جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

فی أنّ معرفة اللّه تعالى واجبة بالعقل‏

زمان مطالعه: 4 دقیقه

قال المصنّف رفع اللّه درجته‏

المبحث الثالث فی أنّ معرفة اللّه تعالى واجبة بالعقل، الحق أن وجوب معرفة اللّه تعالى مستفاد من العقل و إن کان السّمع قد دلّ علیه، لقوله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ (1)، لأنّ شکر النّعمة واجب‏

بالضّرورة و آثار النّعمة علینا ظاهرة، فیجب أن نشکر فاعلها، و إنّما یحصل بمعرفته، و لان معرفة الله تعالى دافعة للخوف الحاصل من الإختلاف، و دفع الخوف واجب بالضّرورة، و قالت الأشعریّة: إن معرفة اللّه تعالى واجبة بالسّمع لا بالعقل، فلزمهم ارتکاب الدّور المعلوم بالضّرورة و بطلانه، لأنّ معرفة الإیجاب تتوقّف على معرفة الموجب، فإنّ من لا نعرفه بشی‏ء من الاعتبارات البتّة نعلم بالضّرورة أنّا لا نعرف أنّه أوجب، فلو استفیدت معرفة الموجب من معرفة الإیجاب لزم الدّور المحال، و أیضا لو کانت المعرفة إنّما تجب بالأمر لکان الأمر بها إمّا أن یتوجّه إلى العارف باللّه تعالى، أو إلى غیر العارف، و القسمان باطلان، فتعلیل الإیجاب بالأمر محال، أما بطلان الأوّل فلأنه یلزم منه تحصیل الحاصل و هو محال، و اما بطلان الثانی فلأن غیر العارف باللّه یستحیل أن یعرف أنّ اللّه تعالى قد أمره و أنّ امتثال أمره واجب، و إذا استحال أن یعرف أنّ اللّه قد أمره و أن امتثال أمره واجب، استحال أمره و إلا لزم تکلیف ما لا یطاق، و سیأتی بطلانه إن شاء اللّه تعالى.

قال النّاصب خفضه اللّه‏

أقول: لا بدّ فی هذا المقام من تحریر محلّ النّزاع أولا، فنقول:

وجوب معرفة اللّه تعالى الذی اختلف فیه، هل أنّه مستفاد من الشّرع أو العقل؟

إن أرید به الاستحسان و ترتّب المصلحة فلا یبعد أن یقال: إنّه مستفاد من العقل لأنّ شکر المنعم موقوف على معرفته، و الشّکر واجب بهذا المعنى بالعقل، و لا نزاع للأشاعرة فی هذا، و إن أرید به ما یوجب ترتّب الثّواب و العقاب فلا شکّ أنّه مستفاد من الشّرع، لأنّ العقل لیس له أن یحکم بما یوجب الثّواب عند اللّه، و المعتزلة أیضا یوافقون أهل السّنة فی أنّ الحسن و القبح بهذا المعنى مرکوزان‏

فی العقل، و لکنّ الشّرع کاشف عنهما، ففی المذهبین لا بدّ و أن یؤخذ من الشّرع إمّا لکونه حاکما أو کاشفا، فکلّ ما یرد على الأشاعرة فی هذا المقام بقولهم: إنّ الشّرع حاکم بالوجوب دون العقل، یرد على المعتزلة بقولهم: إنّ الشّرع کاشف للوجوب، لأنّ فی القولین لا بدّ من الشّرع لیحکم أو یکشف، ثم ما ذکر أنّ معرفة اللّه تعالى دافعة للخوف الحاصل من الإختلاف، و دفع الخوف واجب بالضّرورة، فنحن نقول فیه بعد تسلیم حکم العقل بالحسن و القبح فی الأفعال و ما یتفرّع علیهما من الوجوب و الحرمة و غیرهما: بمنع حصول الخوف المذکور، لعدم الشّعور بما جعلتم الشّعور به سببا له من الإختلاف و غیره، و دعوى ضرورة الشّعور من العاقل ممنوعة، لعدم الخطور فی الأکثر، فإنّ أکثر النّاس لا یخطر ببالهم أنّ هناک اختلافا بین النّاس فیما ذکر، و أنّ لهذه النّعم منعما قد طلب منهم الشّکر علیها، بل هم ذاهلون عن ذلک، فلا یحصل لهم خوف أصلا، و إن سلّم حصول الخوف، فلا نسلّم أنّ العرفان الحاصل بالنّظر یدفعه، إذ قد یخطی فلا یقع العرفان على وجه الصّواب، لفساد النّظر فیکون الخوف حینئذ أکثر ثم ما ذکر من لزوم الدّور مندفع، بأنّ وجوب المعرفة بالشّرع فی نفس الأمر لا یتوقّف على معرفة الإیجاب و إن توقّف على الإیجاب فی نفس الأمر فلا یلزم الدّور، ثمّ ما ذکر: أنّ المعرفة لا تجب إلا بالأمر، و الأمر إمّا أن یتوجّه إلى العارف أو الغافل و کلاهما باطل، فنقول فی جوابه: المقدّمة الثّانیة القائلة: بأنّ تکلیف غیر العارف باطل لکونه غافلا ممنوعة، إذ شرط التّکلیف فهمه و تصوّره لا العلم و التّصدیق به، لأن الغافل من لا یفهم الخطاب أو لم یقل له (2) إنّک مکلّف، فتکلیف غیر العارف لیس من المحال فی شی‏ء و اللّه أعلم «انتهى کلامه»،

