظر إلى هذا الأعرابی (21) و صحّة عقله و فطرته و قوّة ایمانه و استدلاله على صحة دعوة النبی صلى اللّه علیه و اله بمطابقة أمره لکل ما هو حسن فی العقل و مطابقة نهیه لما هو قبیح فی العقل، و کذلک مطابقة تحلیله‏

و تحریمه، و لو کانت جهة الحسن و القبح و الطیب و الخبث مجرّد تعلّق الأمر و النهى و الإباحة و التحریم لم یحسن منه هذا الجواب، و لکان بمنزلة أن یقول: وجدته یأمر و ینهى و یبیح و یحرّم، و أىّ دلیل فی هذا، و کذلک قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِیتاءِ ذِی الْقُرْبى‏ وَ یَنْهى‏ عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْکَرِ وَ الْبَغْیِ(22) و هؤلاء یزعمون أنّ الظلم فی حقّ عباده هو المحرّم المنهی عنه، لا أنّ فی نفس الأمر ظلما نهى عنه، و کذلک الظلم الذی نزّه اللّه تعالى نفسه عنه هو الممتنع المستحیل عندهم، لا أنّ هناک أمرا ممکنا مقدورا لو فعله لکان ظلما، فلیس عندهم ظلم منهىّ عنه و لا منزّه عنه (23) إنّما هو المحرّم فی حقهم (24) و المستحیل فی حقّه تعالى، فالظلم المنزه عنه عندهم منحصر فی المحالات العقلیة کالجمع بین النقیضین، و جعل الجسم الواحد فی مکانین فی آن واحد و نحو ذلک، و القرآن صریح فی إبطال هذا المذهب أیضا. قال تعالى: قال قرینه: رَبَّنا ما أَطْغَیْتُهُ وَ لکِنْ کانَ فِی ضَلالٍ بَعِیدٍ قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَیَّ وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَیْکُمْ بِالْوَعِیدِ ما یُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَیَّ وَ ما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِیدِ (25)، أى لا اؤاخذ عبدا بغیر ذنب و لا أمنعه من أجر ما عمله من صالح، و لهذا قال قبله: و قد قدّمت إلیکم بالوعید المتضمّن لإقامة الحجة و بلوغ الأمر و النّهى، فإذا آخذتکم بعد التّقدم فلست بظالم، بخلاف ما یؤاخذ العبد قبل التّقدم إلیه بأمره و نهیه، فذلک الظلم الذی تنزه عنه سبحانه، و قال تعالى:

وَ مَنْ یَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلا یَخافُ ظُلْماً وَ لا هَضْماً (26)،

یعنی لا یحمل علیه من سیّئات ما لم یعمله و لا ینقص من حسنات ما عمل، و لو کان الظلم هو المستحیل الذی لا یمکن وجوده لم یکن لعدم الخوف منه معنى و لا للأمن من وقوعه فائدة، و قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَیْها وَ ما رَبُّکَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِیدِ (27)، أى لا یحمّل المسی‏ء عقاب ما لم یعمله و لا یمنع المحسن من ثواب عمله. و قال تعالى: وَ ما کانَ رَبُّکَ لِیُهْلِکَ الْقُرى‏ بِظُلْمٍ وَ أَهْلُها مُصْلِحُونَ (28)، فدلّ على أنه لو أهلکهم مع إصلاحهم لکان ظلما، و عندهم یجوز ذلک و لیس بظلم لو فعله، و یؤوّلون الآیة على أنّه سبحانه أخبر أنّه لا یهلکهم مع إصلاحهم، و علم أنّه لا یفعل ذلک و خلاف خبره و معلومه مستحیل، و ذلک حقیقة الظلم، و معلوم أنّ الآیة لم یقصد بها هذا قطعا، و لا أرید بها و لا یحتمله بوجه، إذ یؤول معناها إلى أنّه ما کان لیهلک القرى بسبب اجتماع النّقیضین و هم مصلحون، و کلامه تعالى: یتنزّه عن هذا و یتعالى عنه، و کذلک عند هؤلاء أیضا العبث و السّدى (29) و الباطل کلّها هی المستحیلات الممتنعة التی لا تدخل تحت المقدور، و اللّه تعالى قد نزّه نفسه عنها، إذ نسبه إلیها أعداؤه المکذّبین (30) لوعده و وعیده المنکرین لأمره و نهیه، فأخبر أنّ ذلک یستلزم کون الخلق عبثا و باطلا، و حکمته و عزّته تأبى (تنافى خ ل) ذلک قال تعالى:

أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناکُمْ عَبَثاً (31)، أى بغیر شی‏ء لا تؤمرون و لا تنهون و لا تثابون و لا تعاقبون، و العبث قبیح، فدلّ على أنّ قبح هذا مستقرّ فی الفطر (32) و العقول، و لذلک أنکر علیهم إنکار منبّه لهم على الرّجوع إلى عقولهم، و أنّهم لو فکروا و أبصروا لعلموا أنه لا یلیق به و لا یحسن منه أن یخلق خلقه عبثا، لا لأمر و لا لنهى و لا لثواب و لا لعقاب، و هذا یدلّ على أنّ حسن الأمر و النّهى و الجزاء مستقرّ فی العقول و الفطر، و أنّ من جوّز على اللّه الإضلال به فقد نسبه إلى ما لا یلیق به و تأباه أسماؤه الحسنى (33) و صفاته العلیا، و کذلک قوله تعالى: أَ یَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ یُتْرَکَ سُدىً (34) أى لا یؤمر و لا ینهى أو لا یثاب و لا یعاقب و هما متلازمان، فأنکر على من یحسب ذلک، فدلّ على أنّه قبیح لا یلیق به، و لهذا استدلّ على أنّه لا یترک سدى بقوله: أَ لَمْ یَکُ نُطْفَةً مِنْ مَنِیٍّ یُمْنى‏ ثُمَّ کانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (35) الى آخر السّورة، و لو کان قبحه إنّما علم بالسمع لکان یستدلّ علیه: بأنّه خلاف السمع و خلاف ما أعلمناه و أخبرنا به، و لم یکن إنکار ترکه قبیحا فی نفسه، بل لکونه خلاف ما أخبر به، و معلوم أنّ هذا لیس وجه الکلام، و کذلک قوله تعالى:

وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما باطِلًا ذلِکَ ظَنُّ الَّذِینَ کَفَرُوا (36) و الباطل الذی ظنّوه لیس هو الجمع بین النّقیضین، بل الذی ظنوه أنّه لا شرع و لا جزاء و لا أمر و لا نهى و لا ثواب و لا عقاب، فأخبر أنّ خلقها لغیر ذلک هو الباطل‏

الذی تنزّه عنه، و ذلک هو الحقّ الذی خلقت به و هو التّوحید و حقّه و جزاؤه و جزاء من جحده و أشرک به، و قال تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِینَ اجْتَرَحُوا السَّیِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ کَالَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْیاهُمْ وَ مَماتُهُمْ ساءَ ما یَحْکُمُونَ (37) فأنکر سبحانه هذا الحسبان إنکار منبّه للعقل على حکمه و أنّه حکم سیئ، فالحاکم به مسی‏ء ظالم، و لو کان إنّما قبح [و لو کان الحسبان خ ل‏] لکونه خلاف ما أخبر به، لم یکن الإنکار لما اشتمل علیه من القبح اللازم من التّسویة بین المحسن و المسی‏ء المستقرّ قبحه فی عقول العالمین کلّهم، و لا کان هناک حکم سیّئ فی نفسه ینکر على من حکم به، و کذلک قوله تعالى: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ کَالْمُفْسِدِینَ فِی الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِینَ کَالْفُجَّارِ (38) و هذا استفهام و إنکار، فدلّ على أنّ هذا قبیح فی نفسه منکر تنکره العقول و الفطر، أ فتظنّون أنّ ذلک یلیق بنا أو یحسن منا فعله، فأنکره سبحانه إنکار منبّه للعقل و الفطرة على قبحه، و أنّه لا یلیق باللّه نسبته إلیه، و کذلک إنکاره سبحانه قبح الشّرک به فی الالهیة و عبادة غیره معه بما ضربه لهم من الأمثال، و أقام على بطلانه من الأدلة العقلیّة، و لو کان إنّما قبح بالشّرع لم یکن لتلک الأدلة و الأمثال معنى، و عند نفاة التحسین و التّقبیح یجوز فی العقل أن یأمر بالإشراک به و عبادة غیره، و إنّما علم قبحه بمجرّد النّهى عنه، فیا عجبا أىّ فائدة تبقى فی تلک الأمثال و الحجج و البراهین الدّالة على قبحه فی صریح العقول؟! و أنه أقبح القبیح و أظلم الظلم! و أىّ شی‏ء یصحّ فی العقل إذا لم یکن فیه علم بقبح الشّرک الذّاتی، و أنّ العلم بقبحه بدیهیّ، فذلک معلوم بضرورة العقل، و بأنّ الرّسل نبّهوا الأمم على ما فی عقولهم و فطرهم‏

من قبحه، و إن لم یتنبّه لیست لهم عقول (39) و لا ألباب و لا أفئدة، بل نفى اللّه تعالى عنهم السّمع و البصر، و المراد سمع القلب و بصره (40)، فأخبر أنّهم صمّ بکم عمى و شبّههم بالأنعام التی لا عقول لها یمیّز بها بین الحسن و القبح و

الحقّ و الباطل، و کذلک اعترفوا فی النّار بأنّهم لم یکونوا من أهل السّمع و العقل، و أنّهم لو رجعوا إلى أسماعهم و عقولهم، لعلموا حسن ما جاءت به الرّسل و قبح مخالفتهم، قال تعالى: وَ قالُوا لَوْ کُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما کُنَّا فِی أَصْحابِ السَّعِیرِ (41)، و کم یقول لهم فی کتابه أَ فَلا یَعْقِلُونَ، لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ، فینبّههم على ما فی عقولهم من الحسن و القبح و یحتجّ علیهم بها، و یخبر أنّه أعطاهموها لینتفعوا بها و یمیّزوا بها بین الحسن و القبیح، و کم فی القرآن من مثل عقلیّ و حسی ینبّه به العقول على حسن ما أمر به و قبح ما نهى عنه؟! فلو لم یکن فی نفسه کذلک لم یکن لضرب الأمثال للعقول معنى، و لکان إثبات ذلک بمجرّد الأمر و النّهى دون ضرب الأمثال، و تبیین جهة القبح المشهور بالحسّ و العقل، و القرآن مملوّ بهذا لمن تدبّره، کقوله:

