اتّهمت الشیعة من جانب بعض المخالفین بالقول بتحریف القرآن و نقصانه، و لکنّ المراجعة إلى أقوال أکابر الطائفة و أقطابهم یثبت خلاف ذلک، و إلیک فیما یلی نصوص بعض أعلامهم؛ (1)
قال الصدوق (المتوفّى 381 ه):
اعتقادنا أنّ القرآن الّذی أنزله اللّه تعالى على نبیه محمّد صلى الله علیه و آله هو ما بین الدفّتین، و هو ما فی أیدی الناس لیس بأکثر من ذلک، و من نسب إلینا إنّا نقول إنّه أکثر من ذلک فهو کاذب. (2)
و قال السید المرتضى (المتوفّى 436 ه):
إنّ القرآن معجزة النبوّة و مأخذ العلوم الشرعیة و الأحکام الدینیة، و علماء المسلمین قد بلغوا فی حفظه و حمایته الغایة حتى عرفوا کلّ شیء اختلف فیه من إعرابه و قراءته و حروفه و آیاته، فکیف یجوز أن یکون مغیّراً و منقوصاً مع العنایة الصادقة و الضبط الشدید. (3)
و قال شیخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسی (المتوفّى 460 ه):
إنّ الزیادة فیه مجمع على بطلانها، و أمّا النقصان منه، فالظاهر أیضاً من مذهب المسلمین خلافه، و هو الألیق بالصحیح من مذهبنا، و هو الّذی نصره المرتضى، و هو الظاهر من الروایات. (4)
و قال أمین الإسلام الطبرسی (المتوفّى 548 ه):
أمّا الزیادة فمجمع على بطلانها، و أمّا النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا و قوم من حشویة أهل السنّة إنّ فی القرآن نقصاناً و الصحیح من مذهبنا خلافه. (5)
و قال العلّامة الحلّی (المتوفّى 726 ه):
الحقّ أنّه لا تبدیل و لا تأخیر و لا تقدیم، و أنّه لم یزد و لم ینقص، و نعوذ باللّه من أن یعتقد مثل ذلک، فإنّه یوجب تطرق الشک إلى معجزة الرسول المنقولة بالتواتر. (6)
هؤلاء ثُلّة من أعلام الشیعة فی القرون السابقة من رابعها إلى ثامنها، و یکفی ذلک فی إثبات أنّ نسبة التحریف إلى الشیعة ظلم و عدوان، و أمّا المتأخّرون فحدِّث عنه و لا حرج، و نکتفی منهم بنقل کلمة للأُستاذ الأکبر الإمام الخمینی قدس سره فی هذا المجال، حیث قال:
إنّ الواقف على عنایة المسلمین بجمع الکتاب و حفظه و ضبطه، قراءة و کتابة، یقف على بطلان تلک المزعمة (التحریف) و أنّه لا ینبغی أن یرکن إلیها ذو مسکة، و ما ورد فیه من الأخبار بین ضعیف لا یستدلّ به، إلى مجعول تلوح منه أمارات الجعل، إلى غریب یقضى منه العجب، إلى صحیح یدلّ على أنّ مضمونه، تأویل الکتاب و تفسیره. (7)
أجل، الغفلة عن ذلک و عدم التفرقة بین تأویل القرآن و تنزیله دعا بعضهم إلى القول بالتحریف، قال المفید (المتوفّى 413 ه):
قد قال جماعة من أهل الإمامة إنّه لم ینقص من کلمة و لا من آیة و لا من سورة، و لکن حذف ما کان مثبتاً فی مصحف أمیر المؤمنین علیه السلام من تأویله و تفسیر معانیه على حقیقة تنزیله، و ذلک کان ثابتاً منزلًا و إن لم یکن من جملة کلام اللّه تعالى الّذی هو القرآن المعجز و قد یسمّى تأویل القرآن قرآناً- إلى أن قال:-
و عندی أنّ هذا القول أشبه من مقال من ادّعى نقصان کلم من نفس القرآن على الحقیقة دون التأویل، و إلیه أمیل و اللّه أسأل توفیقه للصواب. (8)
1) و لهم على إبطال مزعمة التحریف وجوه عدیدة یطول المقام بذکرها، راجع فی ذلک، مقدمة تفسیر آلاء الرحمن للعلّامة البلاغی؛ و تفسیر المیزان للعلّامة الطباطبائی: 12 / 106- 137؛ و تفسیر البیان للمحقّق الخوئی: 215- 254؛ و إظهار الحق للعلّامة الهندی: 2 / 128؛ و صیانة القرآن عن التحریف للأُستاذ محمد هادی معرفة، فإنّ فیها غنى و کفایة لطالب الحق.
2) الاعتقادات فی دین الإمامیة: 59، الباب 33، باب الاعتقاد فی مبلغ القرآن.
3) المسائل الطرابلسیات.
4) تفسیر التبیان: 1 / 3.
5) مجمع البیان، المقدمة.
6) أجوبة المسائل المهنّائیة: المسألة 13.
7) تهذیب الأُصول: 2 / 165.
8) أوائل المقالات: الباب 81، 59.