قال المصنّف رفع اللّه درجته
قالت الإمامیّة: إنّ أنبیاء اللّه تعالى و أئمته منزّهون (1) عن المعاصی و عمّا لا یستحقّ، و ینفردون بتعظیم أهل البیت علیهم السّلام الذین أمر اللّه تعالى بمودّتهم و جعلها أجرا للرّسالة، فقال اللّه تعالى: قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ
فی القربى (2) و قالت أهل السّنة کافّة، إنّه یجوز علیهم الصّغائر، و جوّزت الأشاعرة علیهم الکبائر.
قال النّاصب خفضه اللّه
أقول: أجمع أهل الملل و الشّرائع کلّها على وجوب عصمة الأنبیاء عن تعمّد الکذب فیما دلّ المعجز القاطع على صدقهم فیه، کدعوى الرّسالة و ما یبلّغونه من اللّه، و أمّا سائر الذّنوب فأجمعت الامّة على عصمتهم من الکفر، و جوّز الشّیعة إظهار الکفر تقیّة عند خوف الهلاک، لأنّ إظهار الإسلام حینئذ إلقاء للنّفس فی التّهلکة، و ذلک باطل قطعا، لأنّه یقضی إلى إخفاء الدّعوة بالکلیّة و ترک تبلیغ الرّسالة، إذ أولى الأوقات بالتّقیة وقت الدعوة للضّعف بسبب قلّة الموافق و کثرة المخالفین، و أما غیر الکفر من الکبائر فمنعه الجمهور من الأشاعرة و المحققین، و أما الصغائر عمدا فجوّزه الجمهور إلّا الصّغائر الخسیسة، کسرقة حبّة أو لقمة للزوم المخالفة لمنصب النبوة، هذا مذهبهم، فنسبة تجویز الکبائر على الأنبیاء إلى الأشاعرة افتراء محض، و أما ما ذکر من تعظیم أنبیاء اللّه تعالى و أهل بیت النّبوة فهو شعار أهل السّنة، و التّعظیم لیس عداوة الصّحابة کما زعمه الشّیعة و الرّوافض، بل التّعظیم أداء حقوق عظم قدرهم فی المتابعة و ذکرهم بالتفخیم و اعتقاد قربهم من اللّه و رسوله، و هذه خصلة اتّصف بها أهل السّنة و الجماعة «انتهى»
أقول: [القاضى نور اللّه]
قد مرّ و سیجیء فی مسألة النّبوة أنّ أهل السّنة إنّما أوجبوا عصمة الأنبیاء عن الکبائر بعد البعثة، و أجمعوا على جواز صدورها عنهم قبل البعثة قال ابن همام (3) الحنفی فی المسایرة شرط النّبوة الذکورة إلى قوله و العصمة
من الکفر، و أمّا من غیره ممّا سنذکره، فمن موجبات النّبوة متأخّر عنها ثم قال:
و جوّز القاضی وقوع الکفر قبل البعثة عقلا قال: و أمّا الوقوع فالذی صحّ عند أهل الأخبار و التّواریخ أنّه لم یبعث من أشرک باللّه طرفة عین، و لا من کان فاسقا فاجرا ظلوما، و إنّما بعث من کان تقیا زکیّا أمینا مشهور النّسب، و المرجع فی ذلک فی قضیّته السّمع، و موجب العقل التّجویز و التّوبة، ثمّ إظهار المعجزة یدلّ على صدقهم و طهارة سریرتهم فیجب توقیرهم و یندفع النّفور عنهم، و خالف بعض أهل الظواهر (4) «انتهى»، و قال صاحب المواقف فی مسألة عصمة النبیّ ما یقرب من کلام ابن همام، ثمّ قال فی مبحث الإمامة عند نفیه لعصمة الفاطمة المعصومة المظلومة علیها السّلام، و أیضا عصمة الأنبیاء، و قد تقدّم ما فیه. انتهى فافهم ما فیه، و أمّا ما نسبه إلى الشیعة من تجویز إظهار الکفر على الأنبیاء تقیّة فهو افتراء علیهم، و لعلّ المعاندین من أهل السّنة توهموا ذلک من استماع إطلاق جواز التّقیة، فنسبوه إلیهم و لو فرض صدور ذلک عمّن