و الجواب مثبت، لأنّ التعذیب حقّ للمولى سبحانه و له إسقاط حقّه، فیجوز ذلک إذا اقتضته الحکمة الإلهیّة و لم یکن هناک مانع عنه.
و قد خالف معتزلة بغداد فی ذلک، فلم یجوّزوا العفو عن العصاة عقلًا، و استدلّوا علیه بوجهین:
الأوّل: «إنّ المکلّف متى علم أنّه یفعل به ما یستحقّه من العقوبة على کلّ وجه، کان أقرب إلى أداء الواجبات و اجتناب الکبائر». (1)
یلاحظ علیه: أنّه لو تمّ لوجب سدّ باب التوبة، لإمکان أن یقال إنّ المکلّف متى علم أنّه لا تقبل توبته کان أقرب إلى الطاعة و أبعد من المعصیة.
أضف إلى ذلک أنّ للرجاء آثاراً بنّاءة فی حیاة الإنسان، و للیأس آثاراً سلبیة فی الإدامة على الموبقات، و لأجل ذلک جاء الذکر الحکیم بالترغیب و الترهیب معاً.
ثمّ إنّ الکلام فی جواز العفو لا فی حتمیته، و الأثر السّلبی- لو سلّمناه- یترتّب على الثانی دون الأوّل.
الثانی: إنّ اللّه أوعد مرتکب الکبیرة بالعقاب، فلو لم یعاقب، للزم الخلف فی وعیده و الکذب فی خبره و هما محالان. (2)
و الجواب: أنّ الخلف فی الوعد قبیح دون الوعید، و الدلیل على ذلک أنّ کلّ عاقل یستحسن العفو بعد الوعید فی ظروف خاصّة، و الوجه فیه أنّ الوعید لیس جعل حقّ للغیر بخلاف الوعد، بل الوعید حق لمن یَعِد فقط، و له إسقاط حقّه، و الصدق و الکذب من أحکام الإخبار دون الإنشاء، و الوعید إنشاء لیس بإخبار فلا یعرضه الکذب.
1) شرح الأُصول الخمسة: 646.
2) شرح العقائد العضدیة، لجلال الدین الدوانی: 2 / 194.