ضَرَبَ لَکُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِکُمْ هَلْ لَکُمْ مِنْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ مِنْ شُرَکاءَ فِی ما رَزَقْناکُمْ فَأَنْتُمْ فِیهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ کَخِیفَتِکُمْ أَنْفُسَکُمْ کَذلِکَ نُفَصِّلُ الْآیاتِ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ (42)، یحتجّ سبحانه علیهم بما فی عقولهم، من قبح کون مملوک أحدهم شریکا له، فإذا کان أحدکم یستقبح أن یکون مملوکه شریکا له و لا یرضى بذلک، فکیف تجعلون لی من عبیدی شرکاء تعبدونهم کعبادتی؟ و هذا یبیّن أنّ قبح عبادة غیره تعالى مستقرّ فی العقول، و السّمع نبّه العقول و أرشدها إلى معرفة ما أودع فیها من قبح ذلک و کذلک قوله تعالى:

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِیهِ شُرَکاءُ مُتَشاکِسُونَ (43) وَ رَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ یَسْتَوِیانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَکْثَرُهُمْ لا یَعْلَمُونَ (44)،

احتج سبحانه على قبح الشّرک بما تعرفه العقول من الفرق بین حال مملوک تملکه أرباب متعاسرون سیئوا الملک، و حال عبد یملکه سیّد واحد قد سلم کلّه له، فهل یصح فی العقول استواء حال العبدین؟ و کذلک حال المشرک و الموحد الذی قد سلمت عبودیته للواحد الحقّ، لا یستویان. و کذلک قوله تعالى: ممثلا لقبح الریاء المبطل للعمل و المن و الأذى المبطل للصدقات بصفوان (45) و هو الحجر الأملس علیه تراب غبار قد لصق به فأصابه مطر شدید، فأزال ما علیه من التّراب و ترکه صلدا أملس لا شی‏ء علیه، و هذا المثل فی غایة المطابقة لمن فهمه، فالصّفوان و هو الحجر کقلب المرائی و المنّان و الموذی و التّراب الذی لصق به ما تعلق به من أثر عمله و صدقته، و الوابل المطر الذی به حیاة الأرض فإذا صادف أرضا قابلة نبت فیها الکلا، فإذا صادف الصخور و الحجارة الصّم لم ینبت فیها شی‏ء (46) فجاء هذا الوابل إلى التّراب الذی على الحجر فصادفه رقیقا فأزاله فأفضى إلى حجر غیر قابل للنبات، و هذا یدل على أنّ قبح المنّ و الأذى و الرّیاء مستقرّ فی العقول، فلذلک نبهها على شبهه و مثاله. و عکس ذلک قوله تعالى: مَثَلُ الَّذِینَ یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَ تَثْبِیتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ کَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُکُلَها ضِعْفَیْنِ فَإِنْ لَمْ یُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ (47) فان کانت هذه الحبّة التی بموضع عال حیث لا تحجب عنها الشمس و الرّیاح و قد أصابها مطر شدید. فأخرجت ثمرها ضعفی ما یخرج غیرها إن کانت مستحسنة فی العقل و الحس فکذلک نفقة من أنفق‏

ماله لوجه الله لا للجزاء من الخلق و لا شکورهم (48) بثبات من نفسه و قوة على الإنفاق، لا تخرج النفقة و قلبه یرجف على خروجها، و یرتعد و یضعف قلبه، و یجوز عند الإنفاق بخلاف نفقة من لم یکن صاحب التثبت و القوّة، و لمّا کان النّاس فی الإنفاق على هذین القسمین، کان مثل نفقة صاحب الإخلاص و التثبیت کمثل الوابل، و مثل نفقة الآخر کمثل الطلّ، و هو المطر الضعیف، فهذا بحسب کثرة الإنفاق و قلّته و کمال الإخلاص و قوّة الیقین فیه و ضعفه، أفلا تراه سبحانه نبّه العقول على ما فیها من استحسان هذا و استقباح فعل الأول؟ و کذلک قوله تعالى:

أَ یَوَدُّ أَحَدُکُمْ أَنْ تَکُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِیلٍ وَ أَعْنابٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِیها مِنْ کُلِّ الثَّمَراتِ وَ أَصابَهُ الْکِبَرُ وَ لَهُ ذُرِّیَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِیهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ کَذلِکَ یُبَیِّنُ اللَّهُ لَکُمُ الْآیاتِ لَعَلَّکُمْ تَتَفَکَّرُونَ (49) فنبّه سبحانه العقول على قبح ما فیها من الأعمال السّیئة التی تحبط ثواب الحسنات و شبهها بحال شیخ کبیر له ذرّیة ضعفاء بحیث یخشى علیهم الضیعة و على نفسه و له بستان هو مادّة عیشه و عیش ذرّیته، فیه النخیل و الأعناب و من کل الثّمرات إذا أصابته نار شدیدة فأحرقته، فنبه العقول على أنّ قبح المعاصی التی تحرق الطاعات بعدها کقبح هذه الحال، و لهذا فسّره ابن عباس (50) برجل عمل بطاعة اللّه زمانا فبعث‏

