جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

و منها أنّه یلزم تجویز تعذیب أعظم المطیعین للّه تعالى‏

زمان مطالعه: 3 دقیقه

قال المصنّف رفع اللّه درجته‏

و منها أنّه یلزم تجویز تعذیب أعظم المطیعین للّه تعالى کالنّبی صلى اللّه علیه و اله، بأعظم أنواع العذاب، و إثابة أعظم العاصین له کإبلیس و فرعون بأعظم مراتب الثّواب، لأنّه إذا کان یفعل لا لغرض و غایة، و لا لکون الفعل (1) حسنا و لا یترک الفعل لکونه‏

قبیحا، بل مجانا لغیر غرض لم یکن تفاوت بین سیّد المرسلین و بین إبلیس فی الثواب و العقاب، فانّه لا یثیب المطیع لطاعته، و لا یعاقب العاصی لعصیانه، فهذان الوصفان إذا تجرّدا عند الاعتبار فی الاثابة و الانتقام لم یکن لأحدهما أولویة الثّواب و لا العقاب دون الآخر، فهل یجوز لعاقل یخاف اللّه تعالى و عقابه أن یعتقد فی اللّه تعالى مثل هذه العقائد الفاسدة؟ مع أنّ الواحد منّا لو نسب غیره إلى أنّه یسی‏ء إلى من أحسن إلیه و یحسن إلى من أساء إلیه قابله بالشتم و السّب، و لم یرض ذلک منه، فکیف یلیق أن ینسب ربّه إلى شی‏ء یکرهه أدون النّاس لنفسه؟!

قال النّاصب خفضه اللّه‏

أقول: هذا الوجه بطلانه أظهر من أن یحتاج إلى بیان، لأنّ أحدا لم یقل بأنّ الفاعل المختار الحکیم لم یلاحظ غایات الأشیاء و الحکم و المصالح فیها، فانّهم یقولون فی إثبات صفة العلم: إنّ أفعاله متقنة، و کلّ من کان أفعاله متقنة فلا بدّ أن یلاحظ الغایة و الحکمة، فملاحظة الغایة و الحکمة فی الأفعال لا بدّ من إثباته بالنسبة إلیه تعالى، و إذا کان کذلک، کیف یجوز التسویة بین العبد المطیع و العبد العاصی؟ و عندی أنّ الفریقین من الأشاعرة و المعتزلة و من تابعهم من الامامیة لم یحرّروا هذا النزاع، و لم یبیّنوا محلّه، فانّ جلّ أدلة المعتزلة دلت على أنّهم فهموا من کلام الأشاعرة نفى الغایة و الحکمة و المصلحة، و أنّهم یقولون: إنّ أفعاله اتّفاقیات کأفعال من لم یلاحظ الغایات، و اعتراضاتهم واردة على هذا، فنقول:

الأفعال الصّادرة من الإنسان مثلا مبدؤها دواعی مختلفة، و لا بدّ لهذه الدواعی المختلفة من ترجیح بعضها على بعض، و المرجّح هو الإرادة الحادثة، فذلک الدّاعی الذی بعده الفاعل على الفعل مقدّم على وجود الفعل، و لولاه لم یکن للفاعل المختار أن یفعل ذلک الفعل، فهذا الفاعل بالاختیار یحتاج فی صدور الفعل عنه إلى ذلک الباعث و هو العلّة الغائیّة و الغرض، هذا تعریف الغرض فی اصطلاح القوم، فان عرض‏

هذا على المعتزلی فاعترف بأنه تعالى فی أفعاله صاحب هذا الغرض لزمه إثبات الاحتیاج للّه تعالى فی أفعاله و هو لا یقول بهذا قطّ، لأنّه ینفی الصّفات الزّائدة لیدفع الاحتیاج، فکیف یجوز الغرض المؤدّی إلى الاحتیاج؟ فلا شکّ أنّه ینفی الصّفات الزّائدة لیدفع الاحتیاج إلى هذا من اللّه تعالى، فبقى أنّ مراده من إثبات الغرض دفع العبث من أفعاله تعالى، فهو یقول: إنّ اللّه تعالى مثلا خلق الخلق للمعرفة یعنی غایة الخلق و المصلحة التی لاحظتها حکمة اللّه تعالى و دارت علیها هی المعرفة، لا أنّه یفعل الأفعال لا لغرض و مقصود کالعابث و اللّاعب، فهذا عین ما یقوله الأشاعرة:

من إثبات الغایة و المصلحة، فعلم أنّ النّزاع نشأ من عدم تحریر المدّعى «انتهى».

أقول: [القاضى نور اللّه‏]

من العجب! أنّه یحکم بأنّ بطلان ما ذکره المصنّف أظهر من أن یخفى، ثم یحکم آخرا بأنّه صالح للصّلح بوجه؛ و أما ما ذکره بقوله: لأنّ أحدا لم یقل: بأنّ الفاعل المختار، لم یلاحظ غایات الأشیاء «إلخ».

فانّما یدلّ على عدم القول: بأنّ الفاعل للشی‏ء غیر ملاحظ لغایته، بمعنى أنّه یتصوّر تلک الغایة و المصلحة الحاصلة فی ذات الشی‏ء، لا أنّه یجعل تلک الغایة و المصلحة منشئا و علّة لصدور ذلک الشی‏ء عنه، و المعتزلة یوجبون ملاحظة الفاعل لغایة الشّی‏ء، بمعنى قصده کون تلک الغایة منشئا و علّة لصدور ذلک الشّی‏ء عنه، و أین هذا من ذاک؟! و من البیّن أنّ مجرّد تصوّر الغایة الحاصلة فی ذات الفعل بدون أن یجعل منشئا لصدور الفعل، لا یمنع عن التّسویة بین العبد المطیع و العبد العاصی، لجواز أن یتصوّر ذلک، و لا یجعله علّة و منشئا لصدور الفعل، فیجوز استعماله فی خلاف ما اقتضته الغایة الکائنة فیه، و أمّا ما ذکره من الصّلح فهو مبنیّ على تخلیطه المذکور فیکون صلحا من غیر تراضی الخصمین.


1) فیه إشارة الى أن ما قالوه فی هذا المقام من ان أفعاله تعالى مشتملة على الحکمة و المصلحة فی ذاته لکن لیس ملحوظا له ذلک على وجه العلیة و الغرضیة ینافی ما قالوا فی بحث الحسن و القبح من انه لا حسن للفعل فی نفسه قبل ورود الشرع تأمل. منه «قده».