قال المصنّف رفع اللّه درجته
المطلب الثامن فی امتناع تکلیف ما لا یطاق، قالت الإمامیّة إنّ اللّه تعالى یستحیل علیه من حیث الحکمة تکلیف (خ ل أن یکلف) العبد بما لا قدرة له علیه
و لا طاقة له به، و أن یطلب منه فعل ما یعجز عنه و یمتنع منه، فلا یجوز له أن یکلّف الزمن الطیران إلى السماء، و لا الجمع بین الضدین، و لا بکونه فی المشرق حال کونه فی المغرب، و لا إحیاء الموتى، و لا إعادة آدم و نوح، و لا إعادة أمس الماضی، و لا إدخال جبل قاف (1) فی خرم (2) الإبرة، و لا شرب ماء دجلة فی جرعة واحدة و لا إنزال الشّمس و القمر إلى الأرض، إلى غیر ذلک من المحالات الممتنعة لذاتها، و ذهبت الأشاعرة إلى أنّ اللّه تعالى لم یکلّف العبد إلّا ما لا یطاق، و لا یتمکن من فعله، فخالفوا المعقول الدّال على قبح ذلک، و هو أنّه تعالى لا یفعل القبیح، و المنقول و هو المتواتر من الکتاب العزیز، قال اللّه تعالى: لا یُکَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها (3) وَ ما رَبُّکَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِیدِ (4) لا ظُلْمَ الْیَوْمَ (5) وَ لا یَظْلِمُ رَبُّکَ
أحدا (6)، و الظلم هو الإضرار بغیر المستحق و أىّ إضرار أعظم من هذا، مع أنّه غیر مستحق، تعالى اللّه عن ذلک علوا کبیرا «انتهى».
قال النّاصب خفضه اللّه
أقول: مذهب الأشاعرة أنّ تکلیف ما لا یطاق جائز، و المراد من هذا الجواز الإمکان الذاتی، و هم متفقون أنّ التکلیف بما لا یطاق لم یقع قطّ فی الشریعة بحکم الاستقراء، و لقوله تعالى: لا یُکَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها، و الدلیل على جوازه أنّه تعالى لا یجب (7) علیه شیء فیجوز له التکلیف بأىّ وجه أراد، و إن کان العلم العادیّ أفادنا عدم وقوعه، و أیضا لا یقبح من اللّه شیء، إذ یَفْعَلُ (8) ما یَشاءُ یَحْکُمُ ما یُرِیدُ، و مذهب المعتزلة عدم جواز التکلیف بما لا یطاق لأنّه قبیح عقلا بما ذکره
هذا الرّجل من أنّ المکلّف للزّمن الطیران إلى السّماء و أمثاله یعدّ فی العقل سفیها، و قد مرّ فیما مضى إبطال الحسن و القبح العقلیّین، و لا بدّ فی هذا المقام من تحریر محل النّزاع فنقول: إن ما لا یطاق على مراتب، أحدها أن یمتنع الفعل لعلم اللّه (9) بعدم وقوعه، أو تعلّق إرادته أو إخباره بعدمه فإنّ مثله لا یتعلق به القدرة الحادثة مع الفعل (10) لا قبله؛ و لا یتعلّق بالضّدین بل لکلّ واحد منهما قدرة على حدّه یتعلّق به حال وجوده عندنا، و مثل هذا الشّیء لمّا لم یتحقّق أصلا فلا تکون له قدرة حادثة تتعلّق به قطعا، و التّکلیف بهذا جائز، بل واقع إجماعا، و إلّا لم یکن العاصی بکفره و فسقه مکلّفا بالایمان و ترک الکبائر، بل لا یکون تارک المأمور به عاصیا أصلا و ذلک معلوم بطلانه من الدّین ضرورة الثانی: أن یمتنع
لنفس مفهومه کجمع الضّدین و قلب الحقائق، و إعدام القدیم، فقالت الأشاعرة فی هذا القسم إنّ جواز التّکلیف به فرع تصوره، و هو مختلف فیه، فمنهم من قال: لا یتصور(11) الممتنع لذاته، و منهم من قال: بإمکان تصوره، و بالجملة لا یجوز التّکلیف به أصلا، لأنّ المراد بهذا الجواز الإمکان الذاتی، و التّکلیف بالممتنع طلب تحصیل ما لم یمکن بالذّات
و هذا باطل الثالث: أن لا یتعلّق به القدرة الحادثة عادة سواء امتنع تعلّقها به لا لنفس مفهومه بأن لا یکون من جنس ما یتعلق به کخلق الأجسام، فإن القدرة الحادثة لا تتعلق بإیجاد الجواهر أصلا أم لا، بأن یکون من جنس ما یتعلّق به، لکن یکون من نوع أو صنف لا یتعلّق به کحمل الجبل و الطیران إلى السماء و سائر المستحیلات العادیّة، فهذا هو محلّ النّزاع، و نحن نقول: بجوازه لإمکانه الذاتی، و المعتزلة یمنعونه لقبحه