اللّه إلیه الشّیطان فعمل بمعاصی اللّه حتّى احترقت أعماله، ذکره البخاری فی صحیحه (51) أفلا تراه نبّه العقول على قبح المعصیة بعد الطاعة و ضرب لقبحها هذا المثل؟ و نفاة التعلیل و الأسباب و الحکم بحسن الأفعال و قبحها یقولون: ما ثمّ إلّا محض المشیّة لا أنّ بعض الأعمال یبطل بعضا و لیس فیها ما هو قبیح بعینه حتى یشبه بقبیح آخر، و لیس فیها ما هو منشأ لمفسدة أو مصلحة یکون سببا لهما و لا لها علل غائیة هی مفضیة إلیها، و إنّما هی متعلّق المشیة، و الإرادة و الأمر و النّهى فقط، و الفقهاء لا یمکنهم البناء على هذه الطریقة کما مر، و أجمعوا عند التکلم (52) بلسان الفقه على بطلانها إذ یتکلّمون فی العلل و المناسبات الدّاعیة بشرع الحکم (53)

و یفرّقون بین المصالح الخالصة و الرّاجحة و المرجوحة و المفاسد التی هی کذلک، و یقدّمون أرجح المصلحتین على مرجوحتهما و یدفعون أقوى المفسدتین باحتمال أدناهما، و لا یتمّ لهم ذلک إلّا باستخراج الحکم و العلل و معرفة المصالح و المفاسد النّاشئة من الأفعال و معرفة رتبها، و کذلک الأطبّاء لا یصلح لهم (لا یصح خ ل) علم الطب و عمله إلا بمعرفة قوى الأدویة و الأغذیة و الأمزجة و طبائعها، و نسبة بعضها إلى بعض و مقدار تأثیر بعضها فی بعض، و انفعال بعضها عن بعض، و الموازنة بین قوّة الدّواء و قوّة المرض و دفع الضّدّ بضدّه، و حفظ ما یریدون حفظه بمثله و مناسبه، فصناعة الطب (54) و علمه مبنیّة على معرفة الأسباب و العلل و القوى و الطبائع‏

(الطباع خ ل) و الخواص، فلو نفوا ذلک و أبطلوه و أحالوا على محض المشیّة و صرف الإرادة المجرّدة عن الأسباب و العلل و جعلوا حقیقة النّار مساویة لحقیقة الماء، و حقیقة الدّواء مساویة لحقیقة الغذاء لیس فی أحدهما خاصیّة و لا قوّة یتمیّز بها عن الآخر، لفسد علم الطب و بطلت حکم اللّه تعالى، بل العالم مربوط (55) بالأسباب و القوى و العلل الفاعلیّة و الغائیّة، و على هذا قام الوجود بتقدیر العزیز العلیم (56) و الکلّ مربوط بقضائه و قدره و مشیّته و إقداره و تمکینه. و اعتذر بعض الأشاعرة عن نفیهم لذلک بأنّ القول بقطع النّظر عن تأثیر الأسباب فی مسبّباتها و جعل ذلک تأثیر اللّه تعالى زهد و إخلاص، بأن لا یجعل مع اللّه تعالى فی العالم خالق آخر، و لا یخفى أنّ هذا اعتذار فاسد و اعتقاد ردیّ، و إنّما الإخلاص و الفوز و الفلاح فی الصدق و الحقّ لا فی الکذب و الافتراء بما یعلم أنّه لیس کذلک مع تضمنه لکثیر من الفاسد کالجبر و الظلم و خلّو بعثة الأنبیاء عن الفائدة و مخالفته للعقل، بما ورد فی الکتب المنزلة و اخبار الأنبیاء، من ذکر الأسباب و إسناد المسبّبات إلیها، و مع ما فی القول بخلق الأسباب و تفویض المسببات إلیها من الدّلالة على قدرة الفاعل لذلک، و إتقانه لأفعاله و بیان إحکامها و عجیب صنعها، فانّه یکون فی کلّ واحد منها دلالة

على قدرتین و حکمتین، خلقها و خلق تأثیرها و حصول الإحکام فی خلقها و فی ترتب هذه المسببات علیها، و کونها سببا لها، و جعل تلک الأسباب مؤثرة فی مسبّباتها، و حصول تلک المسبّبات متقنة محکمة عنها، و هذا طریق مستقیم یوصل إلى حقیقة توحیده تعالى، و ظهور قدرته، و وفور (فوز خ ل) حکمته، یوجب للعبد إذا تبصّر فیه الصّعود من الأسباب إلى مسبّبها، و التعلق به دونها، و أنّها لا یضر و لا ینفع إلّا باذنه، و أنّه إذا شاء جعل نافعها ضارا و دوائها داء أو دائها دواء، فالالتفات إلیها بالکلیة شرک مناف للتّوحید، و إنکارها أن تکون أسبابا بالکلیة قدح فی الشّرع و الحکمة، و الإعراض عنها مع العلم بکونها أسبابا نقصان فی العقل، و تنزیلها منازلها و مدافعة بعضها ببعض و تسلیط بعضها على بعض و شهود الجمع فی تفرّقها و القیام بها هو محض العبودیة و المعرفة و إثبات التّوحید و الشّرع و القدرة و الحکمة (القدر و الحکم خ ل) و اللّه أعلم.