لا یعبأ من فرق الشّیعة فالإمامیّة الذین هم المحقّون المحققون خلفا عن سلف و علومهم مقتبسة [خ ل عن] من مشکاة النّبوة و الولایة، مبرّؤن عن ذلک، و تصانیف علمائهم خالیة عنه، و إنّما الذی ذکروه فی ذلک أنّ التّقیة جائزة، و ربّما وجبت، و عرّفوها بأنّها إظهار موافقة أهل الخلاف فیما یدینون به خوفا، و قد استثنوا منها أوّل زمان الدّعوة، و کذا وطء المنکوحة على خلاف مذهب أهل الحقّ فلا یحلّ باطنا، و کذا التّصرف فی المال المضمون عنه لو اقتضت التّقیة أخذه إلى غیر ذلک، و کیف یجوّزون إظهار الکفر على الأنبیاء علیهم السّلام تقیّة مع قولهم بحجیّة العقل و اعتنائهم بتتبع أدلته؟! فهم أولى بوجدان الدّلیل الذی ذکره النّاصب نقلا عن المواقف فی امتناع إظهار الکفر على الأنبیاء
علیهم السّلام، و سیجیء لهذا المقام مزید تأیید و تفصیل فی مبحث عصمة النبیّ صلى اللّه علیه و اله و الامام علیه السّلام، بل الدّلیل المذکور مأخوذ من کتبهم و مصنّفاتهم کما لا یخفى على المتتبّع، و أما قوله: و التّعظیم لیس عداوة الصّحابة فمردود: بأنّ الامامیّة لا یوجبون عداوة جمیع الصّحابة کما یشعر به إطلاق کلامه، بل الجماعة الذین غصبوا الخلافة عن ذوی القربى من أهل بیت النبیّ صلوات اللّه علیهم، و لا ریب فی أنّ حقّ تعظیمهم و محبّتهم یتوقف على عداوة هؤلاء و البراءة عنهم، إذ لا یمکن الجمع بین ما أمرنا اللّه تعالى به فی محکم کتابه من مودة ذوی القربى و ما ثبت من شکایتهم علیهم السّلام عنهم على ما سیذکره المصنّف فی مسألة الامامة، و قد أشار إلیه أیضا الشّیخ العارف الرّبانی محیی الدین الأعرابی
فی فتوحاته المکیّة، و قد بلغنا أنّ رجلا قال لأمیر المؤمنین علیه السّلام: أنا أحبّک و أتوالى عثمان، فقال له: أمّا الآن فأنت أعور، فإمّا أن تعمى و إمّا أن تبصر، و لعمری ما ودّک من توالى ضدّک، و لا أحبّک من صوّب غاصبک، و لا أکرمک مکرم من هضمک، و لا عظمک معظم من ظلمک، و لا أطاع اللّه فیک مفضّل أعادیک، و لا اهتدى إلیک مضلّل موالیک، النّهار فاضح، و المنار واضح
، و لنعم ما قیل. شعر:
تودّ عدوّی ثم تزعم أنّنی
صدیقک إنّ الرّأی عنک لعازب
1) هذه مسألة قام فیها الحرب على ساقیه بین الفریقین، أطبق أصحابنا و أکثر المعتزلة و ثلة من الاشاعرة على تنزه الأنبیاء عن المعاصی کبیرة کانت أم صغیرة قبل النبوة و بعدها، و کذا عن کل رذیلة و منقصة تدل على خسة النفس و تکون لصاحبها و صمة عار، و للّه در أصحابنا شیعة أهل البیت علیهم السلام حیث صنفوا فی طهارة ذیول السفراء بین الخالق و خلقه و خلفائهم الهادین المهدیین کتبا نفیسة ککتاب تنزیه الأنبیاء لسیدنا الشریف المرتضى، و کتاب التنزیه لشیخنا أبى عبد اللّه المفید «قدهما» و أقاموا فی إثباتها الحجج العقلیة و الدلائل النقلیة، فمن تعامى عن المراجعة إلیها فلا یلومن الا نفسه و ما أوضح المحجة و أبین الحجة. (گر گدا کاهل بود تقصیر صاحب خانه چیست؟).
2) الانعام. الآیة 90.
3) قد مرت ترجمته.
4) المراد به أبو على محمد بن حزم الأندلسی کما افید.