هو السلطان المؤید الموفق المسدد غیاث الدین الجایتو محمد المشتهر بخدابنده ابن ارغون شاه بن أباقاخان بن هولاکو (هلاکو خ ل) خان بن تولوى (تولى خ ل) خان بن چنگیز خان، الملک المغولی الشهیر، کان الجایتو من أعدل الملوک و أرأفهم و أبرّهم للرعیّة، ذا شوکة و نجدة و علوّ همة و حلم و وقار و سکینة و سلامة نفس و سخاء و کرم و سودد، وفّقه اللّه للاستبصار، و انتقل إلى مذهب التشیع باختیاره بعد ملاحظة أدلة الطرفین و کان استبصاره ببرکة آیة اللّه مولانا العلامة الحلّی.
قال المورخ الجلیل معین الدین النطنزی فی کتابه منتخب التواریخ الذی شرع فی تألیفه سنة 816 و أتمّه سنة 817، و طبع بطهران 1336 ما ملخّصه: إنّ السلطان محمّد خدا بنده الجایتو کان ذا صفات جلیلة و خصال حمیدة، لم یقترف طیلة عمره فجورا و فسقا، و کان أکثر معاشرته و مؤانسته مع الفقهاء و الزهّاد و السّادة و الأشراف، مصّر بلدة سلطانیة و بنى فیها تربة لنفسه ذات قبّة سامیة عجیبة، و عینها مدفنا له، وفّقه اللّه لتأسیس صدقات جاریة، منها: أنّه بنى ألف دار من بقاع الخیر و المستشفیات و دور الحدیث و دور الضیافة و دور السیادة و المدارس و المساجد و الخانقاهات بحیث أراح الحاضر و المسافر، و کان زمانه من خیر الأزمنة لأهل الفضل و التقى، ملک الممالک، و حکم علیها ستة عشرة سنة، و کان من بلاد العجم إلى إسکندریة مصر، و إلى ما وراء النهر تحت سلطته، توفى سنة 717 أو 719 و دفن بمقبرته التی أعدّها قبل موته فی بلدة سلطانیة إلى آخره.
و قال مولانا العلامة السعید القاضی الشهید فی المجالس ما محصّله: إنّ لفظة
(الجایتو) کلمة مغولیة معناها بالفارسیة (فرخنده)، و أنّ من آثار هذا السلطان بناء دار السّیادة فی أصفهان و کاشان و سیواس من بلاد الروم و فی مشهد امیر المؤمنین و بالشام و دیار بکر و غیرها، و عین لهذه الأبنیة عدّة أوقاف، إلى أن قال: و راج حال أهل العلم و الفضل فی دولة هذا السلطان العادل بحیث رتّب لهم مدرسة سیارة و کان ینتقل معه أین ما انتقل جماعة من العلماء و المدرّسین و المشتغلین، کمولانا العلامة الحلی و المولى بدر الدین التستری و المولى نظام الدین عبد الملک المراغی و المولى برهان الدین و الخواجة رشید الدین و السید رکن الدین الموصلی و الکاتبی القزوینی و الکیشی و قطب الدّین الفارسی و غیرهم، توفى لیلة عید الفطر سنة 716.
و فی کتاب تحفة الأبرار (المخطوط فی مکتبة العالم الفاضل السیّد مهدی اللازوردی القمی) للعلامة آقا محمّد جعفر الکرمانشاهی نقلا عن حمد اللّه المستوفی أنّه أنشد فی تاریخ وفاته:
از هفتصد و شانزده چو ماه گذشت
از تاج و کلاه خسروى شاه گذشت
بگذشت و جهان بىوفا را بگذاشت
آگاه ز حال خویش ناگاه گذشت
و استقر بعده ابنه السلطان أبو سعید بن شاه خدا بنده، قال: و کان الجایتو من أفاضل الملوک، سریع الانتقال حاضر الجواب، و تحکى عنه فی سرعة الذهن و حضوره غرائب و عجائب إلخ.
کفى فی جلالته و فضله ما ذکره مولانا العلامة فی حقّه فی دیباجة کتاب استقصاء النظر (ص 5 ط نجف) من قوله: و قد منحه اللّه بالقوّة القدسیّة، و خصّه بالکمالات النفسانیّة و القریحة الوقادة و الفکرة الصحیحة النقادّة، وفاق فی ذلک على جمیع الأمم، و زاد علما و فضلا على فضلاء من تأخر و تقدّم، و ألهمه اللّه العدل فی رعیّته و الإحسان إلى العلماء من أهل مملکته، و إفاضة الخیر و الانعام على جمیع الأنام،
إلى أن قال: لمّا أمرنی بسطر الأدلة الدّالة على أنّ للعبد اختیارا فی أفعاله و أنّه غیر مجبر علیها، إلخ.
و قال بعض أرباب التراجم ما لفظه: إنّ هذا الملک الجلیل کان ذا فضل و أدب و شعر، و هو الذی اختار لنفسه مذهب الامامیّة بعد التأمّل و التعمّل فی دلائل فرق الإسلام و حجج المذاهب، و کان على هذه العقیدة الحقّة إلى أن توفى.
أقول: و الشاهد على ذلک کلمات الموثّقین من المورّخین و الدّراهم التی ضربت باسمه قبیل وفاته بأیّام قلائل.
ثم اعلم أنّ لهذا الملک الجلیل عدّة بنین و بنات أشهر هم ابنه السلطان أبو سعید، و له و لإخوته عقب متسلسل و ذرّیة مبارکة، فیهم الفقهاء و الأمراء و الشعراء و أرباب الفضل و الحجى و الورع و التقى، و قد ذکرت أسماء بعضهم فی معاجم التراجم.
و لا یذهب علیک أنّه بعد ما اختار التشیّع لقب نفسه (بخدابنده)، و بعض المتعصّبین من العامة کابن حجر العسقلانی و غیره غیّروا ذاک اللّقب الشریف إلى (خربنده)، و ذلک لحمیّتهم الجاهلیّة الباردة، و من الواضح لدى العقلاء أنّ صیانة قلم المورّخ و طهارة لسانه و عفّة بیانه من البذاءة و الفحش من الشرائط المهمّة فی قبول نقله و الاعتماد علیه و الرّکون إلیه، و من العجب أنّ بعض المتأخرین من الخاصة تبع تعبیر القوم عن هذا الملک الجلیل و لم یتأمّل أنه لقب تنابزوا به، و ما ذلک إلا لبغض آل الرّسول الدّاء الدفین فی قلوبهم، و تلک الأحقاد البدریة و الحنینیة و إلا فما ذنب هذا الملک؟ بعد اعترافهم بجلالته و عدالته و شهامته ورقة قلبه، و حسن سیاسته و تدبیره، و هاک صورة الدّراهم التی ضربت باسمه فی محیطها أسماء الأئمة الطاهرین علیهم الصلاة و السّلام، و فی وسطها هذه الجمل (ضرب فی أیّام دولة
السلطان الأعظم مالک رقاب الأمم الجایتو سلطان غیاث الدنیا و الدّین خدا بنده محمّد خلّد اللّه ملکه.
هذا ما أهمّنا ذکره فی هذا المقام من ترجمته، و ترکنا الکثیر منها روما للاختصار و التفصیل یطلب من کتب التواریخ کروضة الصفا و حبیب السیر و تاریخ المغول و تواریخ بلاد العجم و غیرها.