ذهب ابن تیمیة، و تبعه محمّد بن عبد الوهاب- مخالفَین الأُمّة الإسلامیّة جمعاء- إلى أنّه لا یجوز طلب الشفاعة من الأولیاء فی هذه النشأة و لا یجوز للمؤمن أن یقول: «یا رسول اللّه اشفع لی یوم القیامة».
و إنّما یجوز له أن یقول: «اللّهم شفّع نبیّنا محمّداً فینا یوم القیامة».
و استدلا على ذلک بوجوه تالیة:
1. إنّه من أقسام الشرک، أی الشرک بالعبادة، و القائل بهذا الکلام یعبد الولی. (1)
و الجواب عنه ظاهر، بما قدّمناه فی حقیقة الشّرک فی العبادة، و هی أن یکون الخضوع و التذلّل لغیره تعالى باعتقاد أنّه إله أو ربّ، أو أنّه مفوّض إلیه
فعل الخالق و تدبیره و شئونه، لا مطلق الخضوع و التذلّل.
2. إنّ طلب الشفاعة من النبیّ یشبه عمل عبدة الأصنام فی طلبهم الشفاعة من آلهتهم الکاذبة، یقول سبحانه:
«وَ یَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا یَضُرُّهُمْ وَ لا یَنْفَعُهُمْ وَ یَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ» (2)
و على ذلک فالاستشفاع من غیره سبحانه عبادة لهذا الغیر. (3)
و یردّه أنّ المعیار فی القضاء لیس هو التشابه الصوری، بل المعیار هو البواطن و العزائم، و إلّا لوجب أن یکون السعی بین الصفا و المروة و الطواف حول البیت شرکاً، لقیام المشرکین به فی الجاهلیة، و هؤلاء المشرکون کانوا یطلبون الشفاعة من الأوثان باعتقاد أنّها آلهة أو أشیاء فوّض إلیها أفعال اللّه سبحانه من المغفرة و الشفاعة.
و أین هذا ممّن طلب الشفاعة من الأنبیاء و الأولیاء بما أنّهم عباد اللّه الصالحون، فعطف هذا على ذلک جور فی القضاء و عناد فی الاستدلال.
3. إنّ طلب الشفاعة من الغیر دعاء له و دعاء غیره سبحانه حرام، یقول سبحانه:
«فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً» (4)
و یردّه أنّ مطلق دعاء الغیر لیس محرّماً و هو واضح، و إنّما الحرام منه ما یکون عبادة له بأن یعتقد الأُلوهیة و الربوبیّة فی المدعوّ، و الآیة ناظرة إلى هذا القسم بقرینة قوله: «مَعَ اللَّهِ» أی بأن یکون دعاء الغیر على وزان دعائه تعالى و فی مرتبته، و یدلّ علیه قوله سبحانه- حاکیاً قولهم یوم القیامة-: «تَاللَّهِ إِنْ کُنَّا لَفِی ضَلالٍ مُبِینٍ – إِذْ نُسَوِّیکُمْ بِرَبِّ الْعالَمِینَ» (5)
4. إنّ طلب الشفاعة من المیّت أمر باطل.
و یردّه إنّ الإشکال ناجم من عدم التعرّف على مقام الأولیاء فی کتاب اللّه الحکیم، و قد عرفت فی الفصول السابقة إنّ القرآن یصرّح بحیاة جموع کثیرة من الشهداء، و غیرهم، و لو لم یکن للنبی صلى الله علیه و آله حیاة فما معنى التسلیم علیه فی کلّ صباح و مساء و فی تشهّد کلّ صلاة: «السلام علیک أیّها النبیّ و رحمة اللّه و برکاته»؟!
و المؤمنون لا یطلبون الشفاعة من أجساد الصالحین و أبدانهم، بل یطلبونها من أرواحهم المقدّسة الحیّة عند اللّه سبحانه، بأبدان برزخیة.
1) الهدیة السنیة: 42.
2) یونس: 18.
3) کشف الشبهات لمحمد بن عبد الوهاب: 6.
4) الجن: 18.
5) الشعراء: 97- 98.