قال المصنّف رفع اللّه درجته
و منها مخالفة المحسوس (خ ل و هی) و هو إسناد أفعال العباد إلى تحقق الدواعی و انتفاء الصّوارف لأنّ الطاعات حسنة و المعاصی قبیحة، و أنّ الحسن جهة دعاء و القبح جهة صرف، فیثبت للّه تعالى فی الطاعة دعوى الداعی إلیها، و انتفاء الصارف عنها، و فی القبیح ثبوت الصارف، و انتفاء الداعی، لأنّه لیس داعی الحاجة لاستغنائه تعالى، و لا داعی الحکمة لمنافاتها إیّاه، و لا داعی الجهل لإحاطة علمه به، فحینئذ یتحقق ثبوت الدّاعی إلى الطاعات و ثبوت الصّارف فی المعاصی، فثبت إرادته للأول و کراهته للثانی «انتهى».
قال النّاصب خفضه اللّه
أقول: إسناد أفعال العباد إلى تحقّق الدّواعی و انتفاء الصّوارف، لا ینافی سبق إرادة اللّه تعالى لأفعالهم و خلقه لها، لأنّ الاسناد بواسطة الکسب (1) و المباشرة،
فلا یکون مخالفة للمحسوس، و أمّا ما ذکره من الدلیل فهو مبنی على إثبات الحسن و القبح العقلیّین، و قد أبطلنا هما «انتهى».
أقول: [القاضى نور اللّه]
إن النّاصب لم یفهم أن مراد المصنّف قدّس سرّه من الداعی ما ذا؟ فانّ مراد المصنّف بالدّاعی الإرادة المفسرة عنده و عند سائر الامامیة، و جمهور المعتزلة بالعلم بالنفع و العلم بالأصلح على اختلاف العبارتین، و حینئذ کیف یمکن أن یتوهّم من کلام المصنّف أنّه ادّعى أنّ إسناد أفعال العباد إلى تحقّق الدّواعی و انتفاء الصّوارف ینافی سبق إرادة اللّه تعالى؟ حتّى یرد علیه، بأنّه لا ینافی ذلک، و بالجملة حاصل کلام المصنّف أنّ ما ذهب إلیه الأشاعرة من أنّه تعالى یرید کلّ ما وقع فی الوجود من الطاعة و المعصیة یخالف ما هو المحسوس من إسناد الأفعال إلى داعی الإرادة المفسّرة بالعلم بالنفع، فانّه لو کان الباری تعالى مریدا لکلّ الموجودات کما قالوا یلزم أن یفعل من غیر علم بالنّفع و بدون ملاحظة الأصلح، إذ لا نفع و لا أصلحیّة فی إصدار بعض تلک الموجودات و هی القبائح المحکوم علیها فی الشّاهد بالقباحة، و على هذا لا یصیر کلام الناصب مقابلا لکلام المصنّف أصلا کما لا یخفى، و من حصل له معنى محصّلا مرتبطا بکلام المصنّف فنحن فی صدد الاستفادة، و أمّا ما ذکره من إبطال قاعدة الحسن و القبح العقلیّین، فقد عرفت بطلان إبطاله ممّا قرّرناه آنفا.
1) قد مر الکلام مشبعا فی مسألة (الکسب) و ان هذا المخترع بأی معنى فسر لا یسمن و لا یغنى من جوع و ان شناعة الجبر و سائر التوالی الفاسدة التی تترتب على هذه المقالة لا تندفع بالالتزام بالکسب الغیر الکاسب و المکتسب، و من أمعن النظر و أجال البصر فی خبایا کلمات الرازی فی الأربعین و الغزالی و الشریف فی شرح المواقف و الاصفهانى فی شرح المقاصد و أبى عذبة فی الروضة البهیة، ظهر له غایة الظهور أنهم مضطربون فی تفسیر هذا الکسب المخترع فی قبال العدلیة فما أجدر المثل المشهور لم تقول شعرا عریا عن الوزن حتى تضطر الى اختراع بحر و وزن له؟ اللهم احرسنا عن الزلل بجاه نبی الهدى و اله مصابیح الدجی.