جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

نظریة التفویض‏ (2)

زمان مطالعه: 2 دقیقه

المنقول عن المعتزلة هو أنّ أفعال العباد مفوَّضة إلیهم و هم الفاعلون لها بما منحهم اللّه من القدرة، و لیس للّه سبحانه شأن فی أفعال عباده، قال القاضی عبد الجبّار:

ذکر شیخنا أبو علی رحمه الله: اتّفق أهل العدل على أنّ أفعال العباد من تصرّفهم و قیامهم و قعودهم، حادثة من جهتهم، و أن اللّه عزّ و جلّ أقدرهم على ذلک و لا فاعل لها و لا محدث سواهم. (1)

و قال أیضاً:

فصلٌ فی خلق الأفعال، و الغرض به، الکلام فی أنّ أفعال العباد غیر مخلوقة فیهم و أنّهم المُحدِثون لها. (2)

ثمّ إنّ دافع المعتزلة إلى القول بالتفویض هو الحفاظ على العدل الإلهی، فلمّا کان العدل عندهم هو الأصل و الأساس فی سائر المباحث،

عمدوا إلى تطبیق مسألة أفعال العباد علیه، فوقعوا فی التفویض لاعتقادهم بأنّ القول بکون أفعال العباد مخلوقة للّه سبحانه ینافی عدله تعالى و حدّدوا بذلک خالقیته تعالى و سلطانه. و الّذی أوقعهم فی هذا الخطأ فی الطریق، أمران:

أحدهما: خطؤهم فی تفسیر کیفیّة ارتباط الأفعال إلى الإنسان و إلیه تعالى، فزعموا أنّهما عرضیان، فأحدهما ینافی الآخر و یستحیل الجمع بینهما، و بما أنّهم کانوا بصدد تحکیم العدل الإلهی لجئوا إلى التفویض و نفی ارتباط الأفعال إلى اللّه تعالى؛ قال القاضی عبد الجبّار:

إنّ من قال إنّ اللّه سبحانه خالقها (أفعال العباد) و محدثها، فقد عظم خطأه. (3)

یلاحظ علیه: أنّ الإنسان لا استقلال له، لا فی وجوده، و لا فیما یتعلّق به من الأفعال و شئونه الوجودیة، فهو محتاج إلى إفاضة الوجود و القدرة إلیه من اللّه تعالى مدى حیاته، قال سبحانه:

«یا أَیُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ». (4)

و ثانیهما: عدم التفکیک بین الإرادة و القضاء التکوینیین و التشریعیین، فالتکوینی منهما یعمّ الحسنات و السیّئات بلا تفاوت، و لکنّ التشریعی منهما لا یتعلّق إلّا بالحسنات، قال سبحانه: «إِنَّ اللَّهَ لا یَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ». (5)

و قال سبحانه: «قُلْ أَمَرَ رَبِّی بِالْقِسْطِ». (6)

فالآیات النازلة فی تنزیهه تعالى عن الظلم و القبائح إمّا راجعة إلى أفعاله سبحانه، و مدلولها أنّه سبحانه منزّه عن فعل القبیح مطلقاً، و إمّا راجعة إلى أفعال العباد، و مدلولها أنّه تعالى لا یرضاها، و لا یأمر بها بل یکرهها و ینهى عنها، فالتفصیل بین حسنات أفعال العباد و قبائحها إنّما یتمّ بالنسبة إلى الإرادة و القضاء التشریعیین، لا التکوینیین، و هذا هو مذهب أئمّة أهل البیت علیهم السلام.

روى الصدوق بأسناده عن الرضا عن آبائه عن الحسین بن علی علیهم السلام قال: سمعت أبی علی بن أبی طالب علیه السلام یقول:

«الأعمال على ثلاثة أحوال: فرائض، و فضائل، و معاصی. فأمّا الفرائض فبأمر اللّه تعالى و برضى اللّه و بقضائه و تقدیره و مشیّته و علمه. و أمّا الفضائل فلیست بأمر اللّه، و لکن برضى اللّه و بقضاء اللّه و بقدر اللّه و بمشیّة اللّه و بعلم اللّه. و أمّا المعاصی فلیست بأمر اللّه، و لکن بقضاء اللّه و بقدر اللّه و بمشیّة اللّه و بعلمه، ثمّ یعاقب علیها». (7)

و قال أبو بصیر: قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام: شاء لهم الکفر و أراده؟ فقال: «نعم» قلت: فأحبّ ذلک و رضیه؟ فقال: «لا» قلت: شاء و أراد ما

لم یحب و لم یرض به؟ قال: «هکذا خرج إلینا». (8)

إلى غیر ذلک من الروایات، و مفادها کما ترى هو التفکیک بین الإرادة التکوینیة و التشریعیة، أعنی: الرضی الإلهی، فالمعاصی و إن لم تکن برضى من اللّه و لم یأمر بها، و لکنّها لا تقع إلّا بقضاء اللّه تعالى و قدره و علمه و مشیّته التکوینیة.


1) المغنی فی أصول الدین: 6 / 41، الإرادة.

2) شرح الأصول الخمسة: 323.

3) المغنی: 6 / 41، الإرادة.

4) فاطر: 15.

5) الأعراف: 28.

6) الأعراف: 29.

7) بحار الأنوار: 5 / 29 نقلًا عن التوحید و الخصال و العیون.

8) نفس المصدر: 121، نقلًا عن المحاسن.