1) ان ما یکون فی الفعل الذی یمکن صدوره من الفاعل المختار امور مترتبة الاول الحرکات و السکنات و هی ذات المعنون، الثانی العنوان الاولى الطاری علیه کضرب الیتیم، الثالث العنوان الثانوى الطاری علیه ثانیا، و هو قسمان: قسم مقومه القصد و هو الذی یعبر عنه بالعنوان القصدى کالتأدیب، و قسم لا یتوقف تحققه على القصد کالایلام، الرابع العناوین العارضة علیها بعد تعلق الأمر و النهى کالمأمور به و المطلوب و المنهی عنه، الخامس العناوین العارضة علیها فی مقام الامتثال کالاطاعة و العصیان. إذا عرفت ذلک فاعلم أن بعض المعتزلة التزم بالمصلحة و المفسدة الذاتیتین فی الحرکات و السکنات معنونة بالعنوان الاولى، و ذهب أصحابنا الى وجودهما فی الأفعال بعد تعنونها بالعناوین الثانویة التی مر کونها قسمین، و ذهب الاشاعرة الى أنه لا مصلحة و لا مفسدة قبل تعلق الأمر و النهى، و جعلوا الأمر و النهى مؤثرین فی تحقق المصلحة و المفسدة خلافا لأصحابنا حیث جعلوا الأمر و النهى کاشفین عن وجود المصلحة و المفسدة، و اعلم أن بیننا و بینهم خلافا فی موضعین «أحدهما» وجود الملاکین قبل تعلق الأمر و النهى «و ثانیهما» کون الأمر و النهى کاشفین عندنا فی غیر المستقلات العقلیة و أما فیها فهی ارشادیة محضة خلافا لهم، فإنهم یرونها مولویة محضة.(إزالة وهم) ان لأصحابنا فی المصلحة و المفسدة اللتین هما ملاکا الاحکام عبائر مختلفة، فمنهم من قال: ان الملاک المصلحة و المفسدة الذاتیتان، و منهم من قال: ان الملاک المصلحة و المفسدة الحاصلتان بالوجوه و الاعتبار، و منهم من نفى صریحا کونهما ذاتیتین، و أنت خبیر بأن المراد واحد، فمن قال انهما ذاتیتان عبر بذلک فی قبال الاشاعرة اى لیستا بمتوقفتین على الأمر و النهى، و من نفى ذلک عبر بذلک فی قبال بعض المعتزلة القائل بوجودهما قبل طرو العناوین الثانویة، و من عبر بکونهما بالوجوه و الاعتبار رام بذلک أنهما لیستا بکامنتین فی ذات المعنون اى الحرکات و السکنات من حیث هی. هذا کله فی المصلحة و المفسدة، و أما الحسن و القبح فمن قائل: انهما ذاتیان، و یظهر من مطاوى کلامه أن مراده المعنى المساوق للمصلحة و المفسدة الذاتیتین، و من قائل: انهما بالعرض، و مراده حصولهما بعد تعلق الأمر و النهى کما یفصح عن ذلک کلام بعض الاشاعرة، و من ثالث جعلهما منوطین بعلم المکلف و عدمه بالمصلحة و المفسدة، و من رابع جعلهما بالوجوه و الاعتبار. و أنت لو دققت النظر فی هذه المحتملات التی ذکرت فی ملاکات الاحکام و مسألة الحسن و القبح لرأیت أن الحق فی باب الملاک ما أسبقناه من توقفه على عروض العنوان الثانوى کالتأدیب فی مثال ضرب الیتیم لا انه موجود فی ذات المعنون و لا فیه معنونا بالعنوان الاولى و لا فیه بعد تعلق الأمر و النهى.و المحرى بالقبول فی مسألة الحسن و القبح أنهما ثابتان فی الأفعال مدرکان بالعقل السلیم و الذوق المستقیم، و لیس الأمر کما یدعیه الأشعری من عزل العقل و عقاله عن ادراکهما فلاحظ و تأمل و انما أطنبنا الکلام لتتضح موارد الخلاف بین أصحابنا و بین مخالفیهم من الاشاعرة و المعتزلة فی مسألتى الحسن و القبح و ملاکات الاحکام لئلا یغتر الجامد بظواهر کلماتهم و لیتبین لدیه مواضع الخلاف حتى یحکم فیها وجدانه، فانه نعم الحکم المودع من قبله سبحانه فی عباده، وفقنا اللّه تعالى للوقوف على ما هو الحرى بالقبول.