العقلّی مع أنّا قائلون: بأنّه لم یقع، و هذا مثل سائر ما تجوزه الأشاعرة من الأمور الممکنة کالرّؤیة و غیرها، و التّجویز العقلی لا یستلزم الوقوع «انتهى»
أقول: [القاضى نور اللّه]
فیه نظر من وجوه؛ أما أولا فلأنّ ما ذکره من أن المراد من جواز التّکلیف بما لا یطاق إمکانه الذاتی دون الوقوعی إنما هو مذهب بعض متأخّری الأشاعرة الذین فرّوا عن الشّناعات اللّازمة لمذهب شیخهم، و أمّا مذهب شیخهم و من تابعه من متقدّمی أصحابه و هو الذی قصد المصنّف أن یتکلّم علیه هاهنا، فهو الإمکان الوقوعى کما یدلّ علیه استدلالهم بالتّکلیف بإیمان أبی لهب (12) و نحوه، و قال الغزالی فی المنخول:
إنّ هذا المذهب لائق بمذهب شیخنا لازم له من وجهین آخرین، أحدهما: أنّ القدرة الحادثة عنده لا تأثیر له فی المقدور، فهو واقع باختراع اللّه تعالى فقد کلّفنا فعل الغیر، و الآخر: أنّ القاعدة عنده غیر قادر على القیام و هو مأمور بالقیام و قدرة القیام تقارن القیام «انتهى».
فقول الناصب: و هم متّفقون أنّ التّکلیف بما لا یطاق لم یقع قطّ فی الشّریعة بحکم الاستقراء «إلخ» یکون کذبا و سنزید ذلک وضوحا عن قریب إن شاء اللّه تعالى، و أما ثانیا فلأنّ ما ذکره فی الدلیل على الجواز من أنّه لا یجب علیه تعالى شیء مردود بما مرّ: من أن نفى الوجوب بالمعنى الذی ذکره أهل العدل مخالف للعقل و النّقل
کقوله تعالى کَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ (13) و کذا الکلام فی قولهم: لا یقبح من اللّه شیء فانّه أیضا مردود بما مرّ مرارا، و أما ثالثا فلأنّ ما ذکره فی بیان المرتبة الاولى من مراتب التّکلیف بما لا یطاق بقوله: و التّکلیف بهذا جائز، بل واقع إجماعا، و إلّا لم یکن العاصی بکفره و فسقه مکلّفا بالایمان و ترک الکبائر «إلخ» ممّا ذکره صاحب المواقف و حاصله على ما صرّح به فی شرح مختصر ابن الحاجب أنّه لو لم یصح التّکلیف بالمحال لم یقع، و قد وقع لأنّ العاصی مأمور و یمتنع منه الفعل، لأنّ اللّه تعالى قد علم أنّه لا یقع و خلاف معلومه محال، و إلا لزم جهله و قد أجیب عنه بوجهین مذکورین هناک أیضا؛ أحدهما: أنّ ما ذکرتم لا یمنع (14) إمکان الوقوع لجواز وقوعه من المکلّف فی الجملة، و إن امتنع بغیره من علم أو خبر أو غیرهما فهو استدلال على غیر محل النّزاع، و ثانیهما: أنّ دلیلکم هذا یبطل المجمع علیه، فیکون باطلا بیانه: أنّ ذلک یستدعی أنّ التکالیف کلّها تکلیف بالمستحیل، لوجوب (15) وجود الفعل أو عدمه لوجوب تعلّق العلم بأحدهما و أیّا ما کان تعیّن و امتنع الآخر، و لما ذهب إلیه الأشعری من کون القدرة مع الفعل و کون الأعمال مخلوقة للّه تعالى، فإنهما ظاهران فی استلزامهما کلیة لکون التکلیفات مستحیلة «انتهى» و قد أجاب عنه المصنّف قدّس سره أیضا فی کتاب نهایة الوصول من وجوه تسعة فلیطالع ثمّة، و اما رابعا: فلأنّ ما ذکره فی بیان المرتبة الثّالثة تبعا لصاحب المواقف أنّ هذا هو محل النّزاع مردود،
باستلزامه لأن یکون کثیرا من أدلة الأشاعرة هاهنا غیر منطبق على محل النّزاع کما صرّح به صاحب المواقف أیضا فی آخر هذا التحریر، حیث قال: و بما قرّرناه من تحریر محلّ النّزاع یعلم أنّ کثیرا من أدلة أصحابنا مثل ما قالوا فی إیمان أبی لهب و کونه مأمورا بالجمع بین المتناقضین، نصب للدّلیل فی غیر محل النّزاع «انتهى». و لا یذهب علیک أنّ صاحب المواقف إنّما ارتکب تحریر محل النّزاع على الوجه الذی لزم منه بطلان أکثر أدلة أصحابه للفرار عمّا هو أشنع من ذلک، و هو