قال المصنّف رفع اللّه درجته
المطلب الخامس فی أنّ کلامه تعالى صدق، اعلم أن الحکم بکون اللّه تعالى صادقا لا یجوز علیه الکذب إنّما یتمّ على قواعد العدلیّة الذین أحالوا صدور القبیح عنه من حیث الحکمة، و لا یتمشّى على مذهب الأشاعرة لوجهین: الأوّل أنّهم أسندوا جمیع القبائح بأسرها إلیه تعالى، و قالوا: لا مؤثر (1) فی الوجود من القبائح بأسرها و غیرها إلا اللّه، و من یفعل أنواع الشّر و الظلم و الجور و العدوان و أنواع المعاصی و القبائح المنسوبة إلى البشر کیف یمتنع أن یکذب فی کلامه، و
کیف یقدر الباحث على إثبات وجوب کون کلامه تعالى صدقا؟، الثانی أن الکلام النّفسانی عندهم مغایر للحروف و الأصوات، و لا طریق لهم إلى إثبات کونه تعالى صادقا فی الحروف و الأصوات «انتهى.»
قال النّاصب خفضه اللّه
أقول: مذهب الأشاعرة أنّه تعالى یمتنع علیه الکذب، و وافقهم المعتزلة فی ذلک، أمّا دلیل الأشاعرة فلأنّه نقص، و النقص على اللّه محال، و أما عند المعتزلة فلأنّ الکذب قبیح، و هو سبحانه لا یفعل القبیح (2)، و قال صاحب المواقف اعلم أنّه لم یظهر لی فرق بین النّقص فی الفعل و بین القبح العقلی فیه فانّ النّقص فی الأفعال هو القبح العقلیّ بعینه فیها، و إنّما تختلف العبارة، أقول: الفرق أنّ النّقص هاهنا یراد به النقص فی الصّفات، فانّه على تقدیر جواز الکذب علیه یتصف ذاته بصفة النّقص و هم لم یقولوا هاهنا بالنّقص فی الأفعال، حتّى لا یکون فرقا بینه و بین القبح العقلی کما ذکره صاحب المواقف، فحاصل استدلال الأشاعرة: أنّه تعالى لو کان کاذبا لکان ناقصا فی صفته، کما أنّهم یقولون: لو کان عاجزا أو جاهلا لکان ناقصا فی صفته، و لم یعتبروا ما یلزم ذلک النّقص من القبح الذی یقول به المعتزلة فتأمّل، و الفرق دقیق، ثم ما ذکره: من أنّ عدم الکذب علیه لا یتمشى على قواعد الأشاعرة، فهذا کلام باطل عار عن التّأمل، فانّ القول بأن لا مؤثر فی الوجود
إلا اللّه لا یستلزم إسناد القبائح إلیه، لأن فعل القبائح من مباشرة العبد فهو غیر مستند إلى الخالق ثمّ من خلق القبائح فلا بدّ أنّه یکذب، و لا یجوز أن یکون صادقا، هذا غایة الجهل و العناد و الخروج عن قاعدة البحث بحث لو نسب هذا الکلام إلى العوام استنکفوا منه، و أمّا ثانی الاستدلالین على عدم التّمشی فهو أیضا باطل صریح، فانّ من قال امتنع الکذب علیه للزوم النّقص فهذا الکذب یتعلّق بالدّال على المعنى النّفسانی و هو أیضا نقص، فکیف لا یتمشّى؟ «انتهى»
أقول: [القاضى نور اللّه]
ما أخذ فی دلیل الأشاعرة من أنّ النّقص على اللّه تعالى محال إنّما استدلّ علیه بالإجماع کما صرّحوا به، و لا برهان علیه من العقل، حتّى قال فخر الدّین الرّازی: إنّ القول بالنّقص و الکمال خطابیّ (3)، و بالجملة الدلیل المستند إلى الإجماع لا یفید الیقین إلا إذا کان الإجماع مقطوعا به، و هو فیما نحن فیه ممنوع، على أنّ الإجماع المقطوع به لا یلزم أن یفید الیقین على رأیهم، و أیضا الإجماع إنما یکون حجّة عندهم لاستناده إلى النّصّ، و دلالة النّص موقوفة على صدق کلام اللّه تعالى، و إثبات صدق کلامه بما یستند إلى النّص یستلزم الدّور و ما قال صاحب المواقف: من أنّ صدق النّبی صلى اللّه علیه و اله لا یتوقّف على صدق کلامه تعالى، بل على تصدیق المعجزة، و هو تصدیق فعلیّ منه تعالى لا قولیّ على ما بین فی محلّه، منظور فیه، لأنّ المعجزة إنّما تدلّ على صدق النّبی صلى اللّه علیه و اله فی دعوى النّبوة و کونه رسول اللّه صلى اللّه علیه و اله، و أمّا صدقه فی سائر الأحکام، فالظاهر من کلامه أنّه لاستدعاء الرّسالة أن یکون أحکامه من عند اللّه، فیتوقّف على صدق کلامه تعالى هذا. و أما ما نقله الناصب من کلام صاحب المواقف، ثمّ أورد علیه بقوله:
