قال المصنّف رفع اللّه درجته
المطلب الثالث فی أنّ اللّه تعالى لا یفعل القبیح و لا یخلّ بالواجب، ذهبت الامامیّة و من تابعهم و واقفهم من المعتزلة إلى أنه تعالى لا یفعل القبیح و لا یخلّ بالواجب، بل جمیع أفعاله تعالى حکمة و صواب لیس فیها ظلم و لا جور و لا عدوان و لا کذب و لا فاحشة، لأنّ اللّه تعالى غنیّ عن القبیح و عالم بقبح القبائح، لأنّه عالم بکلّ المعلومات و عالم بغناه عنه، و کلّ من کان کذلک فانّه یستحیل علیه صدور القبیح عنه، و الضّرورة قاضیة بذلک، و من فعل القبیح مع الأوصاف الثلاثة استحقّ الذّم و اللّوم، و أیضا اللّه تعالى قادر، و القادر إنّما یفعل بواسطة الدّاعی (1)، و الدّاعی إمّا داعی الحاجة أو داعی الجهل، أو داعی الحکمة (2)، أمّا داعی الحاجة (3)، فقد یکون العالم بقبح القبیح محتاجا إلیه فیصدر عنه دفعا لحاجته (4)، و أمّا داعی الجهل فبأن یکون القادر علیه جاهلا بقبحه فیصحّ صدوره عنه، و أمّا داعی الحکمة بأن یکون الفعل حسنا فیفعله لدعوة الدّاعی (5) إلیه، و التّقدیر أنّ
الفعل قبیح فانتفت هذه الدّعاوی، فیستحیل منه تعالى. و ذهبت الأشاعرة کافّة إلى أنّ اللّه تعالى قد فعل القبائح بأسرها من أنواع الظلم و الشّرک و الجور و العدوان و رضی بها و أحبّها «انتهى»
قال النّاصب خفضه اللّه
أقول: قد سبق أنّ الامة أجمعت على أنّ اللّه تعالى لا یفعل القبیح و لا یترک الواجب فالأشاعرة من جهة أن لا قبیح منه و لا واجب علیه. و أمّا المعتزلة فمن جهة أنّ ما هو قبیح منه یترکه، و ما یجب علیه یفعله، و هذا الخلاف فرع قاعدة التّحسین و التقبیح، إذ لا حاکم بقبح القبیح منه و وجوب الواجب علیه إلّا العقل، فمن جعله حاکما بالحسن و القبح قال: بقبح بعض الأفعال منه و وجوب بعضها علیه، و نحن قد أبطلنا حکمه، و بیّنا أنّ اللّه تعالى هو الحاکم، ف یَحْکُمُ ما یُرِیدُ (6) یَفْعَلُ ما یَشاءُ (7) لا وجوب علیه و لا استقباح منه، هذا مذهب الأشاعرة، و ما نسبه هذا الرّجل المفتری إلیهم أخذه من قولهم: إنّ اللَّهُ خالِقُ کُلِّ شَیْءٍ، فیلزم أن یکون خالقا للقبائح، و لم یعلموا أنّ خلق القبیح لیس فعله، إذ لا قبح بالنّسبة إلیه، بل بالنّسبة إلى المحل المباشر للفعل کما ذکرناه غیر مرّة، و سنذکر تحقیقه فی مسألة خلق الأعمال (8) «انتهى»
أقول [القاضى نور اللّه]
قد أبطل النّاصب أکثر ما ذکره نصرة للأشاعرة بقوله: و أما المعتزلة
فمن جهة أنّ ما هو قبیح منه یترکه و ما یجب علیه یفعله، فإنّ ذکره هذا فی مقابلة قول الأشاعرة صریح فی أنّ الأشاعرة قائلون: بأنّ اللّه تعالى لا یترک ما هو قبیح فی الشّاهد، بل یفعل الکلّ، فإنّ هذا القدر یکفینا فی أصل المقصود، و یبقى الکلام فی أنّهم یدّعون أنّ ما هو قبیح فی الشّاهد و بالنّسبة إلیه لیس بقبیح بالنّسبة إلى اللّه تعالى، و هو تحکم کما عرفت غیر مرّة. و أما قوله: و نحن قد أبطلنا حکم العقل، فقد عرفت بطلانه مع منافاته لما صرّح به سابقا فی محاکمته المردودة بحکومة العقل فی الجملة. و أمّا قوله: (خلق القبیح لیس فعله: إذ لا قبیح بالنّسبة إلیه) فقد مرّ أنه مکابرة ظاهرة، و سیأتی الکلام فیه فیما بعد إن شاء اللّه تعالى.
1) أى المقتضى، لان الممکن لا یوجد الا عند وجود المقتضى و ارتفاع الموانع، و القبیح بالنسبة الیه تعالى لا مقتضى له اصلا و له مانع منه «قده».
2) اى داع هو حکمته تعالى و علمه بمصالح الأمور.
3) اى حاجة القادر الى شیء. منه «قده».
4) و جریان الحاجة على اللّه تعالى محال.
5) و هذا الداعی أیضا منفی فیه تعالى، ضرورة أنه لا حکمة فی القبائح حتى یحصل داع الى فعله.
6) إشارة الى قوله تعالى فی سورة المائدة الآیة 1.
7) إشارة الى قوله تعالى فی سورة آل عمران الآیة 40.
8) حیث ان أکثر الاشاعرة ذهبوا الى أن ذوات الأفعال صادرة منه تعالى و اتصافها بالحسن و القبح و سایر الوجوه المعتورة باعتبار محالها و مباشریها.