القول بجواز تکلیف المحال لذاته، و هذا فی الحقیقة حیلة منه للتفصی (16) عن تلک الشناعة و إلّا فمحل النّزاع عند أصحابه لیس مخصوصا بما ذکره فی المرتبة الثالثة من المستحیلات العادیّة، قد أشار إلى هذا الشارح (17) قدّس سره الشریف بقوله لقائل أن یقول: إنّ ما ذکره من أنّ جواز التّکلیف بالممتنع لذاته فرع تصوّره و أنّ بعضا منّا قالوا: بوقوع تصوّره یشعر بأن هؤلاء یجوزونه أى یجوزون التکلیف بالمحال لذاته، و یدل على ذلک کلام العلّامة (18) الشیرازی فی شرح مختصر
الأصول حیث قال: اعلم أنّ الامة اختلفوا (19) فی جواز التّکلیف بالممتنع، و هو إمّا أن یکون ممتنعا لذاته کالجمع بین الضدّین و قلب الأجناس و إیجاد القدیم و إعدامه و نحوه ممّا یمتنع تصوّرها، أو لغیره کجمیع الممکنات لفقدان أسباب وجوداتها، أو بوجدان الموانع عنها، کایمان من علم اللّه أنّه لا یؤمن فانّه ممکن بحسب ذاته، ممتنع بحسب غیره، فان کان الأوّل أی الممتنع لذاته فذهب شیخنا أبو الحسن الأشعرّی فی أحد قولیه إلى جوازه، و هو مذهب أکثر أصحابه، و اختلفوا فی وقوعه، و القول الثّانی امتناعه، و هو مذهب البصریّین من المعتزلة و أکثر البغدادیین و إن کان الثانی أى الممتنع لغیره فقد اتّفق الکلّ على جوازه عقلا خلافا لبعض (20) الثّنویّة، و على وقوعه شرعا، و ذهب المصنّف إلى امتناع الأول، و هو المختار على ما مال إلیه الغزالی «انتهى» ثمّ الظاهر أن الأشعری أخذ جواز التکلیف بما لا یطاق
من القصّة المذکورة بین العوام فی مخاطبة إدریس علیه السّلام(21) مع إبلیس علیه اللّعنة
کما أشار إلیه الفناری (22) فی بحث القدرة من شرح جمع الجوامع حیث قال: أما المستحیلات فلعدم قابلیّتها للوجود لم تصلح أن تکون محلا لتعلّق الإرادة لا لنقص فی القدرة، و لم یخالف فی ذلک إلّا ابن حزم (23) فقال فی الملل و النّحل: إنّ اللّه عزّ و جلّ قادر على أن یتّخذ ولدا، إذ لو لم یقدر علیه لکان عاجزا، و ردّ ذلک بأنّ
اتخاذه الولد محال لا یدخل تحت القدرة، و عدم القدرة على الشیء قد یکون لقصورها عنه، و قد یکون لعدم قبوله لتأثیرها فیه، لعدم إمکانه لوجوب أو امتناع، و العجز هو الأوّل دون الثّانی و ذکر الأستاذ أبو إسحاق الأسفراینی (24) أنّ أوّل من أخذ منه ذلک إدریس علیه السّلام حیث جاءه إبلیس فی صورة إنسان و هو یخیط و یقول فی کلّ دخلة و خرجة سبحان اللّه و الحمد للّه، فجاءه بقشرة فقال: اللّه تعالى یقدر أن یجعل الدّنیا فی هذه القشرة فقال: اللّه قادر أن یجعل الدّنیا فی سمّ هذه الابرة و نخس بالابرة إحدى عینیه، فصار أعور، و هذا و إن لم یرو عن رسول اللّه صلى اللّه علیه و اله، فقد اشتهر و ظهر ظهورا لا ینکر قال: و قد أخذ الأشعری من جواب إدریس علیه السّلام أجوبة فی مسائل کثیرة من هذا الجنس «انتهى کلامه» و کفى بذلک شناعة و فضیحة لهم و لمذهبهم و قدوتهم فی مذهبهم؟ و بهذا الذی نقل عن الأسفراینی فی شأن شیخه الأشعری یظهر صدق ما ذکره الحکیم شمس الدّین الشّهرزوری (25) فی تاریخ الحکماء عند ذکر ترجمة فخر الدّین الرّازی و تعییره و توبیخه له فی متابعته للأشعری حیث قال: و أعجب أحوال هذا الرّجل أنّه صنّف فی الحکمة کتبا کثیرة توهم أنّه من
الحکماء المبرّزین الذین و صلوا إلى غایات المراتب و نهایات المطالب و لم یبلغ مرتبة أقلّهم، ثمّ یرجع و ینصر مذهب أبى الحسن الأشعری الّذی لا یعرف أىّ طرفیا أطول؟ (26) لأنّه کان خالیا عن الحکمتین (27) البحثیّة و الذوقیّة لا یعرف أن یرتّب حدّا و لا أن یقیم برهانا، بل هو شیخ مسکین متحیّر فی مذاهبه الجاهلیّة التی یخبط فیها خبط عشواء «انتهى».