2) و فی بعض النسخ المخطوطة بعد قوله کالعبادات هذه الجملة (مثل صوم آخر رمضان و اول شوال فان الاول حسن و الثانی قبیح).

3) و کثیرا ما یفعل ذلک صاحب المواقف حیلة للتخلص عن الشناعة، و قد فعل مثل ذلک فی المواقف فی مسألة تکلیف ما لا یطاق حیث جعل محل النزاع الممتنع بالغیر دون الممتنع لذاته، و التزم بذلک أن یکون أکثر أدلة أصحابه فی هذا المقام نصبا للدلیل على غیر محل النزاع مع أن کلام العلامة الشیرازی فی شرح المختصر، بل کلام نفسه فی ذلک المقام مناقض لما ذکروه فی مقام التحریر کما سنوضحه إن شاء اللّه تعالى. منه «قده».

4) بحذف الجار قبل أن، اى بان یکون، فالجملة تفسیریة.

5) و لعل المراد به المولى جلال الدین الدوانی أو المیرزا جان الباغنوى الشیرازی و قد مرت ترجمتهما.

6) البحت من الشی‏ء خالصه.

7) کما فی الکافی فی باب العقل حیث روى بسنده عن هشام بن الحکم، قال: لی أبو الحسن موسى بن جعفر علیهما السلام، یا هشام، ان للّه على الناس حجتین، حجة ظاهرة و حجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل و الأنبیاء، و أما الباطنة فالعقول.

8) دحضت الحجة، بطلت. و دحض الحجة: أبطلها. فالفعل مما یعدى و لا یعدى، و کم له من نظیر؟ و یشهد ما ذکرنا عقد القدماء من أهل العربیة فی کتبهم بابا معنونا یعدى و لا یعدى.

9) اقتباس من قوله تعالى فی سورة الروم. الآیة 30.

10) قد مرت ترجمته فلیراجع.

11) و ان شئت فراجع الى کتاب الروضة البهیة لأبی عذبة من علماء الماتریدیة فی ما بعد القرن العاشر. و قد أسلفنا سابقا جهات الفرق بین فرقتی الماتریدیة و الاشاعرة و أوردنا هناک المسائل التی اختلفت فیها انظار تینک الفرقتین فی الأصول و الفروع بما لا مزید علیه فراجع، و مراده من صاحب التوضیح المولى عبید اللّه الملقب بصدر الشریعة ابن مسعود بن تاج الشریعة محمود المحبوبى الحنفی المتوفى سنة 747 العلامة المحقق فی العلوم العقلیة. و کتاب التوضیح فی اصول الفقه و هو شرح على کتاب التنقیح من تآلیف نفسه.ثم انه عقد کسائر المؤلفین القدماء فی اصول الفقه بابا فی الحسن و القبح العقلیین.

12) الالف و اللام موصولة، اى الفعل الذی وقع.

13) نعم قد لا یلتفت الى قبحه لکثرة غیظه و کونه فی مقام التشفی أو اعمال مشتهیاته و ذلک لا ینافی حکمه بالقبح المرتکز فی فطرته.

14) الأعراف من آیة 28 الى آیة 34.

15) و هم بنو عبد مناف کما ذکره بعض المورخین، و قال بعض أهل السیر: ان بنى مخزوم کانوا کنى عبد مناف فی الاجتناب عن الشنائع المذکورة.

16) الأعراف. الآیة 32.

17) الأعراف. الآیة 33.

18) اصطلح أهل المناظرة فی علم آداب البحث عن التعبیر بالدعوى المجردة عن الدلیل بالمکابرة ان اقترنت بتعنت و استکبار، و التحکم ان لم تقترن بذلک.

19) المراد بالذات ما أسلفناه سابقا فی بیان ملاکات الاحکام لا الذات التی یراد بها نفس الفعل و الحرکات و السکنات الخالیة عن کل عنوان و وصف المعراة عن کل اعتبار.

20) اقتباس من قوله تعالى فی سورة الأعراف. الآیة 157.

21) الأعرابی: من سکن البادیة کان من العرب أو غیره، و قد مر الفرق سابقا بین الأعرابی و العربی فلیراجع.

22) النحل. الآیة 90.

23) و الظاهر سقوط لفظة «بل» قبل کلمة انما هو المحرم.

24) اى حق العباد.

25) ق. الآیة 28.

26) طه. الآیة 112.

27) فصلت. الآیة 46.

28) هود. الآیة 117.

29) السدى بضم السین المهملة. المهمل و الباطل و فیه إشارة الى قوله تعالى فی سورة القیامة. الآیة 36.

30) و حق العبارة هکذا: (إذ نسبها الیه تعالى أعداءه المکذبون لوعده و وعیده المنکرون لأمره و نهیه).

31) المؤمنون. الآیة 115.

32) الفطر کعنب جمع الفطرة.

33) اقتباس من قوله تعالى فی سورة الاسراء. الآیة 110.

34) القیامة. الآیة 36.

35) القیامة. الآیة 37.

36) ص. الآیة 27.

37) الجاثیة. الآیة 21.

38) ص. الآیة 28.

