قال المصنّف رفع اللّه درجته
المبحث الرابع فی أنّه تعالى لیس فی جهة، العقلاء کافّة على ذلک خلافا للکرامیّة حیث قالوا: إنّه تعالى فی جهة الفوق، و لم یعلموا أنّ الضّرورة قضت بأنّ کلّ ما هو فی جهة: فامّا أن یکون لابثا فیها أو متحرّکا عنها، فهو إذن لا ینفک عن الحوادث، و کلّ ما لا ینفک عن الحوادث فهو حادث على ما تقدّم «انتهى.»
قال النّاصب خفضه اللّه
أقول: هذا القول من الکرامیّة: لأنّهم من جملة من یقول: إنّه جسم و لکن قالوا: غرضنا من الجسم أنّه موجود، لا أنّه متصف بصفات الأجسام فعلى هذا لا نزاع معهم إلا فی التّسمیة، و مأخذها التّوقیف، و لا توقیف هاهنا، و کونه تعالى فی جهة الفوق على وجه الجسمیّة باطل بلا خلاف، لکن جرت العادة فی الدعاء بالتّوجه إلى جهة الفوق، و ذلک لأنّ البرکات الإلهیّة إنّما تنزل من السّماء إلى الأرض و قد
جاء فی الحدیث: إنّ امرأة بکماء (1) أتی بها إلى النبی صلى اللّه علیه و اله فقال لها رسول اللّه صلى اللّه علیه و اله: من إلهک؟، فأشارت إلى السّماء، فقبل رسول اللّه صلى اللّه علیه و آله إیمانها
، و ذلک لجریان العادة بالتّوجه إلى السّماء عند ذکر الإله، و هذا یمکن أن یکون مبنیّا على إرادة العلوّ و التفوّق فیعبّرون عن العلوّ العقلی بالعلوّ الحسّی، فان أراد الکرامیّة هذا المعنى فهو صحیح، و إن أرادوا ما یلزم الأجسام
من الکون فی الجهة (2) و الحیز (3) فهو باطل «انتهى»
أقول [القاضى نور اللّه]
کانّ النّاصب یرید بقوله: هذا القول من الکرامیّة أنّهم لیسوا من أهل السّنّة و هو مکذوب بما صرّح به الشّهرستانی فی کتاب الملل و النّحل رغما للنّاصب، ثمّ ما ذکره من أنّ الکرامیّة من جملة من یقول: إنّه تعالى جسم لا یقتضی توجّه اعتراض المصنّف إلیهم، بل یقتضی أن یکون هناک جماعة أخرى قائلون: بأنّه تعالى حقیقة الجسم، و قد صرّح بوجودهم، و أنّهم مقاتل بن سلیمان و غیره صاحب المواقف فلیکن اعتراض المصنّف متوجّها إلیهم، و بهذا یظهر أنّ قول النّاصب: و کونه تعالى فی جهة الفوق على وجه الجسمیّة باطل بلا خلاف «خلف باطل،» و أما ما ذکره من التّردید «فمردود» بأنّ الکرامیّة أرادوا ما یلزم الجسمیّة رغما لأنفهم و أنف من (4) یتصدّى لإصلاح کلامهم، قال صاحب الملل و النّحل:
نصّ أبو عبد اللّه محمّد بن کرام على أنّ لمعبوده على العرش استقرارا، و على أنّه بجهة فوق ذاتا، و اطلق علیه اسم الجوهر، و قال فی کتابه المسمّى بعذاب القبر: إنّه أحدیّ الذّات أحدی الجواهر، و إنّه مماسّ للعرش من الصّفحة العلیا، و یجوز علیه الانتقال و التحوّل و النّزول، و منهم من قال: إنّه على بعض أجزاء العرش، و قال بعضهم: امتلأ العرش به إلى غیر ذلک من الخرافات التی نسج النّاصب على
اسلوبها فی هذا الکتاب ثم مما یجب أن ینبّه علیه أنّه خان فی نقل الحدیث المذکور، فإنّ الحدیث على ما ذکر فی المواقف قد وقع السّؤال فیه بأین اللّه، لا بمن إلهک لایق: إنّه نقل للحدیث بالمعنى و هو جایز، لأنّا نقول: اتّحاد المعنى ممنوع لأنّ أین. سؤال عن المکان، و من سؤال عن المهیة، و لأنّ الإله شامل للمعبود بالحقّ و الباطل، و اللّه اسم خاصّ بذاته تعالى لم یطلق على غیره لا فی الجاهلیّة و لا فی الإسلام کما صرّحوا به «تأمّل.»
1) رواه فی المواقف (ج 2 ص 339 ط مصر).
2) الجهة مثلثة الجیم جمعها الجهات مثلثة أیضا. الجانب و الناحیة.
3) الحیّز و الحیز. المکان.
4) کالفضل بن روزبهان الناصب و من یحذو حذوه، و یقفو اثره، من المتأخرین کالشیخ محمد زاهد الکوثرى، و الشیخ محمد بهجت البیطار الدمشقی، و السید محمود شکرى الآلوسى، و القصیمى، و جمال الدین القاسمى الدمشقی و غیرهم من اعلام القوم.