1) قال صفى الدین البغدادی فی مراصد الاطلاع (ج 3 ص 1059 طبع مصر) ما لفظه (قاف) بلفظ احد الحروف المعجمة، قیل هو الجبل المحیط بالأرض، و قال شیخنا العلامة الطریحی النجفی فی مجمع البحرین: قوله تعالى (ق) هو جبل محیط بالدنیا من وراء یأجوج و مأجوج، و قال العلامة الزبیدی فی (ج 6 من تاج العروس طبع مصر ص 228) ما لفظه مازجا بعبارة القاموس: و جاء فی بعض التفاسیر ان (ق) جبل محیط بالأرض، قال اللّه تعالى: (ق) وَ الْقُرْآنِ الْمَجِیدِ کما فی العباب و الصحاح، و قال شیخنا: ان اسم الجبل المحیط (قاف) علم مجرد عن الالف و اللام، و قد وهم المصنف الجوهری بمثله فی (سلع) الذی هو جبل بالمدینة و قال انه علم لا تدخله اللام و کأنه نسى هذه القاعدة التی أصلها. الى آخر ما أفاد.و أورد ابن منظور (فی لسان العرب ص 293 ج 9 طبع بیروت) ما نقلناه عن التاج.
2) خرمه خرما: ثلمه، ثقبه، خرم الخرزة: فصمها، خرم الأنف: شق و ترته، خرم الابرة کسر ثقبها.
3) البقرة. الآیة 286.
4) فصلت. الآیة 46.
5) غافر. الآیة 17.
6) الکهف. الآیة 49.
7) لا یخفى ان مقتضى کون ذاته تعالى مستجمعة لجمیع الصفات الکمالیة التی منها العدل و الحکمة وجوب ترک التکلیف بما لا یطاق و استحالة التکلیف به، و انه تعالى مع قدرته الکاملة الشاملة على جمیع الممکنات حتى القبائح لا یختار إیجاد القبیح لأنه تعالى لا یفعل خلاف العدل و الحکمة، فقول الناصب: انه تعالى لا یجب علیه شیء، ان أراد منه نفى ما ذکرناه من الوجوب، فقد عرفت بطلان مقالته، و أنه مقتضى ذات الواجب تعالى المستجمعة لجمیع صفات الکمال، و ان أراد منه معنى غیر ما ذکرنا على حد ما یتوجه من الوجوب الى العباد أعنى الوجوب المستلزم لاستحقاق المؤاخذة، فلم یتفوه به من له أدنى مسکة من الناس.
8) التعلیل بالآیة الشریفة على مدعاه فی غایة الفساد، فان من الواضح أنه لیس مقتضى کونه تعالى یَفْعَلُ ما یَشاءُ أنه یشاء القبائح. و قد أجمع الاصولیون على ان القضیة لا تتکفل لاثبات تحقق موضوعها.
9) الحکم بامتناع فعل العبد و انسلاب الاختیار عنه فی فعله لعلم اللّه تعالى بعدم وقوعه فی غایة الجهل و الضلال. و من أجهل ممن حکم بانه إذا حصل لاحد العلم بان زیدا یزنی غدا و اخبر به ان علمه بذلک و اخباره عنه یوجب سلب الاختیار عن زید فی فعل الزنا و کونه مجبورا فی ذلک لا یقدر على ترکه. و الوجه ان حقیقة العلم لیست الا محض الکشف و الحکایة، و من البدیهی انه لا دخل للکاشف و الحاکی فی تحقق المنکشف و المحکی و عدمه. و قد ذکر بعض الاجلة ان مدخلیة الکاشف فی تحقیق المنکشف یستلزم الدور لکون الکشف فی مرتبة متأخرة عن المنکشف، فلو کان له دخل فی تحقیق المنکشف لتوقف تحققه على تحقق الکشف و هذا دور صریح.