39) و حق العبارة هکذا: ان من لم یتنبه لیس له عقل و لا لب و لا فؤاد.

40) کما فی قوله تعالى فی سورة الأعراف. الآیة 179. لا یخفى ان سمع القلب له اطلاقان، فتارة یطلق و یراد به اذن الفؤاد، و هی التی عدها الفقهاء من محرمات الذبیحة، و أخرى یطلق و یراد به ادراک القلب ما وصلت الیه من العلوم و المطالب، کما أن للقلب إطلاقات منها اللحم الصنوبری الشکل المودع فی الحیوان و منها المعنى المعروف لدى الفلاسفة و المتکلمین و الفقهاء و غیرهم الذی عرفوه بقولهم: هی اللطیفة الربانیة، التی لها تعلق بالقلب الجسمانی الصنوبری الشکل المودع فی الجانب الأیسر من الصدر. قال الجرجانی فی کتاب الحدود ص 119 فی بیان المعنى الثانی للقلب ما لفظه: تلک لطیفة هی حقیقة الإنسان، و یسمیها الحکیم النفس الناطقة و الروح باطنه و النفس الحیوانیة مرکبه، و هی المدرک و العالم من الإنسان و المخاطب و المطالب و المعاتب «انتهى».و قد یطلق القلب کما فی علم آداب البحث على ما نص علیه الفاضل السمرقندی على جعل المعلول علة و العلة معلولا.و قد یطلق کما فی الفقه و أصوله حسب تنصیص الجرجانی فی الحدود ص 119 على عدم الحکم لعدم الدلیل و یراد به ثبوت الحکم بدون العلة.و قد یطلق على معانی فی علمی الصرف و الاشتقاق کما فی کتاب سمط اللئال فی القلب و الابدال.و قد یطلق على احد اقسام الحصر فی علم المعانی.و قد یطلق على بعض المحسنات فی البدیع.الى غیر ذلک من الإطلاقات و المراد به هاهنا المعنى الثانی أعنى اللطیفة الربانیة فلا تغفل.

41) الملک. الآیة 10.

42) الروم. الآیة 28.

43) متشاکسون: متضادون.

44) الزمر. الآیة 29.

45) فی سورة البقرة. الآیة 264.

46) و یناسبه قوله تعالى فی سورة الأعراف. الآیة 58.باران که در لطافت طبعش خلاف نیستدر باغ سبزه روید و در شوره‏زار خس.

47) البقرة. الآیة 265.

48) إشارة الى آیة 9 فی سورة الدهر النازلة فی حق أهل بیت الرسول صلوات اللّه علیهم أجمعین، الحاکیة عن لسان حالهم.

49) البقرة. الآیة 266.

50) هو عبد اللّه بن العباس بن عبد المطلب الهاشمی، من اعیان الإسلام أخذ علوم القرآن و تفسیره عن مولانا أمیر المؤمنین سلام اللّه علیه، یعبر عنه حبر الامة، و قدوة المفسرین و ترجمان القرآن امه لبابة بنت الحارث بن حزن اخت میمونة ام المؤمنین زوجة النبی صلى اللّه علیه و اله.ولد بمکة قبل الهجرة بثلاث سنین دعى له النبی صلى اللّه علیه و اله بالفقه و التأویل، و کان عمر یقربه و یشاوره، و کذا غیره من الصحابة قال الخطیب فی تاریخ بغداد روى عن عطاء انه قال ما رأیت مجلسا قط کان أکرم من مجلس ابن عباس أکثر علما و أعظم جفنة و ان أصحاب القرآن عنده یسألونه، و أصحاب النحو عنده یسألونه، و أصحاب الشعر عنده یسألونه، و أصحاب الفقه عنده یسألونه کلهم یصدرهم فی واد واسع.توفى بالطائف سنة 68 و صلى علیه محمد بن الحنفیة و کلماته فی کتب التفسیر منقولة مذکورة مشهورة و قد جمعها الفیروزآبادی صاحب القاموس فی کتاب سماه تنویر المقباس فی تفسیر ابن عباس.یروى عن النبی صلى اللّه علیه و اله و عن أمیر المؤمنین و الحسنین و غیرهم علیهم السلام.و عنه یروى جمع منهم ابو الشعثاء، و ابو العالیة، و سعید بن جبیر، و ابن المسیب، و عطاء بن یسار، و غیرهم.

51) فی الجزء السادس (ص 32 ط امیریة).

52) فیه إشارة الى أنهم عند التکلم فی علم الکلام ینسون ذلک و یناظرون فی ذلک عنادا مع أهل التوحید و العدل. «منه قده».

53) الشرع: الطریقة، و الحکم جمع الحکمة، و المراد أنهم یتکلمون على طبق مقتضیات الحکم و العلل و المصالح العقلیة مع أنه مخالف لمبناهم. هذا إذا کانت العبارة (بشرع‏ الحکم بالباء) و ان کانت (لشرع الحکم باللام) فالجار متعلق بالداعیة و مضاف لفظة الشرع (الحکم) بضم الحاء المهملة لا الحکم بکسرها فلا تغفل.