أقول: [القاضى نور اللّه‏]

فیه نظر، أمّا أوّلا فلأنّا سنبیّن حکم العقل بالوجوب بمعنى ترتّب الثواب و العقاب فانتظر، و أما ما ذکره من أنّ المعتزلة أیضا یوافقون أهل السنّة فی أنّ الحسن و القبح بهذا المعنى مرکوزان فی العقل مسلّم، لکن قوله:

و لکنّ الشّرع کاشف عنهما لا یصحّ على مذهب المعتزلة فإنّهم لم یقولوا: بتوقّف حکم العقل بالحسن و القبح على انکشاف الشّرع عنهما، بل قالوا: إنّ فی ما هو حسنه و قبحه (3) نظرىّ، لا یستقل العقل بمعرفة جهته المحسّنة أو المقبحة، یکون الشّرع کاشفا عن جهته، لا أنّ حکم العقل بالحسن و القبح مطلقا موقوف على کشف الشّرع عن ذلک کما یفهم من کلام هذا النّاصب الجارح بعید ذلک، فبطل ما فرّعه على ذلک بقوله: ففی المذهبین لا بدّ أن یؤخذ من الشّرع إمّا لکونه حاکما أو کاشفا و ذلک لعدم صحّة الحصر المذکور، فان العقل أیضا حاکم بالحسن و القبح فی بعض أقسام الفعل من غیر توقف على کشف الشّرع عنه کما ذکرنا، فما ذکره صلح من غیر تراضی الخصمین (4) کما لا یخفى، و کذا بطل ما حکم به من استواء الأشاعرة مع المعتزلة فیما یتوجّه علیهم فی هذا المقام و هو ظاهر، و أما ثانیا، فلأنّ تقدیره لتسلیم العقل بارد، کما أشرنا إلیه، إذ یجب علیه تسلیم ذلک بما سیذکره المصنّف من الأدلة المثبتة للحسن و القبح العقلیّین، و أما منعه لحصول الخوف المذکور مستندا بعدم شعور النّاس بما جعل سببا لذلک من الإختلاف، فمدفوع، بأنّ مراد المصنّف بالاختلاف لیس مجرّد الإختلاف الواقع من العلماء فی هذه المسألة، بل ما یعمّ الإختلاف و التردّد و الاحتمال الذی ربما یحصل لعقل الشّخص الواحد عند النّظر

فی هذه المسألة، و الحاصل أنّ احتمال وجوب المعرفة و عدمه حاصل فی مشعر کلّ ذی شعور، بل الرّاجح عنده وجوب المعرفة الذی یورث ترک النّظر فیه خوف العقوبة، و هو قادر على دفع هذا الخوف الذی هو مضرّة ناجزة (5) له، فإن لم یدفعه کان مستحقّا لأن یذمّه العقلاء فیکون واجبا عقلیّا، و أما ثالثا فلأنّ ما ذکره من منع أنّ العرفان الحاصل بالنّظر یدفع الخوف مستندا بأنّه قد یخطی، فلا یقع العرفان على وجه الصّواب مردود، بأن العرفان یدفع الخوف لاعتقاده أنّه مصیب، و احتمال الخطأ فی نفس الأمر لا یقدح فی ذلک، و أما رابعا فلأنّ ما ذکره فی دفع الدّور اللازم على الأشاعرة من أنّ وجوب المعرفة ثابت فی نفس الأمر «إلخ»، فساقط جدّا، لأنّه إن أراد بنفس الأمر مقتضى الضّرورة و البرهان فهو راجع إلى القول بالحسن و القبح العقلیّین کما مرّ، و إن أراد به مقتضى الأمر الشّرعی فالدّور بحاله، و إن أراد به معنى آخر فلیذکره أولیائه حتّى نتکلم علیه و أما خامسا فلأنّ ما ذکره فی منع المقدّمة القائلة: بأنّ تکلیف غیر العارف باطل من أنّ شرط التّکلیف فهمه و تصوّره لا العلم و التّصدیق به «إلخ» فمدخول بأنّه بنى فی ذلک على أنّ المصنّف أراد بالمعرفة العلم التّصدیقی و لیس کذلک، بل أراد أنّ المعرفة فی الجملة لو لم یجب إلا بالأمر کما یقتضیه کلام الأشاعرة لکان کذا، و من البیّن أنّه یلزم حینئذ تکلیف الغافل کما ذکره المصنّف فلا تغفل.


1) سورة محمد. الآیة 19.

2) لم یقل مبنى للمفعول من قال یقول فلا تغفل.

3) حاصله أن ما کان حسنه و قبحه نظریا، لا استقلال للعقل فیه لمعرفة جهته المحسنة او المقبحة.

4) و توجیه بما لا یرضى به المتحاکمان.

5) الناجزة. المبارزة و توصیف المضرة بها لمکان مبارزتها مع الصحة و الحسن.