10) لا یخفى علیک ان فی کون القدرة على الفعل مقارنة له او متقدمة علیه خلافا مشهورا بین الحکماء و المتکلمین، و ذهب اکثر الاشاعرة الى کونها مقارنة له و التحقیق کما علیه اکثر الامامیة و المعتزلة و بعض الاشاعرة کونها سابقة بالذات حادثة التعلق بالخارج الذی هو متعلق القدرة.ثم لیعلم ان فی مبحث القدرة مسائل شتى قد أشرنا الى بعضها فی التعالیق السابقة فلیراجع.
11) وقوع الممتنع لذاته کاجتماع النقیضین و اجتماع الضدین و غیرهما فی حیز التصور مما یشهد به الحس و الوجدان. کیف؟ و من حکم بان اجتماع الضدین محال فقد تصور مفهوم اجتماع الضدین لا محالة، فان الحکم فی القضیة فرع تصور الموضوع و المحمول، و یمتنع الحکم بدون تصور موضوعه. و لعل منشأ هذا التوهم منهم اشتباه المفهوم بالمصداق فان المستحیل من اجتماع النقیضین و اجتماع الضدین و غیرهما من المستحیلات العقلیة هو مصداق تلک الأمور دون مفهومها، و ما یحصل عند النفس و یقع فی حیز التصور هو مفاهیم الأمور، و اما مصادیقها فلا تتحقق الا فی حیز الخارج، و هی التی حکم العقل باستحالتها.فان قلت: ان الحکم فی قضیة «اجتماع النقیضین محال» انما هو مفهوم اجتماع النقیضین الحاضر عند النفس لما ثبت فی محله من انه لا یتعلق حکم النفس الا بما حضر عندها من المفهوم.قلنا: الصور الذهنیة مرائى للخارج، و المرآة لها جهتان، جهة الاستقلال و هی وجودها الثابت لها فی نفسه فی قبال المرئی، و جهة المرآتیة و بهذا الاعتبار فهی فانیة فی المرئی و الناظر فیها لا یرى إلا مرئیها، و الموضوع فی القضایا حیث یحکم بها النفس هی الصور الذهنیة، فتحقق قولهم لا یتعلق حکم النفس الا بما حضر عندها، لکن تعلق الحکم لتلک الصور لیس الا من حیث الجهة الثانیة اعنى المرآتیة، و النفس عند ما تحکم علیها لا یرى الا الخارج، و لا یحکم الا على الخارج، فإذا حکم النفس بان النار حارة فموضوع القضیة عندها لیس الا الصورة الذهنیة من النار فإنها الحاضر عند النفس دون النار الخارجیة، الا ان وقوعها فی حیز الحکم من جهة حکایتها عن الخارج و کونها مرآة له و فانیة فیه و متحدا معه اتحاد المرآة مع المرئی، و هذا حقیقة الوجود الذهنی الذی حکموا بثبوته و أثبتوه للماهیات فی قبال الوجود الخارجی. و منشأ الحکم بثبوت الوجود اللفظی و الوجود الکتبی مع الوجود الذهنی للماهیات فی عداد الوجود الخارجی ایضا نحو اتحاد حاصل بین اللفظ و الکتابة مع الخارج، لکن حصول الاتحاد بین اللفظ و الخارج بتبع الاتحاد بین المفهوم و الخارج الذی أشرنا الیه، و حصول الاتحاد بین الکتابة و بینه بتبع الاتحاد بین اللفظ و بینه. و مما ذکرنا یعلم ان الاتحاد الحاصل بین الصورة الحاصلة عند النفس مع الخارج لا ینفى تغایرهما فان النفس إذا لاحظت فی اللحاظ الثانوى ما حصل عنده من الصورة، لحکمت بتغایرها مع الخارج حقیقة فلیس للوجود الذهنی واقعیة محفوظة ثابتة فی کلا الحالین حتى یحکم بان للماهیات وجودا فی الذهن حقیقة کالوجود الثابت لها حقیقة فی الخارج، و من أمعن النظر فیما أقامها القائلون بالوجود الذهنی من البراهین علیه تبین له ان الثابت بها لیس الا الوجود الذهنی الاتحادى الذی ذکرناه دون ما ادعوها من الوجود حقیقة فلیتأمل. و لا یقتضى المقام اکثر مما ذکرنا من البسط فی المقال و قد خرجت هذه الجمل فی هذه التعلیقة و ما قبلها مجرى المجارات مع أبناء العصر حیث تراهم مشعوفین بکلمات الفلاسفة یحسنون الظن بها، بل و یرونها کالوحى المنزل و بالجملة فکلما ترى من مثال هذه المقالات فی تعالیق الکتاب فلا تظنن انا ملتزمون بصحتها، و الحق الحقیق بالقبول ما صدرت من منابع العلم و الحکمة الالهیة و المشاکى النبویة، و أودعت فی روایاتنا المدونة فی کتب الاصحاب رضوان اللّه علیهم أجمعین، فهی التی لا تتبدل بتلاحق الأفکار و لا تصیر لعبة الانظار، اللهم أدم توفیقنا للاستنارة من تلک الأنوار، و التطیب بهاتیک الازهار آمین آمین.