أقول: الفرق «إلخ» یدلّ على غایة جهله و خبطه (4) و خلطه (5) و عدم تفصیله لمقصود صاحب المواقف من ذلک الکلام، فانّ صاحب المواقف بعد ما ذکر من الأشاعرة دلیلهم المشتمل على محذور النّقص، ذکر دلیلا ثانیا لهم و هو قوله: و أیضا یلزم على تقدیر أن یقع الکذب فی کلامه تعالى أن یکون نحن أکمل منه فی بعض الأوقات، أعنی وقت صدقنا فی کلامنا، ثم اعترض على هذا الدّلیل الثانی بقوله و اعلم «إلخ» و حاصله على ما أشار إلیه الشّارح قدّس سرّه الشّریف، و الشّارح الجدید للتّجرید (6)، أنّ هذا الدّلیل إنّما یدلّ على صدق الکلام النّفسی الذی هو صفة قائمة بذاته تعالى، و إلا لزم نقصان صفته تعالى مع کمال صفتنا، و لا یدلّ على صدقه فی الکلام اللّفظی الذی یخلقه فی جسم دالا على معنى مقصود منه، لأنّه على ذلک التّقدیر یلزم النّقص فی فعله، و لا فرق بین النّقص فی الفعل، و بین القبح العقلی فیه، و هم لا یقولون به، مع أنّ الأهم بیان صدقه فی الکلام اللّفظی ثمّ النّاصب لم یذکر الدّلیل الثّانی لأنّه لم یفهم تعلّق الکلام المنقول به، بل و لم یفهم محصّله و معناه، و مع هذا اعترض علیه بما تراه واهیا ساقطا لا ارتباط له بکلام صاحب المواقف أصلا، و لا فی دفع کلام المصنّف، و اما ما ذکره: من أنّ القول بأن لا مؤثر فی الوجود إلا اللّه لا یستلزم إسناد القبائح إلیه تعالى واه أیضا لأنّ خلق الکلام اللّفظی الکاذب قبیح عند العقلاء، و هم یجوّزون (7) ذلک، و لا
یدفعه دلیلهم کما اعترف به صاحب المواقف، و بالجملة کما أشار إلیه الشّارح قدّس سرّه الشّریف لا یمکنهم التمسّک فی دفع الکذب عن الکلام اللّفظی بلزوم النّقص فی أفعاله، إذ تنزّهه عن مثل هذا النّقص لیس بواجب عندهم، إذ هو لیس نقصا عندهم فلا یمکنهم إثبات وجوب کون کلامه تعالى صدقا کما ذکره المصنّف، و قد ظهر بما قرّرنا صحّة ثانی استدلالى المصنّف قدّس سرّه أیضا فلا تغفل.
1) و ببالی أن اول من تفوه بهذه الجملة هو الشیخ أبو الحسن الأشعری قدوة الاشاعرة و تبعه المتأخرون منهم و الصوفیة من العامة، ثم سرت الکلمة من أفواههم الى صوفیة الشیعة حتى الآن و ما دروا أنها کلمة مسمومة صدرت من قلب مریض یسند أفعال العباد الارادیة بأسرها الیه تعالى، و هذا لا یلائم مبنى الامامیة و ما ورثوها من الأئمة الطاهرین.
2) لما کان لقائل ان یقول: ان خلق الکاذب أیضا نقص فی فعله فیعود المحذور بعینه أشار الى دفعه بقوله: اعلم إلخ، فأصحابنا المنکرون للقبح العقلی کیف یتمسکون فی دفع الکذب عن الکلام اللفظی بلزوم النقص فی أفعاله تعالى. اى لا یمکن لنا ان نتمسک بذلک على امتناع الکذب فی کلام اللفظی أو تنزهه تعالى عن مثل هذا النقص لیس بواجب عندنا إذ لیس هذا نقصا.
3) القول الخطابی هو المؤلف من المظنونات و نحوها.
4) الخبط: التصرف فی الأمور على غیر بصیرة.
5) الخلط: و الخلط فی الشیء إفساده بمزج ما یفسده.
6) من المصرحین به شارح المواقف و الشارح الجدید للتجرید. منه قدس سره.
7) و قد صرح بعض الاشاعرة بجوازه، بناء على أصلهم الغیر الأصیل من نفى الحسن و القبح العقلیین.