قال المصنّف رفع اللّه درجته
المبحث الثانی فی أنّه تعالى مخالف لغیره بذاته، العقل و السّمع تطابقا على عدم ما یشبهه تعالى، فیکون مخالفا لجمیع الأشیاء بنفس حقیقته، و ذهب أبو هاشم من الجمهور و أتباعه إلى أنّه یخالف ما عداه بصفة الالهیّة و أنّ ذاته مساویة لغیره من الذّوات، و قد کابر الضرورة هاهنا الحاکمة بأنّ الأشیاء المتساویة یلزمها لازم واحد لا یجوز اختلافها فیه، فلو کانت ذاته تعالى متساویة لغیرها من الذّوات لساوتها فی اللّوازم، فیکون القدم أو الحدوث أو التّجرّد أو المقارنة إلى غیر ذلک من اللّوازم مشترکا بینها و بین اللّه، تعالى اللّه عن ذلک علوّا کبیرا. ثم إنّهم ذهبوا مذهبا غریبا عجیبا: و هو أنّ هذه الصّفة الموجبة للمخالفة غیر معلومة، و لا مجهولة و لا موجودة و لا معدومة، و هذا الکلام غیر معقول فی غایة السفسطة «انتهى.»
قال النّاصب خفضه اللّه
أقول: مذهب الشّیخ أبی الحسن الأشعری أنّ ذاته تعالى مخالف لسائر الذّوات، و المخالفة بینه و بیننا لذاته المخصوص، لا لأمر زائد علیه، و هکذا ذهب إلى أنّ المخالفة بین کلّ موجودین من الموجودات إنّما هو بالذّات، و لیس بین الحقائق اشتراک إلا فی الأسماء و الأحکام دون الأجزاء المقوّمة، و قال قدماء
المتکلّمین: ذاته تعالى مماثلة لسائر الذّوات فی الذّاتیة و الحقیقة و إنّما یمتاز عن سائر الذّوات بأحوال امور أربعة، الوجوب و الحیاة و العلم التّام و القدرة التّامة، و أمّا عند أبی هاشم، فانّه یمتاز عمّا عداها من الذّوات بحالة خامسة هی الموجبة لهذه الأربعة تسمّى بالإلهیّة، و هذا مذهب أبی هاشم و هو من المعتزلة «انتهى.»
أقول [القاضى نور اللّه]
لم یفعل النّاصب فی هذا الفصل شیئا سوى إظهار أنّ أبا هاشم من المعتزلة، فنقول: نعم هو من المعتزلة، و من الجمهور المخالفین للإمامیّة فی مسألة الإمامة التی هی عمدة ما وقع فیه النّزاع و الإختلاف بین الامّة، و ما سلّ سیف فی الإسلام على قاعدة دینیّة مثل ما سلّ على الإمامة فی کلّ زمان کما ذکره الشّهرستانی فی الملل و النحل، فهم و أهل السّنة فی ذلک سواء، و الافتراق فی بعض المسائل الذی لا یوجب الکفر، و الإسلام لا یدفع المساواة حقیقة «فتأمّل (1) على أنّه یجوز أن یکون مراد المصنّف من قوله أتباعه، أى أتباع أبی هاشم فی هذه المسألة سائر المثبتین للحال، و منهم القاضی أبو بکر الباقلانی (2) و أبو المعالی الجوینی (3) من الأشاعرة فإنّ ظاهر کلام شارح المواقف حیث أشار إلى القول بالمخالفة بقوله: و إلیه ذهب نفاة الأحوال «إلخ» یدلّ على أنّ سائر المثبتین قائلون بالمماثلة، فقد شارک بعض الأشاعرة مع المعتزلة فی هذه المسألة أیضا تدبّر.
1) تدقیقى.
2) هو المحقق الشیخ ابو بکر محمد بن طیب القاضی الباقلانی الأشعری من مشاهیر علماء الجمهور توفى سنة 403 ببغداد و قبره بها.
3) هو امام الحرمین الجوینی الذی مرت ترجمته منا سابقا.