12) هو أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب عم سیدنا و نبینا رسول اللّه صلى اللّه علیه و آله و زوجته ام جمیل بنت حرب بن أمیة بن عبد شمس، مات فی السنة الثانیة من الهجرة بعد غزوة بدر، و کان فی مبادی الإسلام معاضدا لرسول اللّه (ص)، ثم تغیر حاله و صار من أشد المظاهرین علیه (ص) و ذلک باغواء أبى جهل و عقبة بن أبى معط إیاه، و ذکر بعض علماء الأنساب له عقبا متسلسلا.
13) الانعام. الآیة 12.
14) اى إمکان وقوع الفعل عن المکلف فهذا رد لقوله: و یمتنع منه الفعل. منه «قدس سره».
15) یعنى ما تعلق العلم بوقوعه من وجود الفعل و عدمه معین للوقوع و امتنع نقیضه لئلا ینقلب علمه تعالى جهلا. منه «قده».
16) و لما کان نصب الدلیل فی غیر محل النزاع أقل شناعة من إبداع دعوى فاسدة احتمل العضدی تغیر الدعوى کما ترى. منه «قدس سره».
17) المراد منه المحقق الشریف الجرجانی.
18) هو الشیخ قطب الدین أبو الثناء محمود بن مسعود بن مصلح الشیرازی الکازرونی من تلامذة المحقق الطوسی و صدر الدین القونوى و الکاتبی القزوینی، له تصانیف نفیسة فی العلوم العقلیة و الطب و الأدب، منها شرح کلیات القانون لابن سینا و ترجمة تحریر أقلیدس و حل مشکلات المجسطی و شرح مختصر الأصول لابن الحاجب و التحفة الشاهیة و درة التاج و شرح مفتاح السکاکی و نهایة الإدراک فی الهیئة و شرح حکمة الاشراق و غیرها، توفى 24 رمضان سنة 710 او سنة 716 ببلدة تبریز و دفن بمقبرة کجیل بجنب قبر القاضی البیضاوی فراجع (ص 219 و ص 247 ج 6 من) طبقات الشافعیة ط مصر) و هکذا (ص 307 ج 3 من ریحانة الأدب ط تهران).
19) قال المصنف رفع اللّه درجته فی نهایة الوصول: اختلف الناس فی ذلک فذهبت العدلیة کافة الى امتناعه، و قالت الاشاعرة کافة بجوازه، ثم اختلفوا فی الوقوع، فذهب أبو الحسن الأشعری تارة الى عدم وقوعه و تارة الى وقوعه، و کلاهما قول أصحابه مع انه یلزمه الوقوع، و قال بعضهم: المحال ان کان لذاته کالجمع بین الضدین و قلب الأجناس و إیجاد القدیم و اعدامه استحال التکلیف به و ان کان لغیره جاز التکلیف به و اختاره الغزالی و هرب من مقالة شیخه أبى الحسن لما فیها من الشناعات و یلزمه الوقوع فیها على ما یأتى تقریره «إلخ» منه قدس سره.
20) قال الشهرستانی فی کتاب الملل (ج 2 ص 72 ط مصر) ما لفظه: الثنویة هؤلاء اصحاب الاثنین الازلیین یزعمون ان النور و الظلمة أزلیان قدیمان بخلاف المجوس فإنهم قالوا بحدوث الظلام و ذکروا سبب حدوثه، و هؤلاء قالوا بتساویهما فی القدم و اختلافهما فی الجوهر و الطبع و الفعل و الحیز و المکان و الأجناس و الأبدان و الأرواح (انتهى).
