قال المصنّف رفع اللّه درجته
المبحث الحادی عشر فی العدل[2] و فیه مطالب الاول فی نقل الخلاف فی مسائل هذا الباب،
اعلم أنّ هذا أصل عظیم تبتنى علیه القواعد الإسلامیة بل الاحکام الدینیة مطلقا و بدونه لا یتمّ شیء من الأدیان و لا یمکن أن یعلم صدق نبیّ من الأنبیاء على الإطلاق إلا به على ما نقرّره فیما بعد إن شاء اللّه تعالى، و بئس ما اختاره الإنسان لنفسه مذهبا خرج به عن جمیع الأدیان و لم یمکنه أن یتعبد اللّه تعالى بشرع من الشرائع السابقة و اللاحقة و لا یجزم به على نجاة نبیّ مرسل أو ملک مقرّب أو مطیع فی جمیع أفعاله من أولیاء اللّه و خلصائه و لا على عذاب أحد من الکفار و المشرکین و أنواع الفساق و العاصین، فلینظر العاقل المقلّد هل یجوز له أن یلقى اللّه تعالى بمثل هذه العقائد الفاسدة و الآراء الباطلة المستندة إلى اتباع الشهوة و الانقیاد للمطامع «انتهى.»
قال النّاصب خفضه اللّه
أقول: عقد هذا المبحث لاثبات العدل الذی ینتسبون إلیه هم و المعتزلة
و حاصله أنّهم یقولون: باختیار العبد فی الأفعال و انّه خالق أفعاله، و إلا لم یکن تعذیب العبد عدلا عند عدم الإختیار، و یقولون: بوجوب جزاء العاصی (1)، و بالحسن و القبح العقلیّین و غیرهما ممّا یذکره فی هذا الفصل، و یدّعی أنّ الخروج عن هذا یوجب عدم متابعة نبیّ من الأنبیاء، و هذا دعوى باطلة فاسدة، و نحن إن شاء اللّه تعالى نذکر فی هذا المبحث کلّ مقالة من قولی الإمامیة و الأشاعرة على حدّه، و نذکر حقیقة تلک المسألة قائمین بالإنصاف إن شاء اللّه.
أقول: [القاضى نور اللّه]
سیرى النّاظر إن شاء اللّه تعالى قیام البرهان على دعاوى الإمامیّة و مذاهبهم من السّمع و العقل، و یدلّ على أنّ أهل العدل و التّوحید هم القائلون:
بما ذکره المصنّف قوله تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَ الْمَلائِکَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ، إِنَّ الدِّینَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ (2) الآیة، قال صاحب الکشّاف: إنّ قوله تعالى: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ توحید و قوله:
قائِماً بِالْقِسْطِ تعدیل، فإذا أردفه قوله: إِنَّ الدِّینَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ فقد آذن أنّ الإسلام هو العدل و التّوحید، و هو الدّین عند اللّه، و ما عداه فلیس عنده فی شیء من الدّین، و فیه إشارة إلى أنّ من ذهب إلى تشبیه أو إلى ما یؤدّی إلیه کإجازة الرّؤیة أو ذهب إلى الجبر الذی هو محض الجور لم یکن على دین اللّه الذی هو الإسلام، و هذا بیّن جلیّ کما ترى انتهى، و للفاضل التفتازانی فی حاشیته على الکشّاف هاهنا کلمات قد ألفنا لدفعها رسالة منفردة سمّیناها بانس الوحید فی تفسیر آیة العدل و التوحید (3)
1) لا یخفى أن العدلیة لا یقولون بوجوب الجزاء فی حق العاصی، بل یرون استحقاقه للعقوبة و الاستحقاق لا یستلزم الفعلیة فلا مساق للتعبیر بالوجوب.
2) آل عمران. الآیة 18.
3) و قد شرحها نجل الشارح القاضی السید علاء الدین شرحا شافیا طبع فی الهند.