54) و من ثم ترى القوم یشیرون فی کتبهم الطبیة الى ذلک حیث قالوا و لما کان المرکب فی هذا العالم مورد الاضداد و کل شی‏ء یقوى ما هو من جنسه، و یضعف ما هو بخلافه، فیتغیر المرکب عما کان علیه بورود الوارد و ینقلب عما کان علیه و لم یتأت عنه ما خلق لأجله بل صدر عنه ما هو بخلاف ما أرید منه و هذا هو المرض، و ذلک الوارد هو سبب المرض و علته، و الصادر عنه على خلاف ما أرید منه هو العرض، مثلا خلق العین للنظر و قوامها بما هی علیه مما وضعها اللّه علیه، فإذا وقع فیها قذى و نکأها، فتلک النکأة هی المرض و ذلک القذى هو السبب، فتعرض لها حمرة أو دمعة أو غیر ذلک فتلک عرض لها، و أثر لتلک النکأة. فإذا ربما یکون عرض سبب مرض آخر، کالدمعة تصیر سبب القرحة منه أو على مقام آخر، أو مرض عرض مرض آخر، أو مرض سبب مرض آخر الى ما شاء اللّه فبالاعراض یستدل على الأمراض، و بالامراض یتوصل الى معرفة الأسباب کالرمد یکون عرض النزلة منه فالمرض أثر للسبب، و العرض أثر للمرض، فالواجب أولا لمن یروم المعالجات، قطع اسباب المرض الاولیة ثم ان کانت الطبیعة قویة تدفع بنفسها المرض و لا یحتاج الى علاج، فإذا قطعت المرض یندفع العرض، لأنه أثره انتهى.أقول: و لا ینبغی التبادر الى العلاج ح، و من ثم ورد النهى فی أخبار عدیدة عن المسارعة الى التداوى.منها ماروى عن الامام أبى عبد اللّه الصادق علیه السلام (اجتنب الدواء ما احتمل بدنک الداء) و عن الامام موسى الکاظم علیه السلام (ادفعوا معالجة الأطباء ما اندفع الداء عنکم، فانه بمنزلة البناء قلیله یجر الى کثیره).و عن مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام (امش بدائک ما مشى بک)الى غیر ذلک، و ان کان المرض و الطبع متکافئین، أو المرض کان غالبا فانه ح وقت الحاجة الى المعالجة و الطبیب و لا یجوز التأخیر و المسامحة فی ذلک، و على هاتین الصورتین یحمل ما ورد فی الروایات‏کقول الباقر علیه السلام بعد ما سئل هل نعالج (نعم ان اللّه جعل فی الدواء برکة و شفاء و خیرا کثیرا، و ما على الرجل ان یتداوى فلا بأس به.و ماروى عن الصادق علیه السلام قال کان المسیح علیه السلام یقول (ان تارک شفاء المجروح من جرحه شریک جارحه لا محالة).و مارواه شیخنا الحر العاملی «قده» فی کتاب الفصول المهمة عن المکارم من قوله علیه السلام (تجنب الدواء ما احتمل بدنک الداء فإذا لم تحتمل الداء فالدواء)الى غیر ذلک من الروایات.ثم اعلم انه لما کان التداوى امرا اضطراریا، یلزم ان یکون کأکل المیتة فیستعمل بقدر الضرورة فما أمکن الاکتفاء بالغذاء الدوائى یکتفى به، و الا فالدواء الغذائى، و الا فالدواء المفرد، و الا فقلیل الاجزاء، و الا فکثیر الاجزاء و ما أمکن الاکتفاء بضعیف القوى لا یصار الى قویها و ما أمکن الاکتفاء بالملین لا یصار الى المسهل، لا یستعمل المسهل من غیر منضج الا عند عدم الفرصة، أو کثرة الامتلاء، و لا یعدل عن المجرب الى غیر المجرب، و لا عن المحلل و الملطف الى المسهل.فظهر مما تلى علیک ان علم الطب علم یبحث فیه عن اسباب المرض، و روافع آثارها و دوافع تأثیرها و قد أشار مولانا القاضی الشهید «قده» فی هذه الجمل الى المطالب المبحوثة عنها فی الطب بأحسن إشارة و الطف بیان شکر اللّه مساعیه الجمیلة، و حشره‏‏ مع أجداده الطاهرین و اسکنه فی مستقر الشهداء المقربین آمین آمین.

55) فان قیل: هذا ینافی ما ورد من أقوال المتکلمین: ان جمیع الأشیاء کلها واقعة بقدرة اللّه تعالى و لا مؤثر فی الوجود الا اللّه، قلنا: ان هذا مما لم یقل به الا القائلون بالجبر، و لو سلم فلا ینافی طریقتنا، لان قولهم: ان الأشیاء واقعة بقدرة اللّه تعالى، و انه لا مؤثر الا اللّه لا یقتضى نفى الأسباب لظهور أنه لو لم یکن اللّه تعالى موجودا لم یکن لشی‏ء من الممکنات وجود أصلا، فیصح أنه لا مؤثر فی الوجود ابتداء الا اللّه تعالى. منه «قده».

56) اقتباس من قوله تعالى فی سورة یس. الآیة 38.