21) هو إدریس بن الیارد بن مهلائیل بن قینان بن انوش بن شیث بن آدم على نبینا و اله و علیه السلام، ولد بمصر و سموه (هرمس الهرامسة) و بالیونانیة (ارمس) بمعنى عطارد و عرب بهرمس، و اسمه الأصلی (هنوخ) و عرب (أخنوخ) و سماه اللّه تعالى فی کتابه إدریس لکثرة دراسته کما فی ابجد العلوم ص 348 ط هند.و هو رجل آتاه اللّه النبوة و الحکمة و انزل علیه ثلاثین صحیفة و علم النجوم و افهمه عدد السنین و الحساب و علمه الالسنة المختلفة قال القطب فی محبوب القلوب ما لفظه: و زعم جماعة من الاعلام ان جمیع العلوم التی ظهرت قبل الطوفان انما صدرت عن هرمس الاول الساکن بصعید مصر الاعلى و هو الذی یسمیه العبرانیون (أخنوخ) بن لاود بن مهلائیل، و هو إدریس النبی و قالوا: انه اول من انذر بالطوفان و رأى آفة سماویة یلحق الأرض من الماء فخاف ذهاب العلم و درس الصنائع فبنى الاهرام فی صعید مصر الاعلى و ضرب فیها جمیع الصناعات و الآلات و رقم فیها صفات العلوم حرصا منه على تخلیدها لمن بعده و خیفة ان یذهب رسمها من العالم.و قال السویدى فی السبائک ص 11 طبع بمبئى ما حاصله: ان إدریس هو اول من استخرج الحکمة و علوم النجوم و علوم الریاضیات و الطبیعی و الإلهی و اسرار الفلک، و سمى بالمثلث لأنه کان نبیا و حکیما و ملکا، و هو اول من خط بالقلم و اول من جاهد فی سبیل اللّه ارباب الفساد من بنى آدم، و هو الذی رسم عمارة المدن و جمع طلاب العلم و قرر لهم قواعد السیاسة و عمارة المدن، فأنشأت کل فرقة من الأمم مدنا فی ارضها الى أن قال:و رفعه اللّه و هو ابن ثلاثمائة و خمسین سنة و قصة رفعه مذکورة فی التفاسیر و التواریخ إلخ.قال فی الأبجد ص 348 ط هند ما حاصله: ان قبلة إدریس کانت جهة الجنوب على خط نصف النهار الى ان قال: و هو اول من خاط الثیاب و حکم بالنجوم و انذر بالطوفان و اول من بنى الهیاکل و مجد اللّه فیها و اول من نظر فی الطب، و اول من ألف القصائد و الاشعار إلخ.ثم اعلم أن أحمد بن متویه نقل الصحیفة المنسوبة الى إدریس من السریانیة الى العربیة بأمر المأمون العباسی.
22) هو الشیخ محمد بن حمزة بن محمد بن محمد شمس الدین الرومی الحنفی المشتهر بفنارى صاحب التآلیف الکثیرة فی فنون العلم، توفى سنة 839 او 840، و من تصانیفه الفوائد الفناریة فی المنطق، و شرح جمع الجوامع فی الأصول لتاج الدین عبد الوهاب السبکى، و فصول البدایة فی اصول الشرائع فی علم اصول الفقه، و عویصات الأفکار فی اختبار اولى الأبصار فی العلوم العقلیة، و تفسیر سورة الفاتحة، و مصباح الانس بین المعقول و المشهود فی شرح مفتاح غیب الجمع و الوجود، و المفتاح لصدر الدین القونوى، و کتاب أنموذج العلوم، و کتاب تلخیص الفصول و ترصیص الأصول و غیرها، فراجع (ص 187 من الفوائد البهیة) لأبی الحسنات الهندی ط مصر و (ص 213 من شذرات الذهب ط مصر) و (ص 229 ج 3 من ریحانة الأدب ط تهران).
23) هو الشیخ ابو محمد على بن محمد بن حزم القرطبی الأندلسی الظاهری مذهبا الأموی نسبا، کان من أعاجیب عصره فی أکثر العلوم و له کتب شهیرة، منها الفصل فی الملل و الأهواء و النحل، و کتاب مداواة النفوس فی الأخلاق، و کتاب المحلى فی فقه الظاهریة، و کتاب جمهرة الأنساب، و کتاب الاحکام لأصول الاحکام و کتاب اظهار تبدیل الیهود و النصارى فی التوراة و الإنجیل و بیان تناقض ما بأیدیهم من ذلک مما لا یحتمل التأویل.
24) هو أبو اسحق ابراهیم بن محمد بن ابراهیم رکن الدین الأسفراینی من مشاهیر علماء القوم فی الفقه و الحدیث و الکلام، و کان من أصحاب الشیخ أبى الحسن الأشعری و شریک البحث و الدرس مع ابنی فورک و الباقلانی، و من تآلیفه کتاب الجامع فی اصول الدین و کتاب نور العین فی مشهد الحسین علیه السلام، توفى یوم عاشوراء سنة 417 او 418 ببلدة نیسابور و نقل نعشه الى أسفرایین فراجع فی ترجمة حاله الى (ص 117 جزء 3 من طبقات الشافعیة ط مصر). و ریحانة الأدب (ج اول ص 69 ط تهران) ثم ان کتاب نور العین قد طبع مرات و لکن لیس مما یعتمد علیه فی متفرادته.
25) قد سبقت ترجمته و تاریخ حیاته، و کتابه (تاریخ الحکماء) من الکتب المعتبرة فی تراجم الفلاسفة و الأطباء، و سمعت أن بعض الأفاضل کتب له تذییلا نافعا و آخر لخصه.
26) هذا مثل قبیح یضرب فی حق من لا یمیز بین الزین و الشین، و قد سبق شرح المراد منه بمدلولیه المطابقی و الالتزامی.
27) المراد بهما الحکمة المشائیة و الاشراقیة و لیعلم انه اختلفت طرق الحکماء، فمنهم من رام ادراک المطالب بالبحث و النظر، و هم الباحثون و المشائیون و الاستدلالیون، و قدوتهم أرسطو، و ذهب الى ان هذا الطریق أنفع للتعلم و اوفى بجملة المطالب.و منهم من سلک طریق تصفیة النفس بالریاضة حتى وصلوا الى امور ذوقیة ادعوها بالکشف و العیان بحیث تجل عن ان توصف باللسان.و منهم من ابتدأ بالبحث و النظر و انتهى الى التجرید و تصفیة النفس فجمع بین الفضیلتین و ینسب هذا الى سقراط و السهروردی و البیهقی.ثم اعلم ان من النظر رتبة تناظر طریق التصفیة و یقرب حدها من حدها و هو طریق الذوق و یسمونه الحکمة الذوقیة.و ممن یعد قدوة فی هذا الشان الشیخ السهروردی، و کتابه حکمة الاشراق یحکى عن هذا المعنى، و کذا الفنارى الرومی، و الشیخ صدر الدین القونوى، و المولى جلال الدین الدوانی و غیرهم.ثم ان علم الحکمة عرف بتعاریف، فمنها انه العلم بأحوال اعیان الموجودات على ما هی علیه فی نفس الأمر بقدر الطاقة البشریة و منها انه علم یبحث فیه عن حقائق الأشیاء على ما هی علیه فی نفس الأمر بقدر الطاقة البشریة و منها التشبه بالإله علما و عملا و غیرها مما یقف علیها الباحث فی کتب الفلسفة، و قسموا الحکمة على اقسام باعتبارات شتى من النظریة و العملیة و غیرها ثم اعلم أن للقوم کلمات فی حق هذا العلم و آداب تعلمه و تعلیمه و التحریر فیه قال قطب الدین الاشکورى فی محبوب القلوب ما لفظه:من أراد صید طیور مطالب الحکمة المتعالیة الحقة بلا مصاحبة کلاب الشکوک و الأوهام فعلیه بتربیة صقور قواه العقلانیة على آداب شریعة خیر الأنام و التخلق بأخلاق اصحاب الوحى و الإلهام علیهم السلام لتحصل له ملکة الطیران فی فضاء مصائد کلمات الأوائل من الاعلام حتى اصطادوا طیور مأکولات اللحوم من المعارف الحقة اللذیذة لیغذى بها نفسه المجردة بعد المفارقة من دار الکربة و الآلام، و الأمثلة کمثل آخذ الصیود من أفواه الکلاب للادام، فهو کأکل المیتة او المستظل بظل الذباب فی الیوم الصائف، فهذا کالمستیقظ المحترق أطرافه بنار الخیبة، الى آخر ما قال و أطرى و قال قبیله ما لفظه:و فیکلامه علیه السلام (یعنى مولانا أمیر المؤمنین ع): ان کلام الحکماء إذا کان صوابا کان دواء، و إذا کان خطاء کان داء و ذلک لقوة اعتقاد الخلق فیهم و شدة قبولهم لما یقولونه، فان کان حقا کان دواء من الجهل، و ان کان باطلا وجب للخلق علاج داء الجهل«انتهى» قال العارف الرومی فی المثنوى:کاف کفر اینجا بحق المعرفةدوستتر دارم ز فاء فلسفةز آنکه این علم لزج چون ره زندبیشتر بر مردم آگه زندهذا ما اقتضته الصروف و الظروف بمقالة أوردناها حسب میول أبناء العصر و أما الحکمة الحقة هی التی أخذت من معادن العلم و خزنة الوحى الذین من تمسک بذیلهم فقد نجى اللهم اجعلنا من التابعین لهم و من المعرضین عن کل ولیجة دونهم و کل مطاع سواهم و إیاک إیاک أیها القاری الکریم بما أبرزتها الفلاسفة مزبرجة، فلا تغتر بما أودعوها فی زبرهم و لا تحسن الظن بکلماتهم حتى تنجو من المهالک عصمنا اللّه و إیاک.